قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

الصديقة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها


هي أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر عبد الله بن أبى قحافة عثمان بن عامر .. القرشية التيمية المكية . زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيبة حبيب الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من فوق سبع سماوات . أفقه نساء الأمة على الإطلاق ، الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها.

أبوها الإمام الصديق الأكبر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وخليفة رسول الله وأفضل رجل في الأمة بعد نبيها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ومناقبه أكثر من تحصر جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ما بقى في الدنيا قرآن يتلى . وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية

ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس وتزوجها النبي بعد وفاة الصديقة أم المؤمنين الكبرى خديجة بنت خويلد وذلك قبل الهجرة ببضعة عشر شهرًا وقيل بعامين وهي بنت ست سنين وقيل سبع ودخل بها وهي بنت تسع سنين في شوال في السنة الثانية من الهجرة منصرفة رضي الله عنها من غزوة بدر ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم بكرًا غيرها .

عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاَثِ سِنِينَ ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيباً مِنْ ذَلِكَ ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وهي بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ ( أخرجه البخاري ـ كتاب مناقب الأنصار ـ باب تزويج النبي عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها 5/71 )

تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بأمر الوحي:

جاء جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم بصورة عائشة في النوم وأخبره أنها ستكون زوجته .

عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : قال صلى الله عليه وسلم : « أُرِيتُكِ في الْمَنَامِ ثَلاَثَ لَيَالٍ جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ في سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ . فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ فَإِذَا أَنْتِ هي فَأَقُولُ إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ » ( أخرجه البخاري ـ نفس الكتاب والباب السابق . وأخرجه مسلم ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب فضل أم المؤمنين عائشة. صحيح مسلم بشرح النووى 15/202 واللفظ له

جبريل عليه السلام يقرئ عائشة السلام .

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قال صلى الله عليه وسلم يَوْماً : « يَا عَائِشَ ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ » . فَقُلْتُ : وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، تَرَى مَا لاَ أَرَى . تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( أخرجه البخاري ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب فضل عائشة 5/36 . وأخرجه مسلم ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب فضل عائشة. صحيح مسلم بشرح النووى 15/210211 15/210211 )

عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : « فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ » ( أخرجه البخاري ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب فضل عائشة 5/36 . وأخرجه مسلم ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب فضل عائشة. صحيح مسلم بشرح النووى 15/210211 15/210211 )

ما نزل بعائشة رضي الله عنها ضائقة إلا جعل الله للمسلمين منها فرجًا .

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاساً مِنْ أَصْحَابِهِ في طَلَبِهَا ، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاَةُ ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ ، فَلَمَّا أَتَوُا النبي صلى الله عليه وسلم شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ . فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ : جَزَاكِ اللَّهُ خَيْراً ، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجاً ، وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً ( أخرجه البخاري ـ نفس الكتاب والباب السابق . وأخرجه مسلم ـ كتاب الحيض ـ باب التيمم . صحيح مسلم بشرح النووى 4/5960 )

منزلة أم المؤمنين عائشة العلمية :

ولمنزلة عائشة رضي الله عنها من الرسول صلى الله عليه وسلم فقد اطلعت على ما تطلع عليه المرأة من أمور زوجها الخاصة ولشدة ذكائها وفهمها فلقد حفظت عن الرسول صلى الله عليه وسلم علمًا كثيرًا طيبًا ونقلت إلى الأمة ما حفظت عنه صلى الله عليه وسلم ولأنها عاشت بعده صلى الله عليه وسلم ما يقرب من خمسين سنة فلقد احتاج الناس إلى علمها فكانوا يهرعون إليها يسألونها عن معضلات المسائل التي تنزل بالمسلمين فيجدون عندها الجواب الشافي قال عروة : ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة .

قال عطاء بن أبى رباح : كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيًا في العامة .

قال الزهري : لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل .

قال أبو موسى : ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علمًا .

قال مسروق : رأيت مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض .

قال الحافظ ابن حجر : الصديقة بنت الصديق مات النبي صلى الله عليه وسلم ولها نحو ثمانية عشر عامًا ، وقد حفظت عنه شيئاً كثيرًا وعاشت بعده قريبًا من خمسين سنة ، فأكثر الناس الأخذ عنها ، ونقلوا عنها من الأحكام والآداب شيئاً كثيرًا حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها ( فتح الباري 7/134)

روت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمًا طيبًا مباركاً فيه وعن أبيها وعن عمر وفاطمة وسعد بن أبى وقاص وغيرهم ، وروى عنها خلق كثير .

روى عنها من الصحابة عمر وابنه عبد الله وأبو هريرة وابن عباس وأبو موسى وزيد بن خالد وعبد الله بن الزبير وغيرهم .

روى عنها من التابعين : القاسم بن محمد بن أبى بكر وأخوه عبد الله وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب ومسروق وغيرهم ، كان مسروق إذا حدث عن عائشة قال : حدثتني الصادقة ابنة الصديق حبيبة حبيب الله .وهى من المكثرين من الرواية .

قال الحافظ الذهبي : مسند عائشة يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث . اتفق البخاري ومسلم لها على مائة وأربعة وسبعين حديثاً ، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين وانفرد مسلم بتسعة وستين ( سير أعلام النبلاء 2/139 )

ولقد عرف الصحابة لأمهم السيدة الطاهرة عائشة رضي الله عنها مكانتها ومنزلتها في الدنيا والآخرة حتى الذين خالفوها في الرأي وهذا هو اللائق بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم على معرفة الفضل لأهله وإنصاف المخالفين لهم .

عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الأَسَدِيُّ قَالَ : لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ إِلَى الْبَصْرَةِ بَعَثَ عَلِىٌّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ ، فَقَدِمَا عَلَيْنَا الْكُوفَةَ فَصَعِدَا الْمِنْبَرَ ، فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ فَوْقَ الْمِنْبَرِ في أَعْلاَهُ ، وَقَامَ عَمَّارٌ أَسْفَلَ مِنَ الْحَسَنِ ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ فَسَمِعْتُ عَمَّاراً يَقُـولُ : إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ ، وَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلاَكُمْ ، لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هي ؟ ( أخرجه البخاري ـ كتاب الفتن ـ باب رقم 189/70 )

عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَكَتْ ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى أَبِى بَكْرٍ ( أخرجه البخاري ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب فضل عائشة 5/36 )

عَنْ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ : اسْتَأْذَنَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَبْلَ مَوْتِهَا عَلَى عَائِشَةَ ، وهي مَغْلُوبَةٌ قَالَتْ : أَخْشَى أَنْ يُثْنِىَ عَلَىَّ . فَقِيلَ : ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ . قَالَتِ : ائْذَنُوا لَهُ . فَقَالَ : كَيْفَ تَجِدِينَكِ ؟ قَالَتْ : بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ . قَالَ : فَأَنْتِ بِخَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْراً غَيْرَكِ ، وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ . وَدَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ خِلاَفَهُ فَقَالَتْ : دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَثْنَى عَلَىَّ وَوَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ نِسْياً مَنْسِيًّا ( أخرجه البخاري ـ كتاب التفسير ـ تفسير سورة النور باب (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ )(النور : 16)

أسباب إكثار أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الرواية:


نستطيع حصر أسباب إكثار أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الرواية في النقاط الآتية :

1 – ملازمتها الشديدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملازمة الزوجة لزوجها ، وهذه الملازمة أطلعتها على كثير من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم يتمكن غيرها من الاطلاع عليها ، فحفظت عنه ما لم يحفظه غيرها .

2 – حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وميله إليها أكثر من غيرها من بقية نسائه مكنها من طول مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم والتعرف على ما تريد وتسأل عن كل ما تشاء .

3 – صغر سنها ، لقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة رضي الله عنها وهي في التاسعة من عمرها ، وهذه الفترة من عمر الإنسان هي فترة الحفظ والتحصيل ، لأن الإنسان في هذه الفترة يتمتع بصفاء الذهن وقلة الشواغل عن الحفظ .

4 – ذكاء أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الفذ الذي تميزت به على غيرها مكنها من حفظ أقواله وأفعاله وتقريراته ، وكل ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم .

5 – ملازمتها للمدينة المنورة ، وفي المدينة كثر طلاب العلم ، فكثر الآخذون عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقام طلابها بتبليغ ما أخذوا عنها .

6 – حرص المسلمين على الأخذ والتلقي عن السيدة عائشة رضي الله عنها لملازمتها للرسول صلى الله عليه وسلم واختصاصها ببعض أموره صلى الله عليه وسلم التي لم يعرفها غيرها ، ولا أدل على ذلك من أن الصحابة كانوا يرجعون إليها في كثير من المسائل التي لا يطلع عليها إلا زوجة الرجل وكانوا ينزلون على قولها .

7 – تعدد مصادر التحمل بالنسبة للسيدة عائشة رضي الله عنها ، فكما أخذت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد تحملت عن كبار الصحابة فروت عن أبيها أبي بكر وعمر وفاطمة بنت رسول الله رضي الله عنها وغيرهم

8 – تفرغ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم للرواية والإفتاء ، فلم تشغل نفسها بغير ذلك .

9 – تأخر وفاة السيدة عائشة فقد عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة زمنية طويلة ، ما يقرب من نصف قرن ، فلقد توفيت في السنة الثامنة والخمسين ، وفي هذه الفترة احتاج الناس إلى علمها ، وكان يجب عليها تبلغ ما سمعت .

توفيت رضي الله عنها وأرضاها سنة سبع وخمسين على الصحيح وقيل سنة ثمان وخمسين في ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان بعد الوتر ودفنت من ليلتها وصلى عليها أبو هريرة .

 

منقول