قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

بدع الجنائز

بدع الجنائز

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
إنِ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله.
أمَّا بعد: فلقد أتمَّ الله لنا هذا الدِّين وجعلنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالكٌ، وفي عصور لاحقة بدأت البدعة تطلُّ بأعناقها فاستحسنها أناسٌ وقدموها على الهدي النَّبوِي وارتضوها طريقًا حتَّى أوردتهم المهالك.
فوقع ما حذرنا منه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قوله: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌّ» [متفق عليه
ومن أخطر الضِّلال الَّذين افتروا على هذا الدّين المتصوفة الَّذين لهم باعٌ طويلٌ في مخالفة سُنَّة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وانتشار البدع والَّتي منها بدع الجنائز.
ولهذا السَّبب جمعت بعض فتاوى اللجنة الدَّائمة وسماحة الشِّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- الَّتي تُحذِّر من هذه البدع، وتبيِّن ما يجب أن يقوم به المسلم في هذا الشَّأن؛ راجيًا من الله -تعالى- أن ينفع بها المسلمين، وأن يجعلها عونًا لهم على التزام السُّنَّة وترك البدع.

بدعة إهداء ثواب القراءة للميِّت:
س: هل يصل ثواب قراءة القرآن وأنواع القربات إلى الميِّت سواءً من أولاده أو من غيرهم؟
الجواب: لم يثبت عنِ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فيما نعلم أنَّه قرأ القرآن ووهب ثوابه للأموات من أقربائه أو من غيرهم، ولو كان ثوابه يصلُ إليهم لحرص عليه، وبينه لأمَّته لنفعوا به موتاهم، فإنَّه -عليه الصَّلاة والسَّلام- بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ، وقد سار الخلفاء الرَّاشدون من بعده وسائر أصحابه على هديه في ذلك -رضي الله عنهم- ولا نعلم أنَّ أحدًا منهم أهدى ثواب القرآن لغيره، والخير كلُّ الخير في إتباع هديه -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهدي خلفائه الرَّاشدين وسائر الصَّحابة -رضي الله عنهم-، والشَّرُّ في اتِّباع البدع ومحدثات الأمور؛ لتحذير النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- من ذلك بقوله: «وإيَّاكم ومحدثات الأمور فإنَّ كلّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ» [رواه أبو داود 4607 وصحَّحه الألباني]، وقوله: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌّ» [متفقٌ عليه]، وعلى هذا لا تجوز قراءة القرآن للميِّت، ولا يصل إليه ثواب هذا القراءة بل ذلك بدعةٌ.
- أمَّا أنواع القربات الأخرى فما دلَّ دليلٌ صحيحٌ على وصول ثوابه إلى الميِّت وجب قبوله، كالصَّدقة عنه والدُّعاء له والحجِّ عنه، وما لم يثبت فيه دليل ٌفهو غير مشروعٌ حتَّى يقوم عليه الدَّليل.
وعلى هذا لا تجوز قراءة القرآن للميِّت، ولا يصل إليه ثواب هذه القراءة في أصحِّ قولي العلماء، بل ذلك بدعةٌ. وبالله التَّوفيق (فتوى رقم: 2232).


بدعة الدُّعاء بعد الصَّلاة على الجنازة:
س: اختلفوا في الدُّعاء بعد صلاة الجنازة متصلًا اجتماعًا، فذهبت طائفةٌ إلى أنَّها بدعةٌ؛ لعدم النَّقل فيها عنِ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وصحابته الكرام، وصرَّح الفقهاء بعدم جوازه، وذهبت طائفةٌ أخرى إلى استحبابها وسنِّيتها، فمن منهم على الحقِّ؟
الجواب: الدُّعاء عبادةٌ من العبادات، والعبادات مبنيَّةُ على التَّوقيف، فلا يجوز لأحدٍ أن يتعبد بما لم يشرعه الله، ولم يثبت عنِ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه دعا بصحابته على جنازة ما بعد الفراغ من الصَّلاة عليها، والثَّابت عنه -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه كان يقف على القبر بعد أن يسوى على صاحبه ويقول: «استغفروا لأخيكم وسلوا له التَّثبيت فإنَّه الآن يُسأل» [رواه أبو داود 3221 وصحَّحه الألباني]، وبما تقدَّم يتبيَّن أنَّ الصَّواب القول بعدم جواز الدُّعاء بصفةٍ جماعيَّةٍ بعد الفراغ من الصَّلاة على الميِّت، وإن ذلك بدعةٌ وبالله التَّوفيق (فتوى رقم: 2251).

بدعة التَّهليل أثناء تشييع الجنازة:
س: هل يصحُّ تشييع الجنازة مع التَّهليل والأذان بعد وضعه في اللحد؟
الجواب: لم يثبت عنِ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه شيَّع جنازةً مع التَّهليل ولا الأذان بعد وضع الميِّت في لحده، ولا ثبت ذلك عن أصحابه -رضي الله عنهم- فيما نعلم، فكان بدعةٌ محدثةٌ، وهي مردودةٌ؛ لقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌّ» [متفقٌ عليه]، وبالله التَّوفيق (فتوى رقم: 5782).

بدعة التَّلقين:
س: يقول كثيرٌ من النَّاس: إنَّ التَّلقين حرامٌ؛ لأنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ما فعله، أهذا صحيحٌ؟
الجواب: نعم تلقين الميِّت بعد الدَّفن بدعةٌ؛ لأنَّ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يفعله ولا خلفاءه الرَّاشدون، ولا بقيَّة الصَّحابة -رضي الله عنهم-، والأحاديث الواردة في ذلك غير صحيحةٍ، وإنَّما التَّلقين المشروعٌ هو تلقين المحتضر قبل موته كلمة التَّوحيد: "لا إله إلا الله"؛ لقول النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله» [أخرجه مسلم 916 في صحيحه]، والمراد بالموتى هنا: المحتضرون، كما أوضح ذلك أهل العلم في شرح هذا الحديث (فتوى رقم: 7408).
ليس للعزاء أيَّامٌ محدودةٌ
س: هل للعزاء أيَّامٌ محدودةٌ، حيث يقال أنَّها ثلاثةٌ أيَّامٌ فقط، أرجو الإفادة جزاكم الله خيرًا.
الجواب: العزاء ليس له أيَّامٌ محدودةٌ، بل يشرع من حين خروج الرُّوح قبل الصَّلاة على الميِّت وبعدها، وليس لغايته حدٌّ في الشَّرع المطهر سواءً كان ذلك ليلًا أو نهارًا، وسواءً كان ذلك في البيت أو في الطَّريق أو في المسجد أو في المقبرة أو في غير ذلك من الأماكن (قاله عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله-).

حكم إقامة وليمةٍ يجتمع فيها المعزون:
س: ما حكم ما جرت به عادة بعض النَّاس من ذبح الإبل والغنم، وإقامة وليمةٍ عند موت الميِّت يجتمع فيها المعزون وغيرهم؟
الجواب: هذا كلُّه بدعةٌ لم يفعله رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولا أصحابه -رضي الله عنهم-، وقد ثبت عن جرير ابن عبد الله البجلي الصَّحابي الشَّهير -رضي الله عنه- قال: "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميِّت وصنيعة الطَّعام بعد دفنه من النِّياحة" [أخرجه الإمام احمد وابن ماجه بسند صحيح]، وإنَّما المشروع أن يصنع الطَّعام لأهل الميِّت، ويبعث به إليهم من أقاربهم أو جيرانهم أو غيرهم، لكونهم قد شغلوا بالمصيبة عن إعداد الطَّعام لأنفسهم؛ ولما ثبت في الصَّحيح عن عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- قال: لما أتى نعي جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «اصنعوا لآل جعفر طعامًا فإنَّه قد أتاهم أمر شغلهم» [أخرجه أبو داود 3132 وابن ماجه 1316 وحسَّنه الألباني].
وهذا العمل مع كونه بدعةٌ فيه أيضًا تكليف أهل الميِّت وإتعابهم مع مصيبتهم، وإضاعة أموالهم في غير حقٍّ، والله المستعان وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين. (قاله عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله-).
جعلها الله خالصةً لوجهه الكريم.


فتاوى مختارةٌ للجنة الدَّائمة للبحوث
العلميَّة والإفتاء بالمملكة العربيَّة السّعوديَّة
جمعها ورتبها أبو عبد الرَّحمن أحمد الشّعيبي