قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

السبائك الذهبية في العقيدة السلفية


هذه خمسون مسألة في العقيدة

• مذهب سلف الأمة وأئمتها في باب الأسماء والصفات ينص على أننا نثبت لله تعالى كل ما سمى به نفسه في كتابه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونصف الله تعالى بما وصف به نفسه في كتابه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته ، وننفي عنه جل وعلا كل ما نفاه عن نفسه من الأسماء والصفات في كتابه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، لأن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصيروالمتقرر عند سلف الأمة وأئمتها أن كل ما نفاه الله تعالى عن نفسه فالواجب فيه أمران : الأول: نفي ما نفاه الله تعالى عن نفسه ، الثاني :- إثبات كمال الضد له .وأما من زاغ عن هذا الفهم فإنهم لا يصفون الله تعالى إلا بالنفي المحض الذي لا يتضمن ثبوتا ، فيقولون :- الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ، ولا يرى في الآخرة ، ولا حي ولا ميت ولا موجود ولا معدوم ، ولا يسمع ولا يبصر ، ولا ، ولا ولا ، وإذا نظرت إلى هذا النفي وجدته يتضمن عدة مخالفات : الأولى :- أنه نفي لما ثبت الدليل به من الكتاب والسنة ، الثاني :- أنه نفي لا يتضمن ثبوتا ، فهو نفي محض ، الثالث :- أنه نفي يفضي إلى القول بأن الله تعالى معدوم ، فإنهم إذا وصفوا الله تعالى إنما يصفوه بالسلوب - أي بالنفي - والاقتصار على الوصف بالنفي يؤدي إلى هذه النتيجة ، ولذلك قال أهل السنة :- الممثل يعبد صنما ، والمعطل يعبد عدما ، لأن المعطل لم يصف ربه إلا بالنفي فقط ، الرابع :- أنه بني على فهم مخالف لفهم سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة الهدى ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم السلف في مسائل العقيدة والعمل فإنه باطل.


• اتفق سلف الأمة رحمهم الله تعالى على أن معاني الصفات معلومة ، وأن كيفياتها على ما هي عليه مجهولة ، فالعلم بمعاني الصفات متفق عليه بين الأئمة من أهل السنة والجماعة فالصفات تعلم باعتبار ، وتجهل باعتبار ، فتعلم باعتبار معانيها اللغوية ، وتجهل باعتبار كيفياتها ، هذا فهم السلف ، ومن نسب السلف لغير هذا فقد كذب أو ضل ، أو أخطأ ، فالسلف متفقون على العلم بالمعنى ، ومتفقون على الجهل بالكيف ، لأن العلم بالكيفية لا يكون إلا برؤية الشيء أو رؤية نظيره أو إخبار الصادق عن هذه الكيفية ، وكلها منتفية في حق كيفية صفات الله تعالى.


• أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن باب الأسماء والصفات لله تعالى من الأبواب التوقيفية على النص ، فلا مدخل للعقول فيها ، فلا يدخلون في هذا الباب متأولين بآرائهم ولا متوهمين بأهوائهم فإن العقول لو كانت تعرف ما يليق بالله تعالى من الصفات على وجه التفصيل لما احتاجت البشرية إلى إرسال الرسل وإنزال الكتب ، ولما علق الهداية والصلاح على متابعة الوحي ، ثم إن العقول أقصر وأحقر من أن تدخل في باب هو من أبواب الغيب ، ثم إن العقول متفاوتة ، فبأي عقل نزن الكتاب والسنة ؟ أبعقل الأشعري الذي يثبت الأسماء وسبع صفات فقط ، أو بعقل المعتزلي الذي يثبت الأسماء وينفي الصفات ، أم بعقل الجهمي الذي ينكر الأسماء والصفات كلها ، أم بعقل الفلاسفة الذي ينكرون دخول الإثبات في صفات الله تعالى ولا يقرون إلا النفي فقط ، فيقولون :- املأ الدنيا نفيا ، ولكن لا تثبت صفة واحدة ، أم بعقل غلاة الغلاة من الباطنية والقرامطة الذين ينفون النفي والإثبات ، فيقولون :- لا حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل ولا موجود ولا معدوم ، فينفون الصفة ونقيضها ، بالله عليك ، أي العقول أحق أن تتبع ؟.

• اتفق سلف الأمة وأئمتها على اعتماد طريقة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم في الإثبات المفصل والنفي المجمل ، فإن طريقة الرسل عليهم الصلاة والسلام في جانب إثبات الأسماء والصفات لله تعالى هي التفصيل ، وفي جانب النفي هي الإجمال ، وهي طريقة القرآن والسنة وطريقة الصحابة والتابعين.

• اتفق سلف الأمة وأئمتها على إثبات الرؤية يوم القيامة - أي رؤية الله تعالى - فأهل السنة والجماعة متفقون الاتفاق القطعي على أن الله تعالى يُرى يوم القيامة ، فيرى يوم القيامة ويُرى بعد دخول الجنة ، وأهل السنة مجمعون على أنها رؤية حقيقية بالعيان ، على الكيفية التي يريدها الله تعالى وقد انعقد إجماع أهل السنة رحمهم الله تعالى على هذه المسألة ، فالسلف الصالح يفهمون من أدلة الرؤية عدة أمور:
الأول :- أنها رؤية حق وثابتة ، ولا محيص عن الإيمان بها ،
الثاني :- أنها رؤية عيان بالأبصار ،
الثالث :- أنها ستكون في العرصات وبعد دخول الجنة
الرابع :- أنها رؤية لا تستلزم نقصا ولا عيبا في حق الرب جل وعلا ،
الخامس :- أنها على الكيفية التي يريدها الرب جل وعلا.

• اتفق سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ومن تبعهم على الحق من أهل السنة إلى ساعتنا هذه أن مما يوصف الله تعالى به :
- أنه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته ، وأنه ليس كاستواء المخلوق ولذلك فإن مذهب السلف في الصفات يقوم على ثلاثة أصول:
الأول :- إثبات الصفة التي يدور حولها النص ، يعني التي أثبتها النص ،
الثاني :- الاعتقاد الجازم أنها مما يليق بالله تعالى فلا يماثله فيها شيء من صفات مخلوقاته ،
الثالث :- قطع الطمع في التعرف على كيفية هذه الصفة.


• اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الألفاظ المجملة المبهمة التي تحتمل الحق والباطل كلفظ الجهة والجسم والحيز والمكان أنها لا ترد مطلقا ولا تقبل مطلقا ، وإنما هي موقوفة على التفصيل ، حتى يتميز حقها من باطلها فيقبل الحق ويرد الباطل .

• اتفق الأئمة على أن التشريع أمر موقوف على الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة فلا مدخل لغيرها في التشريع ، فلا تؤخذ العقائد عند السلف إلى من الكتاب والسنة فقط ، ولا ثالث لها ، ولكن لابد أن يكون الأخذ بها مقرونا بفهم سلف الأمة ، فالسلف رحمهم الله تعالى فهموا أن أدلة الكتاب والسنة وافية كافية في تقرير أمور المعتقد ، وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم فإنه لا ينظر إلى الكتاب والسنة نظر اعتبار ، بل عامة أهل البدع والضلالات لا يرون أن الكتاب والسنة من المصادر التي يؤخذ منها المعتقد.


• اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن القرآن كلام الله تعالى منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، وأنه كلام الله تعالى حقيقة حروفه ومعانيه ، ليس كلامه الحروف فقط دون المعاني ولا المعاني دون الحروف ، بل الحروف والمعاني كلها كلام الله تعالى ، وأن الله تعالى تكلم به حقيقة وسمعه منه جبريل ، وبلغه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بلغه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة ، وبلغه الصحابة إلى كافة الأمة ، ولا تزال الأمة تتناقله خالفا عن سالف ، وحفظه في الصدور والسطور والأوراق لا يخرجه عن كونه كلام الله تعالى على الحقيقة.

• اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الله تعالى يوصف بالعلو المطلق في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله ، فأسماؤه لها العلو المطلق في الحسن والكمال ، وصفاته لها العلو المطلق في الجمال والكمال من كل وجه ، وأفعاله لها العلو المطلق في الكمال والحكمة ، وله العلو المطلق في القهر . أجمع أهل السنة والجماعة على أن لله تعالى يدين لائقتين بجلاله وعظمته وأنهما من صفاته الذاتية ، وأجمعوا على أنه له وجها لائقا بجلاله وعظمته ، وأجمعوا على أن الله تعالى موصوف بالأصابع والقدم والساق ، وأجمعوا على أنه تعالى موصوف بالحياة والعين والسمع والبصر ، وأنه تعالى موصوف بالرحمة والرضا والعفو والمغفرة ، وأنه موصوف بالغضب والمقت والكراهية ، وأنه يُحِبُ ويُحَب ، وكل ذلك حق على حقيقته ، نفهم معناه ونكل العلم بكيفيته لله تعالى ، والمتقرر عند سلف الأمة وأئمتها أن الاتفاق في الأسماء لا يستلزم الاتفاق في الصفات ، وأن الاتفاق في الاسم الكلي العام لا يستلزم الاتفاق بعد التقييد والتخصيص والإضافة.


• سلف الأمة وأئمتها رحمهم الله تعالى يفهمون أن ما أضافه الله تعالى له من الأشياء لا يخلو من حالتين :
- إما إضافة شيء لا يقوم بذاته ،
- وإما إضافة شيء يقوم بذاته, فالأشياء المضافة إلى الله تعالى إن كانت لا تقوم بذاتها فالسلف لا يفهمون منها إلا أنها من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ، وإن كانت مما يقوم بذاتها فهي من باب إضافة التكريم والتشريف ، أو المخلوق إلى خالقه ، لا يفهم سلف من الإضافة إلا هذين القسمين.
• الروح عند أهل السنة كافة مخلوقة مبتدعة مربوبة مدبرة ، وما خالف هذا الفهم فإنه باطل ، لأن المتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة وأئمتها فهو باطل .

• اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن التبرك بالذات مما خص به ذات النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز التبرك بذات أحد من الخلق إلا بذاته صلى الله عليه وسلم ، وما اتصل بها وهذا متفق عليه بين الأئمة رحمهم الله تعالى ، فقد كانوا يتبركون بوضوئه ونخامته وعرقه وثيابه وغير ذلك مما ثبتت به الأدلة ، وهذا التوسل يجوز عند أهل السنة بآثاره ولو بعد مماته صلى الله عليه وسلم ، ولا شيء من آثاره قد بقي الآن عند عامة أهل العلم ، والذي يهمنا هنا هو أن الصحابة رضي الله عنهم فهموا أن هذا التبرك من خصائصه صلى الله عليه وسلم ، ولذلك فإنهم لم يكونوا يتبركون بشيء من آثار غيره ، حتى وإن بلغ في الصلاح والورع والعلم والزهد ما بلغ ولأن المتقرر أن الأصل في التبرك بالأعيان والأزمنة والأمكنة التوقيف على الدليل ، وأين الدليل الدال على جواز التبرك بالأولياء والصالحين ؟ ولأن وجود البركة في الشخص من أمور الغيب ، والمتقرر أن أمور الغيب مبناها على النص الصحيح الصريح ، وأما البركة الموجودة في كل مسلم ، فإنها بركة معنوية لازمة ، لا ذاتية متنقلة ، وهي بركة العمل والإيمان ، وبركة العمل بمقتضى منهاج النبوة والخلط بين نوعي البركة هو الذي أوجب كثيرا من البدع في باب التبرك ، وأزيدك فائدة في تقرير بعض القواعد في باب التبرك لتكون على بصيرة من الأمر في هذا الباب :
الأولى :- الأصل في التبرك التوقيف على الدليل ،
الثانية :- الأصل في بركة الأعيان التوقيف على الدليل ،
الثالثة :- الأصل في بركة الأزمان التوقيف على الدليل ،
الرابعة :- الأصل في بركة الأمكنة التوقيف على الدليل
الخامسة :- الأصل وقف البركة الذاتية المنتقلة على ذات النبي صلى الله عليه وسلم ،
السادسة :- الأصل منع التبرك بأي شيء من أجزاء الأرض إلا بدليل ،
السابعة :- ما ثبت الدليل بأنه مبارك فلا يجوز أن يتعدى في التبرك به على ما أثبته الدليل.

• أجمع سلف الأمة على أن الأولياء لهم المقام الرفيع عند الله تعالى ، فلا خوف عليهم ولا يحزنون ، وأجمع السلف على أن أولياء الله تعالى هم المؤمنون المتقون ، وتتفاوت درجات الولاية بحسب تفاوت الأولياء في تحقيق درجات الإيمان والتقوى ، فأكثرهم ولاية أعظمهم في تحقيق ذلك ، قال تعالى  أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ  وأجمع السلف على هذه الآية إنما تثبت منزلة الأولياء عند الله تعالى فقط ، وأجمعوا على أنها لا تدل على الطواف حول قبورهم أو التبرك بترابها ، أو بشيء من آثارهم أو الذبح والنذر لهم أو دعائهم والاستغاثة بهم من دون الله تعالى في كشف الملمات وتفريج المدلهمات ، ولا تدل على العكوف عند قبورهم ولا على البناء عليها ، أو الصلاة عندها ، أو تعليق أوراق الشكوى على عتباتها أو في شباكها ، ولا غير ذلك مما يفعله عباد القبور عند قبورهم ، الآية المذكورة لا تدل على شيء من ذلك لا بدلالة المطابقة ولا التضمن ولا الالتزام ، ولا بشيء من الدلالات عند أهل العلم في الدنيا ، ولكن أبى عباد القبور إلا الاستدلال بها على ذلك ، فما إن تناقش واحدا منهم في منع ذلك ، إلا ويستدل لك بهذه الآية ، سبحان الله ، كيف تطيب نفسه أن يجعل القرآن الذي من مقاصد إنزاله الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك ، كيف يجعله هذا الحمار دليلا مؤيدا للشرك والوثنية ، عجبا لهذه الفهوم المنكوسة ، فبالله عليك ، هل فهم سلف الأمة هذه الأفعال المنكرة من هذه الآية ؟ بالطبع ، لا ، فضلا عن الأدلة المتواترة في النهي عن هذه الأفعال ، ففهم عباد القبور هذه الأفعال القبيحة من هذه الآية الكريمة فهم باطل ، لأنه فهم مخالف لفهم السلف ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة والعمل فإنه باطل ، والله يتولانا وإياك .

• اتفق السلف ، بل المسلمون جميعا على علو منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى وأنه أعظم الناس جاها عند الله تعالى ، فليس ثمة منزلة كمنزلته ، ولا جاها كجاهه ولا شرفا كشرفه ، ولا قدرا كقدره ، عليه الصلاة والسلام ، ولكن سلف الأمة رحمهم الله تعالى مع إقرارهم بكل ذلك ، إلا أنهم لم يفهموا من ذلك تجويز التوسل بذاته إلى الله تعالى ، أو الحلف بجاهه ، أو التمسح بجدران الغرف التي على قبره ، أو دعاءه من دون الله تعالى أو الاستغاثة به من دون الله ، أو شد الرحال إلى زيارة قبره فقط ، أو تعليق كمال الحج على زيارة مسجده وقبره وكل حديث في زيارة قبر مخصوص على وجه الأرض فباطل ، ولم يفهم السلف من ذلك تجويز الدعاء مع استقبال حجرته ، ولا كثرة التردد إلى قبره للسلام والصلاة عليه ، ولا تكلف قطع المسافات لمجرد السلام والصلاة عليه ، وغير ذلك مما يعتقده بعض الناس من الاعتقادات الباطلة فيه صلى الله عليه وسلم ، فمن فهم من علو منزلته وجاهه شيئا من ذلك ، فقد فهم فهما مخالفا لفهم سلف الأمة ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة فإنه باطل وبالجملة فهنا مسألتان لابد من التفريق بينهما ،

الأولى :- أن التوسل لفظ مجمل يختلف باختلاف المتكلم به ، فإن ورد لفظ الوسيلة في القرآن فإنه لا يراد به إلا إتباع الشرع ، بفعل المأمور إيجابا واستحبابا ، وبترك المنهي عنه تحريما أو كراهة ، أي متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله تعالى إلا بما شرع كما قال تعالى  أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ  وكما قال تعالى  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  فالوسيلة هنا يراد بها ما ذكرته لك ،
وإن ورد لفظ الوسيلة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يراد بها تلك المنزلة في الجنة التي لا تنبغي إلا لواحد من عباد الله ، كما قال صلى الله عليه وسلم { ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة } رواه مسلم ،
وإن ورد لفظ الوسيلة في كلام الصحابة فإنما يراد به طلب الدعاء لا غير ، وعلى ذلك قول عمر " إنا كنا نتوسل بنبيك فتسقينا ، وإن نتوسل إليك بعم نبينا ... الحديث ، وهو في البخاري
الثانية :- اعلم أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة يراد به أحد أمور :
- يراد به التوسل إلى الله تعالى بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله تعالى إلا بما شرع ، فهذا هو أصل الدين وأساس الملة ، وقاعدة الشرع التي بعث بها صلى الله عليه وسلم ، وهذا من الفروض في حياته وبعد مماته ويراد به التوسل إلى الله تعالى بطلب الدعاء منه ، وهذا جائز باتفاق أهل السنة ، ولكنه لا يجوز إلا في حياته فقط ، وأما بعد مماته ، فلا يجوز باتفاق أهل العلم رحمهم الله تعالى .
- ويراد به التوسل إلى الله تعالى بذاته ، وهذا من التوسل البدعي باتفاق أهل السنة والجماعة ، ولا عبرة بمخالفة أهل البدع
- ويراد به التوسل إلى الله تعالى بجاهه ، فهذا من التوسل البدعي كذلك عند عامة أهل السنة ، فبان لك بذلك ، أن التوسل إلى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم له حالتان مشروعتان ، إحداهما مشروعة على وجه الإطلاق ، والأخرى مشروعة في حياته فقط ، وحالتان ممنوعتان ومنعهما على وجه الإطلاق ، في حياته وبعد مماته ، والمقصود أن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم لا تستلزم الوقوع في المخالفات التي لا دليل عليها ، لأن هذه المخالفات بنيت على غير فهم السلف ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة والعمل فهو باطل ، والله يتولانا وإياك .

• اتفق المسلمون على وجوب الإيمان بالملائكة ، والجن ، وأنهما صنفان من أصناف ما خلقه الله تعالى ، واتفقوا على أن الإيمان بهم يتضمن الإيمان بوجودهم ، وأنهم أجسام وأن لهم أسماء وصفات وأعمال ، واتفقوا على أن الجن مكلفون ، فالأدلة الواردة في شأن الملائكة فهم سلف الأمة منها أنهم أجسام وأن وجودهم حقيقي ، وكذلك الأدلة الواردة في شأن الجن وفهم سلف الأمة هو الحق في هذا الباب ، وفي كل باب، وأما الفلاسفة ومن نحا نحوهم ، فإنهم لا يؤمنون بوجود الملائكة ولا الجن ، بل يفهمون مما ورد فيهم أن الملائكة عبارة عن قوى الخير فقط ولا أجسام لهم ، ولا حقيقة لهم إلا ذلك ، وأن الجن لا وجود لهم وليسوا هم بأجسام ، وإنما هم عبارة عن قوى الشر فقط ، وهذا فهم أخرق عاطل باطل ، لأنه مخالف للأدلة المتواترات من الكتاب والسنة ومخالف لإجماع المسلمين ، ومخالف لفهم سلف الأمة ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة والعمل فإنه باطل ، والله يتولانا وإياك للهدى .

• أجمع أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى على أن ما ورد به الدليل مما سيكون في اليوم الآخر أنه حق على حقيقته ، وأنه لا يجوز إخراج شيء منه عن مدلوله الصحيح فسؤال القبر ونعيمه وعذابه حق ثابت ، نعلم معناه ونكل العلم بكيفيته إلى الله تعالى ، والبعث والجزاء والميزان والصراط وتناثر صحف الأعمال والقنطرة والمقاصة ، كل ذلك حق على حقيقته نعلم معناه ونكل العلم بكيفيته إلى الله تعالى ، واتفق السلف على كل ذلك ، واتفقوا على أن الجنة والنار موجودتان الآن ، لا تفنيان أبدا ولا تبيدان ، وأن الله تعالى يخلق للجنة أهلا ليسوا من أهل الدنيا فيدخلهم فيما بقي منها ، وأنه يضع رجله على النار فينزوي بعضها إلى بعض فتقول :- قط قط ، وكل ذلك على الحق ، نؤمن به ، ولا ندخل في هذا الباب متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا ، ونؤمن أن معناه معلوم على حسب وضع اللسان العربي ، وأما حقيقته التي هو عليها في الواقع فلا يعلم بها إلا الله تعالى.


• انعقد إجماع سلف الأمة رحمهم الله تعالى على أن مرتكب الكبيرة في الدنيا لا يكفر الكفر المخرج عن الملة ، ولا يكون معه كمال الإيمان ، بل هو مؤمن وفاسق ، فهو مؤمن بما بقي معه من الإيمان ، وفاسق بما ارتكبه من الذنوب والعصيان ، وأهل السنة نظروا في تقرير قولهم هذا إلى الأدلة كلها ، إلى الأدلة الواردة في المسألة كلها ، وأن كل ذنب عدا الشرك وصف عذابه بالخلود ، فإنه في حق مرتكب الكبيرة لا يراد به الخلود الأبدي المطلق في النار ، وإنما يراد به مطلق الخلود ، لأن أهل السنة متفقون على أن مرتكب الكبيرة في الآخرة تحت المشيئة ، فإن شاء الله تعالى غفر له كبيرته وأدخله الجنة ابتداء ، وإن شاء عذبه في النار بقدر كبيرته ، ثم يخرجه منها فيدخله الجنة انتقالا ، فأهل السنة عندهم في مرتكب الكبيرة مذهبان :
- أما في الدنيا ، فهو مؤمن ، ولكنه ناقص الإيمان ، وهذا النقص يتفاوت بتفاوت عظم الجرم ،
- وأما في الآخرة ، فإنه إن مات مصرا على كبيرته ، فإنه تحت المشيئة كما ذكرته لك ، ولم يخالف في ذلك أحد من أهل السنة والجماعة ولا أحد من سلف الأمة وأئمتها.
• اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن حقيقة الإيمان مركبة من اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح ، واستدلوا على كل واحدة منها بأدلة كثيرة ، وقد ذكرت هذه الأدلة في كتابي ( إتحاف أهل الألباب بمعرفة التوحيد والعقيدة في سؤال وجواب ) وأما أهل البدع فقد بنوا مذهبهم في هذه المسألة على مخالفة فهم سلف الأمة ، فمنهم من قال :
- الإيمان اعتقاد فقط ،
- ومنهم من قال :- بل الإيمان اعتقاد وعمل فقط ، وليس العمل من الإيمان
- ومنهم من قال :- بل الإيمان قول فقط ، ولا شأن للعمل ولا للاعتقاد فيه ،
- ومنهم من قال :- بل الإيمان مطلق المعرفة ، وكلها أقوال باطلة ، لأنها بنيت على غير فهم الأمة ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة والعمل فهو باطل .

• أجمع سلف الأمة وأئمتها رحمهم الله تعالى على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، وأجمعوا على أنها مع ذلك من كسب العبد وتحصيله ، ففعل العبد ينسب إلى الله تعالى خلقا وتقديرا وإيجادا ، وينسب للعبد تحصيلا واكتسابا ، وأجمعوا على أن العبد له قدرة واختيار, وأجمعوا على بطلان قول من قال :- إنه مجبور على فعله ، ولا حول له ولا قوة في اختيار شيء ، بل مدفوع إلى فعله دفعا ، فهو بمنزلة المغسول بين يدي غاسله ، والميت بين يدي مقلبه ، لا يملك شيئا من القدرة ولا شيئا من الاختيار ، هذا القول الخبيث قد أجمع سلف الأمة على بطلانه ، وأجمعوا على بطلان قول من قال :- إن العبد هو الذي يخلق فعله بذاته ، وأن له القدرة الكاملة والاختيار الكامل ، ولا تعلق لغيره في اختيار فعله ، وهذا باطل ، كما ذكرته باتفاق السلف ، بل السلف متفقون على أن العبد له قدرة واختيار ومشيئة ، ولكن كل شيء بقضاء الله وقدره ، ولا يخرج شيء عن أن يكون مقدورا لله تعالى ، والله خالق الأشياء بذواتها وصفاتها وجميع متعلقاتها ، وكل شيء معلوم بالعلم الشامل الكامل ومكتوب في اللوح المحفوظ ، ولا يفهم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا ما قرره سلف الأمة في هذا الباب ، وأما القدرية والجبرية فإنهم ضلوا في هذا الباب ضلالا بعيدا ،
- فالقدرية أخذوا بالأدلة التي تنسب الفعل إلى العبد وتضيفه إليه فقط ، فقالوا إنه يخلق فعله وهو القادر عليه القدرة الكاملة ،
- والجبرية أخذوا بالأدلة التي تنسب فعل العبد إلى الله فقالوا :- لا قدرة للعبد ولا اختيار ، وأما أهل السنة ، فإنهم نظروا إلى الأدلة جميعا وفهموا من إضافة الفعل إلى العبد أنها إضافة تحصيل واكتساب ، وفهموا من إضافة فعل العبد إلى الله تعالى أنها من باب إضافة الخلق والتقدير والإيجاد ، وعليه :- فالقدرية والجبرية في هذا الباب فهموا من النصوص فهما مخالفا لفهم سلف الأمة ، والمتقرر أن كل فهم بني على مخالفة فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة والعمل فإنه فهم باطل ، والمتقرر أن ما بني على الباطل فهو باطل.

• أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن الله تعالى ( معنا) بمعيتين ، معية عامة ومقتضاها العلم والإحاطة والهيمنة ، ومعية خاصة ، ومقتضاها النصر والتأييد والتوفيق والحفظ وكلها حق على حقيقتها ، وسلف الأمة لا يفهمون من معية الله تعالى لنا أنه مختلط بالخلق أو حال فيهم ، أو أنه داخل هذا العالم ، أو أنه هو عين وجود هذا العالم ، كل ذلك من الأفهام المعوجة عن سنن الكتاب والسنة ، وهي مخالفة لفهم سلف الأمة ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة والعمل فهو باطل, واتفق سلف الأمة رحمهم الله تعالى على أن معيته لخلقه لا تنافي علوه على عرشه ، لأنه جل وعلا ليس كمثله شيء في جميع نعوته ، فهو العلي في قربه ودنوه وهو القريب في علوه وفوقيته جل وعلا ، فالأدلة جاءت بهذا وبهذا ، والأدلة لا تأتي بمحالات العقل وإن كانت تأتي بمحارات العقول ، أي أنها لا تأتي بما يحيله العقل ، ولكنها تأتي بما يحار فيه العقل لأنه أضعف وأقصر وأنقص من الإحاطة بما هو من باب الغيب.

• وهذه القاعدة الطيبة نافعة حتى في مسائل التفسير ، فكل تفسير على غير فهم السلف فباطل ، كتفسير بعضهم لقوله تعالى  سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ  فإن الضمير في قوله ( أنه ) عائد إلى القرآن ، وهو باتفاق السلف ، فالسلف يفهمون من الآية أن الضمير يعود على القرآن لا على الله ، ولكن قال بعض طوائف المتكلمين والصوفية أنه - أي الضمير - يعود على الله ، وهذا فهم مخالف لفهم سلف الأمة ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة فهو باطل.


• واختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في الجنة التي دخلها آدم عليه السلام ، وأبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى بحث هذه المسألة في الفتاوى ، وتوصل إلى أن السلف رحمهم الله تعالى لا يفهمون من لفظ الجنة التي أدخلها أبونا آدم عليه السلام إلا أنها جنة الخلد التي في السماء ، وأن من قال بغير هذا القول ، فإنما هو شيء ساقه من أهل البدع من غير تمحيص.

• أجمع سلف الأمة وأئمتها رحمهم الله تعالى على أنه قد يجتمع في الشخص الواحد موجب الثواب وموجب العقاب ، فيثاب من جهة ، ويعاقب من جهة ، وعلى ذلك بنى أهل السنة مذهبهم في مرتكب الكبيرة ، كما ذكرناه لك سابقا ، فإن الناس على ثلاثة أقسام :

- قسم يأتي يوم القيامة وليس معه إلا موجب الثواب فقط ، وهذا منعم ابتداء ،
- وقسم يأتي وليس معه إلا موجب العقاب فقط ، فهذا معذب ابتداء ،
- وقسم يأتي ومعه موجب الثواب والعقاب ، أي فعل ما يوجب له الثواب وما يوجب له العقاب ، فهذا يكون تحت المشيئة ، هذا هو فهم سلف الأمة ، وأما أهل البدع فإنهم لا يقولون بهذا الفهم ، فلا يمكن البتة عندهم أن يجتمع في الشخص الواحد موجب الثواب وموجب العقاب ، لأن الإيمان عندهم أصلا لا يزيد ولا ينقص وأما أهل السنة فلأنهم يقولون بأن الإيمان يزيد وينقص ، فقد فهموا من ذلك إمكانية اجتماع موجب الثواب والعقاب في الشخص الواحد.

• أجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن قوله تعالى  وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا  إنما هي في حياته فقط لا بعد مماته ، فلا يجوز لأحد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذنب أن يأتي إلى القبر ويطلب من النبي أن يستغفر له ، هذا لا يجوز ، ولا يعرف هذا عن أحد من سلف الأمة وخيارها في العلم والدين ، فالمجيء في الآية إنما هو في حياته لا بعد مماته ، وأما أهل البدع فلهم فهم آخر ، وهو أنه مجيء في حياته وبعد مماته ، فتراهم يدعون النبي صلى الله عليه وسلم ، ويستغفرون عند قبره ويستغيثون به من دون الله تعالى ، وهذا كله باطل لأنه قول بني على فهم مخالف لفهم سلف الأمة ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في العقيدة والعمل فهو باطل.

• - أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن الله تعالى يتكلم متى شاء ، كيفما شاء وأن كلامه بحرف وصوت يسمعه من يشاء ، وأنه قديم النوع حادث الآحاد ، وكل ذلك ثابت بالأدلة من الكتاب والسنة ، وقد ذكرناها في موضع آخر ، فالأدلة الواردة في شأن إثبات صفة الكلام لله تعالى يفهم منها سلف الأمة هذه الأشياء الثلاثة ، وهو الحق الذي لا يجوز العدول عنه وأما أهل البدع فمنهم من أنكر الكلام أصلا ، ومنهم من حرفه فقال :- إنما يراد به الكلام النفسي ، وهذا فهم باطل لأنه مخالف لفهم سلف الأمة ، وبعضهم قال :- إنه كلام قديم النوع والآحاد ، وأن الله تعالى لا يتكلم بقدرته ولا بمشيئته ، وهذا من أمحل المحال وأبطل الباطل ، لأنه مخالف للكتاب والسنة ولفهم سلف الأمة ، ومنهم من زعم أن لله تعالى كلاما منفصلا عنه وهو مخلوق ، وهو قول باطل لمخالفته للكتاب والسنة وفهم سلف الأمة ، والحق إنما هو فيما فهمه السلف وقرروه ، وما عداه فقول باطل ورأي عاطل ، لأنه مخالف لفهم السلف ، والمتقرر أن ما يخالف فهم السلف في العقيدة والعمل فهو باطل.


• لقد قرر سلف الأمة أن زيارة القبور مشروعة ، ولكن قيدوا مشروعيتها بكونها يراد بها الاعتبار وتذكر الموت ، والدعاء للأموات ، واتباع السنة الثابتة ، وما عدا ذلك فإن السلف رحمهم الله تعالى لا يفهمونه من الأدلة العامة الواردة في الترغيب في زيارة القبور ، كزيارتهم لدعائهم أو الدعاء للنفس عند قبورهم أو الصلاة عندهم ولهم ، أو النذر والذبح لهم ، أو الطواف بقبورهم وقراءة القرآن عندها أو التبرك بترابها ، أو التمسح بما بني عليها أو وضع فيها ، ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس ، ويظن أنه من الزيارة المأمور بها في الأدلة ، فنقول له :- إنك قد فهمت من الأدلة فهما مخالفا لفهم سلف الأمة ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في العقيدة والعمل فهو باطل .

• لقد فهم سلف الأمة رحمهم الله تعالى من قوله صلى الله عليه وسلم "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " فهم السلف حرمة الكذب عليه كله ، وهذا هو الحق وأما بعض السذج من الخلق فإنه يجوز الكذب الموجب للترغيب في التعبد ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم والترغيب في الطاعة ، ويقول :- أنا أكذب له لا عليه ، وهذا فهم غريب من الحديث مخالف لفهم فهم سلف الأمة ، فهو فهم باطل ، لأن المتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في العقيدة والعمل فهو باطل .


• - اعلم رحمك الله تعالى أن كل تفسير منقول عن الرافضة لآيات القرآن يتضمن قدحا في الصحابة أو طعنا في إيمانهم أو أنهم ليسوا على الهدى أو أن عليا رضي الله عنه هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أن أحدا من أمهات المؤمنين قد وقعت في السوء ، فهو تفسير باطل ، باطل ، باطل ، فإن هذا النوع من التفسير لا يعرف عن سلف الأمة وأئمتها ، وإنما يتفوه به من لا خلاق ولا حياء عنده من الرافضة ومن أشبههم في قلة الأدب على سلف الأمة كما قال بعضهم أن كل آية فيها ذكر فرعون وهامان، فالمراد بها ( أبو بكر وعمر ) والآية التي فيه  إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً  قالوا :- هي عائشة ، ألا لعنهم الله اللعائن المتتابعة ،وكما قالوا في قوله تعالى  وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ  أي أبي بكر وعمر ، وغير ذلك كثير ، مما تمجه الأسماع ، وتحزن له القلوب ، وتعاف رؤيته العيون ، من الكذب وأصناف السباب والشتائم والإفك والفجور والبغض ، وكل هذه التفاسير وما أشبهها ، تفاسير باطلة ، لأنها بنيت على مخالفة فهم سلف الأمة والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في العقيدة والعمل فهو باطل .

• - كل آية يستدل بها المعطل على تعطيله لأسماء الله تعالى وصفاته فاعلم أنه استدلال باطل لأنه بني على مخالفة فهم السلف ، وما خالف فهم السلف في العقيدة فباطل ، وكل نص يستدل به الممثل على تمثيله الرب بخلقه فاعلم أنه استدلال باطل ، لأنه مخالف لما فهمه سلف الأمة منه ، وما خالف فهم سلف الأمة في العقيدة فهو باطل ، وكل نص يستدل به الجبري على تأييد أن العبد لا قدرة له ولا اختيار فاعلم أنه استدلال باطل، لأنه مبني على مخالفة فهم السلف فيه ومخالفة فهم السلف في النصوص دليل البطلان ، وكل نص يستدل به القدري على تأييد قوله في أن العبد هو الذي يخلق فعله بنفسه ، فهو استدلال باطل ، لأن السلف ما فهموا جزما من هذا النص ما فهمه هذا الجبري ، وما خالف فهم السلف في العقيدة والعمل فهو باطل ، وكل نص يستدل به الرافضي على القدح في عدالة الصحابة أو إثبات ردتهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه استدلال باطل ، لما عللناه سابقا ، وكل نص يستدل به الوعيدية على أن مرتكب الكبيرة خارج من الإسلام وأنه خالد الخلود الأبدي في النار فاعلم أنه استدلال باطل ، لأنه مبني على غير فهم السلف ، وكل نص يستدل به المرجئ على أن ارتكاب الذنوب لا يؤثر في نقص الإيمان ، وأن مرتكب الكبيرة سيدخل الجنة ابتداء ولا عذاب عليه أصلا ، لأنه مؤمن كامل الإيمان ، فاعلم أنه استدلال باطل ، لأنه بني على مخالفة فهم السلف في فهم النص ، وغير ذلك كثير ، وكل هذه الأقوال نحن نستدل على بطلانها بأنها مخالفة لفهم سلف الأمة ، فانظر رحمك الله تعالى إلى بركة هذه القاعدة الطيبة ، والتي حقها أن تكون أصلا من أصول عقيدتك التي تدين الله تعالى بها .

• لقد اتفق أهل السنة رحمهم الله تعالى على أن حديث الولي من أحاديث الصفات ، أعني به قوله صلى الله عليه وسلم ، فيما يرويه عن ربه عز وجل " ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ولئن استعاذني لأعيذنه ، ولئن سألني لأعطينه " ففر أهل البدع من هذا الحديث ، أيما فرار, وحرفوه أيما تحريف ، واعتقدوا فيه المعتقدات الفاسدة ، وفهموا منه عين الباطل ، وكروا عليه بالتحريف والتعطيل والإنكار ، وجعلوه مسبة لأهل السنة من أهل الحديث ، وعابوا روايته ونقله للأمة ، مع أن كل ما شغبوا به لا يدل عليه الحديث هذا في صدر ولا ورد ، وإنما هي خرافات أملتها عليهم شياطينهم ، وأوهام توهموها ، وظنون تافهة كاذبة ظنوها ، وليس عليها أثارة من علم ، وقد اتفق سلف الأمة على أن هذا الحديث من أفخم أحاديث الولاية ، وأنه لا يدل إلا على الحق ، وأن الحديث يفسر بعضه بعضا ، وأن آخره يفسر أوله ، وأنه لا يدل على شيء من الحلول والمخالطة المزعومة أنها هي ظاهره ، بل ظاهره حق ، وذلك أن من تقرب إلى الله تعالى بالفرائض والنوافل على الوجه الشرعي , فإن الله تعالى يحبه ، ويترقى العبد في مدارج المحبة ومنازلها ، كلما ترقى في مدارج العبودية لله تعالى ، فإذا وصل العبد إلى محبة الله تعالى كان الله تعالى معه معية تليق بجلاله وعظمته ، ووفقه لكل ما يحبه ويرضاه ، فلا يسمع إلا ما يرضي الله تعالى ، ولا يبصر إلا لما يرضيه جل وعلا ، ولا يبطش بيده ولا يمشي برجله إلا على نور من الله وهداية وتوفيق ومعونة ، هذا هو ظاهر الحديث ، ولأنه قال " ولئن سألني لأعطينه " فأثبت سائلا - وهو العبد - ومسئولا - وهو الرب جل وعلا - وقال " ولئن استعاذني لأعيذنه " فأثبت مستعاذا ومعاذا ، فهما ذاتان منفصلتان فالعبد يتقرب إلى الله تعالى ، والرب يرقيه في منازل حبه ، والعبد يسأل الرب جل وعلا والرب يحقق له ما يريد، والعبد يستعيذه والرب يعيذه ، فأين الحلول المدعى ؟ إنه مجرد وهم توهمه من لا خلاق له ، فأهل السنة وعامة سلف الأمة رحمهم الله تعالى لا يفهمون من هذا النص إلا الحق المتفق مع دلالة الكتاب والسنة، وعليه :- فكل فهم يفهمه أهل البدع من هذا الحديث ويزعمون أنه ظاهر الحديث خلاف ما كان يفهمه سلف الأمة ، هو في الحقيقة فهم باطل ، لأن المتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في العقيدة والعمل فهو باطل .

• أجمع السلف رحمهم الله تعالى على الإيمان بكرامات الأولياء ، وأنها حق ثابت ، إلا أنهم رحمهم الله تعالى يتثبتون فيها تثبتا كبيرا ، ولا يقبلون دعواها من كل أحد ، بل لابد من أن يكون من أهل الإيمان والتقوى ، وأنها من باب تثبيت الولي ، وأنها تكون في العلوم والمكاشفات وفي القدرة والتأثيرات ، وأنها ليست بدليل على أن من ظهرت على يديه أفضل ممن لم تظهر على يده ، وأنها إن ظهرت على يد المخالف للشرع في العقيدة والعمل فلا تعتبر كرامة ، بل هي تلبيس من الشيطان ومخادعة لأهل الإيمان ، وأنها لا تغير من الشرع شيئا بتحليل حرام أو تحريم حلال ، لأن الشرع ثابت لا يغيره شيء ، وأنها لا تفيد سقوط شيء من التكاليف عن من ظهرت على يديه ، بل لا يزال مطالبا بتكاليف الشرع وإن ظهرت على يده الكرامات كلها ، والكشف والكرامة ليس بحجة في أحكام الشريعة المطهرة ، وخاصة فيما يخالف ظاهر الكتاب والسنة, ولا يمتاز صاحب الولاية والكرامة عن آحاد المسلمين في شيء من الزي والعمل والقول ، وأما إثبات التصرف في العالم للأولياء ، وسقوط التكليف عنهم ، وإثبات ما يختص باللّه ، فإسقاط لحق الربوبية والألوهية ، ودعوى مجردة عن الدليل ، بل من العقائد الفاسدة الضعيفة ، والأباطيل الشركية السخيفة.


• ذهب سلف الأمة إلى أن الاستثناء في الإيمان جائز ، أي يجوز للعبد أن يقول ( أنا مؤمن إن شاء الله ) ولا يفهم أهل السنة رحمهم الله تعالى من تجويز ذلك أنه من الشك في الإيمان ، أبدا ، وأما أهل البدع فإنهم لا يفهمون من هذا إلا أن القائل شاكا في إيمانه ، ولذلك فإنهم يطلقون على أهل السنة بأنهم ( الشكاكة ) وهذا فهم فاسد باطل ، لأنه مخالف لفهم السلف والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في العقيدة والعمل فهو باطل.

• أجمع سلف الأمة وأئمتها رحمهم الله تعالى على أن النطق بالشهادتين هو أول واجب على المكلف الذي يريد الدخول في الإسلام ، وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم فإن أول واجب عندهم هو النظر أو القصد إلى النظر أو الشك ، حتى يصل بذلك النظر إلى العلم بحدوث العالم ، فلا يستقيم إسلام المرء عندهم إلا بالنظر المفضي إلى قيام الاستدلال وصحة البرهان ، ولا يتمكن المكلف عندهم من معرفة الله تعالى على الحقيقة ، إلا بالنظر الذي جعلوا له طريقا معقدة لا يفهمها أساطينهم فضلا عن العامة الذين لا علم عندهم بهذه الطريق ، وقد حكم بعضهم بالكفر على من مات ولم ينظر أو يقصد إلى النظر مع تمكنه من ذلك بسعة الوقت ، وكل هذا كذب واختلاق وهراء وسفه ، بل خبل وجنون ، وهو طريق خاطئ باتفاق سلف الأمة.


• - أجمع سلف الأمة وأئمتها رحمهم الله تعالى على أن المعاد يوم القيامة يكون لهذه الأجساد التي كانت في الدنيا ، فالله تعالى يعيد عين هذه الأجساد ، وهو الذي أنكره كفار الأمم ، وهو الذي جاء القرآن بإثباته والتنبيه عليه بأنواع الأدلة ، فالله تعالى بقدرته الكاملة يجمع رفات هذه الأجساد ويعيدها كما كانت في الدنيا ، ومن أنكر هذا فقد أنكر حقيقة المعاد الجسماني ، فسلف الأمة لا يفهمون من نصوص المعاد يوم القيامة إلا أن الله تعالى سيعيد هذه الأجساد ، وما خالف ذلك من الأقوال التي بنيت على مخالفة النصوص وفهم السلف فهي باطلة لأن المتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة فهو باطل .

• - أجمع أهل السنة على أن للسحر حقيقة ، وأنه لا يؤثر إلا بإذن الله تعالى الكوني القدري ، وأن منه ما يقتل ومنه ما يمرض أو يصيب بالجنون ، أو يفرق بين المرء وزوجه ، وهو أكثره ، وهذا باتفاق أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى ، وما نقل عن أهل البدع من أن السحر لا حقيقة له ، وأنه مجرد تخييل فقط ، فإنه بني على غير فهم سلف الأمة ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة والعمل فهم باطل ، فسحر التخييل نوع من أنواع السحر وليس هو كل السحر ، بل هناك سحر التأثير أيضا ، وهو الذي ينكره أكثر أهل البدع لأنهم ما فهموا من النصوص الواردة في شأن ذلك إلا سحر التخييل فقط ، وهذا فهم فاسد لأنه مخالف لفهم سلف الأمة وأئمتها ، والله أعلم.


• أجمع سلف الأمة على أن للسبب تأثيرا ، لكنه تأثير بقدرة الرب جل وعلا وإرادته ومشيئته ، فالسبب مؤثر لا بذاته ، وهذا باتفاق أهل السنة ، والنصوص الواردة في إثبات سببية شيء لشيء لا يفهم منها سلف الأمة إلا هذا الفهم ، وخالفهم في هذا طائفتان :- المعطلة ، وهم الذين يزعمون أن السبب ليس له مطلق التأثير ، وأن الشيء يكون عنده لا به ، وهذا هوس في العقل وقدح في الشرع ومخالفة للمحسوسات ، وطائفة أخرى قالت :- بل السبب هو المؤثر بذاته ، لا بجعل الله له مؤثرا ، وهذا شرك أكبر ولا شك ، وكلا الطائفتين بنت مذهبها على مخالفة النصوص ومخالفة فهم السلف ، والمتقرر أن كل فهم بني على مخالفة النص وعلى مخالفة فهم سلف الأمة فهم باطل ، وما بني على الباطل فهو باطل ، فالحق الذي ندين الله تعالى به هو أن الأسباب مؤثرة لا بذاتها ، وإنما بجعل الله لها مؤثرة ، والله يتولانا وإياك .

• - أجمع سلف الأمة على بطلان الاحتجاج بالقدر على فعل المعصية ، وأنها من الحجج الداحضة التي لا تنفع صاحبها يوم القيامة ، ولا تسمن ولا تغنيه من العذاب يوم القيامة فنصوص القدر الواردة في الكتاب والسنة من أن الله تعالى هو الذي خلق الأشياء كلها ، وقدرها وشاءها وكتبها ، ونحو ذلك كله لا يفهم منه أهل السنة أنه يجوز للعبد أن يحتج بالقدر على تقحمه في المعاصي والآثام ، واتفق أهل السنة على أن هذا الفهم من نصوص القدر فهم باطل ، فما يزعمه بعض أهل البدع في باب القدر من أن نصوص إثبات القدر تدل على ذلك هو من الكذب والإفك والبهتان ، وهو فهم مخالف للأدلة من الكتاب والسنة ، ومخالف لفهم سلف الأمة ، والمتقرر أن كل فهم يخالف النصوص ، ويخالف فهم سلف الأمة فهو باطل ، وما بني على الباطل فهو باطل ، والله يحفظنا وإياك من كل زلل ، وقد ذكرنا الأدلة على بطلان الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي في موضع آخر .


• - أجمع سلف الأمة وأئمتها على حرمة الخروج على حاكم الزمان ، وإن ظلم وإن جار ، وإن أخذ المال واعتدى ، إلا أن نرى كفرا بواحا عندنا فيه من الله برهان ، مع غلبة الطن أن ننتصر عليه بلا مفسدة أعظم من المصلحة المرجوة من إبعاده ، هذا باتفاق سلف الأمة وأئمتها ، وعليه وردت الأدلة في صحيح السنة من حرمة الخروج على الحاكم إلا بهذه الشروط وعليه ، فما يفهمه المعتزلة وغيرهم من أهل البدع من النصوص الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أنها تدل في المقام الأول على الخروج على الحكام ، فهو فهم فاسد كل الفساد ، لأنه بني على غير فهم سلف الأمة ، ولأنه مخالف للأدلة الكثيرة في منع ذلك، بل إن المعتزلة جعلوا من أصولهم الخمسة:- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويريدون به الخروج على الحكام ويستدلون عليه بالأدلة الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو رأي عاطل باطل ، لأنهم فهموا من النصوص ما لم يفهمه سلف الأمة ، والمتقرر أن كل قول بني على فهم مخالف لفهم سلف الأمة في العقيدة والعمل فهو باطل ، فاحذر من هذه المزالق الوخيمة التي لا تزال الأمة تعاني من آثارها السيئة إلى اليوم .

• - أجمع سلف الأمة على أن الجهاد والحج والجمعة والجماعات تقام خلف الأئمة أبرارا كانوا أو فجارا ، وأنه لا يتخلف عن الصلاة معهم ولا إقامة الجهاد وراءهم إلا مبتدع مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ، وهذا باتفاق أهل السنة والجماعة ، وهو من العقائد التي يقررونها في كتبهم العقدية ، ويوالون ويعادون عليها ، وعليه فما يتشدق به بعض طلبة العلم في بعض الأزمنة من أن الواجب هجرهم ، وعدم الصلاة وراءهم ولا إقامة الجمع ولا الجماعات ولا الجهاد معهم كله من التخرصات الشيطانية ، والمبنية على غير هدى من الله ، والتي خولف بها فهم سلف الأمة والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة والعمل فهو باطل .


• - أجمع سلف الأمة على أن التكفير العام لا يستلزم انطباقه على أفراده بالعين إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع ، ولنا في الاستدلال على ذلك رسالة مستقلة ، ومعنى هذا أنه ليس كل من وقع في قول أو عمل نص الدليل على أن الواقع فيه يكفر أنه لابد أن يكون كافرا بالعين ، هذا لا يلزم أبدا ، بل السلف متفقون على أن لا تلازم بين الفعل والفاعل ، بل الفعل له حكمه الخاص والفاعل له حكمه الخاص ، فليس كل من وقع في الكفر كفر ، بل لابد من النظر أولا في ثبوت الشروط وانتفاء الموانع ، هذا فهم سلف الأمة ، فهم يفرقون بين الفعل والفاعل فيعطون الفعل ما يستحقه من الحكم ، ويعطون الفاعل ما يستحقه من الحكم ، وهذا هو الحق وعليه :- فمن فهم من الأدلة التي فيها إثبات التكفير لمن قال هذا القول أو فعل هذا الفعل ، فمن فهم من هذه الأدلة أنه ينطبق الحكم فيها على فاعلها مباشرة ، فهو مخالف لفهم سلف الأمة, فقوله باطل ، لأن المتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة والعمل فهو باطل ، والله يحفظنا وإياك .

• - لقد انعقدت كلمة عامة أهل الإسلام على أن الدين الإسلامي دين صالح لكل زمان ومكان وعليه :- فما يتفوه به العلمانيون والليبراليون ومن نحا نحوهم واستغرب في فكره وثقافته من أنه دين لا يصلح إلا للزمان الأول فقط ، وأما قرن العشرين فإ