قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

منهج الموازنات في النقد بدعة محدثة - محمد ناصر الدين الألباني.


سُئل الشيخ ـ رحمه الله ـ سؤالاً عن منهج الموازنات فأجاب :
"ما يطرح اليوم في ساحة المناقشات بين كثير من الأفراد حول ما يسمى . . أو حول هذه البدعة الجديدة المسماة (بالموازنة) في نقد الرجال.
أنا أقول: النقد إما أن يكون في ترجمة الشخص المنتقد ترجمة تاريخية فهنا لا بد من ذكر ما يحسُن وما يقبُح بما يتعلق بالمترجم من خيره ومن شره، أما إذا كان المقصود بترجمة الرجل هو تحذير المسلمين وبخاصة عامتهم الذين لا علم عندهم بأحوال الرجال ومناقب الرجال ومثالب الرجال؛ بل قد يكون له سمعة حسنة وجيدة ومقبولة عند العامة، ولكن هو ينطوي على عقيدة سيئة أو على خلق سيئ، هؤلاء العامة لا يعرفون شيئاً من ذلك عن هذا الرجل . . حين ذاك لا تأتي هذه البدعة التي سميت اليوم بـ(الموازنة)، ذلك لأن المقصود حين ذاك . . النصيحة وليس هو الترجمة الوافية الكاملة، ومن درس السنة والسيرة النبوية لا يشك ببطلان إطلاق هذا المبدأ المحدث اليوم وهو (الموازنة) لأننا نجد في عشرات النصوص من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام يذكر السيئة المتعلقة بالشخص للمناسبة التي تستلزم النصيحة ولا تستلزم تقديم ترجمة كاملة للشخص الذي يراد نصح الناس منه، والأحاديث في ذلك أكثر من أن تستحضر في هذه العجالة ، ولكن لا بأس من أن نذكر مثالاً أو أكثر إن تيسر ذلك، جاء في الصحيح صحيح البخاري : (أن رجلاً استأذن في الدخول على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عليه السلام : ائذنوا له بئس أخو العشيرة هو . . ائذنوا له بئس أخو العشيرة هو . . فلما دخل الرجل وكلمه عليه السلام هشّ له وبشّ ، ولما خرج قالت له عائشة : يارسول الله لما استأذن في الدخول قلت : ائذنوا له بئس أخو العشيرة هو، ولما كلمته هششت إليه وبششت إليه ، قال يا عائشة: إن شر الناس عند الله يوم القيامة من يتقيهم الناس مخافة شرهم) هذا الرجل لم يطبِّق فيه هذه البدعة العصرية الجديدة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، ذلك لأن المجال ليس ترجمة الرجال، وإنما هو مجال للتحذير والتعريف بهذا الرجل حتى يُحذَر، من هذا القبيل أيضاً ولعله ألطف وأمس بالحجة في هذا الموضوع لأن ذاك الرجل الذي ذمه عليه السلام بقوله : (بئس أخو العشيرة هو ) يقول شراح الحديث : بأنه كان من المنافقين وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتألفه حتى يكفي شره أتباعه المؤمنين به عليه السلام، لكن المثال التالي أمس في الموضوع لأنه يتعلق بامرأة مسلمة حينما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يارسول الله : إن أبا جهم ومعاوية خطباني . ـ معلوم أن كلاً من الرجلين من أصحاب الرسول عليه السلام والسائلة هي امرأة خطبت من كل منهما ـ . فقال عليه الصلاة والسلام (أما معاوية فرجل صعلوك ، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه) هذا ذمٌ ، هذا قدحٌ فقط ،ولم يذكر محاسن كل من الرجلين، لـِمَ ؟ لأن المرأة جاءت تستنصح الرسول عليه السلام في أيهما تقبل التزاوج معه، فذكر عليه السلام لها ما يعلم صلى الله عليه وآله وسلم من طبيعة النساء فيما يرغب المرأة عادة في الرجل فإذا كان الرجل فقيراً لا جاه له بين الناس، ومما لا رغبة للنساء في مثله، كذلك إذا كان ضراباً للنساء أو كان كثير الأسفار فكل من الوصفين تُرجمت هذه الكلمة أو فُسرت هذه الكلمة من شراح الحديث حينما قال عليه السلام: (أما أبو جهم فرجل لا يضع العصى عن عاتقه) يعني كناية عن كثرة الأسفار أم أنه لمجرد ما يرى خطأ من المرأة يسارع إلى ضربها. . قد قيل فيه بكل من التفسيرين ، الراجح هو أنه (ضراب للنساء) المهم أنه عليه السلام ذكر عيب هذين الرجلين ولم يذكر مناقبهما وأنهما آمنا بالله ورسوله وأطاعا الله ورسوله . . .إلخ .
وحدث عن هذا ولا حرج لذلك لما تكلم العلماء عن الآيات والأحاديث التي جاءت في تحريم الغيبة لم يسعهم إلا أن يبينوا نصحاً للأمة أنه ليس كل غيبة هي محرمة، وقد جمع ذلك بعض العلماء الظرفاء في بيتين من الشعر فقال قائلهم :
القدح ليـس بغيبة في ستة متــظلم ومعرِّف ومحذر
ومجاهر فسقاً ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
والحديث في شرح هذه الخصال الست المذكورة في هذين البيتين حديث طويل، ولكن المهم فيما يتعلق بهذا السؤال أن أقول في ختام الجواب : إن هؤلاء الذين ابتدعوا بدعة الموازنات هم بلا شك يخالفون الكتاب ويخالفون السنة ، السنة القولية والسنة العملية ، ويخالفون منهج السلف الصالح ، من أجل هذا المنهج نحن رأينا أن ننتمي في فقهنا وفهمنا لكتاب ربنا ولسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إلى السلف الصالح ، لم ؟ لا خلاف بين مُسلمَيْن فيما أعتقد أنهم أتقى وأورع وأعلم و . . و .. إلخ ممن جاؤا من بعدهم .
الله عزوجل ذكر في القرآن الكريم وهي من أدلة الخصلة الأولى (متظلم) {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} فإذا قال المظلوم فلان ظلمني ، أفيقال له : اذكر له محاسنه يا أخي؟. والله هذه الضلالة الحديثة من أعجب ما يطرح في الساحة في هذا الزمان ، وأنا في اعتقادي أن الذي حمل هؤلاء الشباب على إحداث هذه المحدثة واتباع هذه البدعة هو حب الظهور، وقديماً قيل : (حب الظهور يقصم الظهور) وإلا من كان دارساً للكتاب ودارساً للسنة ولسيرة السلف الصالح .
هذه كتب أئمة الجرح والتعديل ، . . . حينما يترجم للشخص يقول فيه ضعيف يقول فيه كذاب وضاع سيئ الحفظ ، لكن لو رجعت إلى ترجمته التي ألمحت إليها في ابتداء جوابي لوجدت الرجل متعبداً زاهداً صالحاً، وربما تجده فقيهاً من الفقهاء السبعة لكن الموضوع الآن ليس موضوع ترجمة هذا الإنسان، ترجمة تحيط بكل ما كان عليه من مناقب أو من مثالب كما ذكرنا أولاً.
لذلك باختصار أنا أقول ولعل هذا القول هو القول الوسط في هذه المناقشات التي تجري بين الطائفتين: هو التفريق بين ما إذا أردنا أن نترجم للرجل فنذكر محاسنه ومساويه ، أما إذا أردنا النصح للأمة أو إذا كان المقام يقتضي الإيجاز والاختصار فنذكر ما يقتضيه المقام من تحذير من تبديع من تضليل وربما من تكفير أيضاً إذا كان شروط التكفير متحققة في ذاك الإنسان، هذا ما أعتقد أنه الحق الذي يختلف فيه اليوم هؤلاء الشباب .
وباختصار أقول: إن حامل راية الجرح والتعديل اليوم في العصر الحاضر وبحق هو أخونا الدكتور ربيع، والذين يردون عليه لا يردون عليه بعلم أبداً، والعلم معه وإن كنت أقول دائماً وقلت هذا الكلام له هاتفياً أكثر من مرة أنه لو يتلطف في أسلوبه يكون أنفع للجمهور من الناس سواء كانوا معه أو عليه ، أما من حيث العلم فليس هناك مجال لنقد الرجل إطلاقاً إلا ما أشرت إليه آنفاً من شئ من الشدة في الأسلوب ، أما أنه لا يوازن فهذا كلام هزيل جداً لا يقوله إلا أحد رجلين : إما رجل جاهل فينبغي أن يتعلم، وإلا رجل مغرض ، وهذا لا سبيل لنا عليه إلا أن ندعو الله له أن يهديه سواء الصراط .
هذا هو جواب السؤال ، وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين"([1]).

___________________
([1]) من شريط بعنوان (منهج الموازنات) ، تسجيلات طيبة بالمدينة النبوية ، برقم (86).


منقول