قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

المــرء مـع مـن أحـبّ
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب"متفق عليه1.
هذا الحديث فيه: الحث على قوة محبة الرسل, واتباعهم بحسب مراتبهم، والتحذير من محبة ضدهم؛ فإن المحبة دليل على قوة اتصال المحب بمن يحبه، ومناسبته لأخلاقه، واقتدائه به. فهي دليل على وجود ذلك. وهي أيضاً باعثة على ذلك.
وأيضاً من أحب لله تعالى، فإن نفس محبته من أعظم ما يقربه إلى الله؛ فإن الله تعالى شكور، يعطي المتقرب أعظم -بأضعاف مضاعفة- مما بذل. ومن شكره تعالى: أن يلحقه بمن أحب، وإن قصر عمله. قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا}
[النساء:69].
ولهذا قال أنس: "ما فرحنا بشيء فرحنا بقوله صلّى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب. قال: فأنا أحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وأبا بكر، وعمر، فأرجو أن أكون معهم"2.
وقال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} [الرعد:23]. وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ}
[الطور:21]. وهذا مشاهد مجرب إذا أحب العبد أهل الخير رأيته منضماً إليهم، حريصاً على أن يكون مثلهم. وإذا أحب أهل الشر انضم إليهم، وعمل بأعمالهم.
وقال صلّى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"3 ،"ومثل الجليس الصالح، كحامل المسك: إما أن يَحْذيك وإما أن يبيعك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الكِيْر: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة"4.

وإذا كان هذا في محبة الخلق فيما بينهم، فكيف بمن أحب الله، وقدَّم محبته وخشيته على كل شيء؟ فإنه مع الله، وقد حصل له القرب الكامل منه. وهو قرب المحبين، وكان الله معه.{إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}. [النحل:128], وأعلى أنواع الإحسان محبة الرحيم الكريم الرحمن، محبة مقرونة بمعرفته.

فنسأل الله أن يرزقنا حبه، وحب من يحبه، وحب العمل الذي يقرّب إلى حبه؛ إنه جواد كريم. وبالله التوفيق.
 
--------------------------------------------------------------------

1 أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: 6170, ومسلم في "صحيحه" رقم: 2639.
2 أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: 3688, ومسلم في "صحيحه" رقم: 2639 بعد 163.
3 حسن, أخرجه أحمد 2/303, 334, وعبد بن حميد في "المنتخب" 1431, وأبو داود 4833, والخطيب في "تاريخ بغداد" 4/115, والترمذي 2378, والمزي في "تهذيب الكمال" 29/166-167, والطيالسي 2107, والحاكم 4/171, وانظر "الاعتصام" 1/224-225, للشاطبي وتعليق شيخنا مشهور –حفظه الله- عليه.
4 هو الحديث الثامن والستون المتقدّم وتخريجه هناك ص156.

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
تأليف:
عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله