قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

البدع و أثرها فى انحراف التصور الاسلامي - صالح بن سعد السحيمي

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شريك لـه وأشـهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثـره إلى يـوم الدين .

سورة آل عمران الآية 102 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ سورة النساء الآية 1 يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا سورة الأحزاب الآية 70 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا سورة الأحزاب الآية 71 يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

أما بعد . . . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

وبعد هذه الافتتاحية المشتملة على كثير من الفوائد والتي يسـميها السلف خطبة الحاجة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح بها كلامه في أغلب أحيانه ويعلمها أصحابه كما يعلمهم القرآن ، لذا فإنه من الخطأ الشائع توهم كثير من الناس أن هذه الخطبة خاصة بعقد النكاح ، بل الصحيح أن هذه المقدمة مشروعة في أي موضوع خيري يريد أن يتكلم به متكلم . وبها نفتتح موضوعنا هذا والذي هو: " البدع وأثرها في انحراف التصور الإسلامي " فأقول: سورة آل عمران الآية 19 إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ سورة آل عمران الآية 85 وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ذلكم هو الدين القيم الخالد الصالح لكل زمان ومكان ، والمشتمل على كل ما من شأنه إسعاد البشرية في دنياها وأخراها ، وهو الدين الخالص الذي جمعنا الله به بعد الفرقة ، وأعزنا به بعد الذلة ، وألف بين قلوبنا بعد التمزق . فمن تمسك به وحافظ عليه وقام به خير قيام بفعل المأمور وترك المحظور دون زيادة أو نقصان ، فقد سعد وفاز برضا الله -تبارك وتعالى- وعونه وتوفيقه . . وأما من طلب الهدى من غيره واتخذ سبيلا غير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان ، فذلك هو الخسران المبين الذي لا يعدله خسران ، وأصبح من حزب الشيطان .

سورة المجادلة الآية 19 أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ

طريق الخلاص :

وإن طريق الخلاص وعنوان السعادة وسبب النجاة من عذاب الله هو التمسك بكتاب الله تعالى ذلك الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وكذلك التمسك بالسنة المطهرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى سورة النجم الآية 4 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى فإنهما ، أعني الكتاب والسنة المصدران الأساسيان للتشريع الإسلامي .

كمال هذا الدين :

فإن من أمعن النظر فيما شرعه الله لنا مما تضمنه الكتاب العـزيز ودلت عليه السنة ، علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة على أكمل وجه وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها . لا يحيد عنها إلا هالك قد مرض قلبه . . وخاسر قد طاش في مهاوي الضلال لبه . فإن الله تعالى قد بين للناس قواعد الدين وأكملها ، قال تعالى سورة المائدة الآية 3 الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أكمل لنا هذا الدين بما أنـزله في كتابه العربي المبين وعلى لسان نبيه الصادق الأمين . مما بلغ من الأحكام وبين لنا من حلال وحرام ، فلم يكن هناك من خير إلا دلنا عليه وسهل لنا الطرق الموصلة إليه ولم يكن هناك من شر إلا حذرنا منه ، كما قال صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو صحيح مسلم الإمارة (1844),سنن النسائي البيعة (4191),سنن ابن ماجه الفتن (3956),مسند أحمد بن حنبل (2/191). ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ويحذرهم من شر ما يعلمه لهم )

سبيل المؤمنين :

إذا كان الأمر بهذه المثابة فإن من طلب الهدى من غير الكتاب والسنة أو أتى بأمر زائد على ما شرعه الله فهذا بلا شك ضلال مبين وميل عن الصراط المستقيم واتباع لغير سبيل المؤمنين وإن من كان هذا شأنه لحقيق بأن يكون واقعا تحت هذا الوعيد الشديد الـذي تضـمنته هـذه الآيـة الكريمة ، قال تعالى سورة النساء الآية 115 وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا فقد أمر الله تعالى باتباع سبيله وما شرع من الدين القويم ، ونهى عن اتباع غير سبيل المؤمنين .

وقال تعالى سورة الأنعام الآية 153 وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فقد حث سبحانه على اتباع سبيله الذي هو الكتاب والسنة حثا مقرونا بالنهي عن اتباع السبل ، مبينا أن ذلك سبب للتفرق ، ولذا ترى المسلمين العاملين قد لزموا سبيلا واحدا وهو سبيل الله الذي أمرهم بسلوكه ، وأما أهل البدع والأهواء فقد افترقوا في سبلهم على حسب معتقداتهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة سورة المؤمنون الآية 53 كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وقد روى النسائي وأحمد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قـال: مسند أحمد بن حنبل (1/435),سنن الدارمي المقدمة (202). خـط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال: هذا سبيل الله . ثم خط خطوطا عن يمينه وخطوطا عن شماله ، وقال: هذه السبل المتفرقة وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه " ، ثم قرأ هذه الآية حتى بلغ تتقون

الكتاب والسنة مصدر كل سعادة :

وقال تعالى في معرض بيانه لشمول هذا الدين سورة النحل الآية 89 وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ فقوله سورة النحل الآية 89 تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ أفاد شمول هذا القرآن لكافة أحكام الدين بما أودع الله فيه من تعاليم عامة صالحة للتطبيق على مر العصور والأزمان وفيها السعادة للبشرية جمعاء متى تمسكت بها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

وكذلك سنة نبيه صلى الله عليه وسلم القويمة التي تبين القرآن وتوضحه وتفصـل مجمله وتقيد مطلقه وتخصص عمومه إلى غير ذلك من أنواع البيان . قال تعالى سورة النحل الآية 44 وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وقال تعالى سورة الحشر الآية 7 وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا .

وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني أوتيت الكتاب ومثله معه . والآيات والأحاديث الدالة على شمول هذا الدين وكماله وعدم حاجته إلى زيادة أو نقصان أجل من أن تحصر أو تعد في مثل هذا المقام . وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى حتى كمل الدين وتم بما أودع الله فيه من تشريع شمل كافة نواحي الحياة من عبادات ومعاملات وآداب وأخلاقيات وحدود وغير ذلك مما يكفل للبشرية كل أمن ورخاء وطمأنينة متى تمسكت بها وسارت على نهجها القويم .

 

ذم التفرق وبيان أسبابه :

إذا علم ذلك فإن الطريق الصحيح إلى النجاة هو التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنهما حصن حصين وحرز متين لمن وفقه الله تعالى ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بالبعد عن البدع والخرافات التي ابتـدعها المبتدعون وأحدثها المحدثون وروجها المبطلون وأكلة أموال الناس بالباطل من دعاة النحل المختلفة والطرق المتشعبة التي ليست من الإسلام في شيء وقد ذم الله تلك الطرق المنحرفة الكثيرة التي جعلـت المسـلمين شـيعا وأحزابا وشتتت شملهم وجعلتهم لقمة سائغة لأعدائهم لا لقلة عددهم وعدتهم وإنما نتيجة لتمزق شملهم وتفرق كلمتهم كما قال صلى الله عليه وسلم : سنن أبو داود الملاحم (4297),مسند أحمد بن حنبل (5/278). توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها ) قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: ( بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل . ومما لا شك فيه أنه لا شيء أعظم فسادا للدين وأشد تقويضا لبنيانه وأكثر تفريقا لشمل الأمة من البدع فهي تفتك به فتك الذئب بالغنم وتنخر فيه نخر السوس في الحـب وتسري في كيانه سريـان السرطان في الدم أو النار في الهشيم .

ولهذا جاءت النصوص الكثيرة تبالغ في التحذير منها وتكشف عن سوء عواقبها من التفرق والاختلاف في الدنيا والعذاب والخزي وسواد الوجوه في الآخرة ، قال تعالى سورة آل عمران الآية 105 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ سورة آل عمران الآية 106 يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ سورة آل عمران الآية 107 وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ قال ابن عباس : تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة .

وقال تعالى سورة الأنعام الآية 159 إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ

وقد نص المفسرون -رحمهم الله- على أن الآية تعني أهل البدع والأهواء نقلا عن كثير من السلف ، ولا ريب أن من أعظم أسباب التفرق تلك البدع والمحدثات التي هي شرع لم يأذن به الله ، وقد أخبر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة بسبب انحرافها عن سنته القويمة وما عليه صحبه الكرام من بعده كما روى أبو داود وابن ماجه والترمذي وغيرهم بأسانيد صحيحة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: سنن الترمذي الإيمان (2640),سنن أبو داود السنة (4596),سنن ابن ماجه الفتن (3991),مسند أحمد بن حنبل (2/332). افترقت اليهود على إحـدى وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة . وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، وفي رواية سنن الترمذي الإيمان (2641). أن أمته تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة والجماعة هي من كانت على الحق الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه -رضوان الله عليهم- . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: صحيح مسلم الإيمان (145),سنن ابن ماجه الفتن (3986),مسند أحمد بن حنبل (2/389). بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ) فقيل: ومن هـم الغـرباء؟ فقـال: ( الـذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي .

ولقد أحدث المسلمون في دينهم من البدع والدخيل ما انحرف بكثير منهم عن سواء السبيل ، وشوه عليهم حقيقة الدين ، ولبس عليهـم حتى أصبح الكثير منهم لا يفرق بين الحق والباطل ، ولا يعرف البدعة من السنة ، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون وأغرقوا في ذلك حتى رأوا الحسن قبيحا والقبيح حسنا على حد قول القائل:

يقضى على المرء في أيام محنته . . حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن وهذا ما نصت عليه الآية الكريمة وهي قوله تعالى سورة الكهف الآية 103 قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا سورة الكهف الآية 104 الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا فما يفتح لهم الشيطان بابا من الضلال إلا ولجـوه ، ولا يزين لهم طريقا من طرق البدع إلا سلكوه ، وما زال الخطر يستفحل والشر يتفاقم حتى بلغ شأوا بعيدا في تفريق الأمة وتمزيق شملها ، وقد ساعد على ذلك سكوت كثير من العلماء وتهاونهم وجبنهم عن مواجهة العامة خوفا من غضبهم ومجاراة لهم ، وحرصا على اجتلاب رضاهم ولو بسخط الله .

حفظ هذا الدين وبقاؤه :

ولكن الله عز وجل لم يكن ليترك دينـه لعبـث هـؤلاء المحـدثين المبتدعين بل قيض له من أرباب الألسنة والأقلام قديما وحديثا من يهب للدفاع عنه ومحاربة كل دخيل عليه حيث تكفل سبحانه بحفظ هذا الدين وصيانته وإن تكالب عليه أهل الأرض جميعا ، وقـد حصل -ولله الحمد والمنة- ، قال تعالى سورة الحجر الآية 9 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ وقال تعالى سورة الصف الآية 8 يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة :

وقد تضافرت النصوص الكثيرة على الأمر بالاعتصام بالكتاب والسنة واتباع السلف الصالح الذين قام بهم الكتاب وله قـاموا ونطق بهـم وبه نطقوا وطبقوه بكل صدق وإخلاص وأمانة ، ووقفوا عند حـدوده وحكموه في كل شئون حياتهم ، ولم يدخروا وسعا في معانيه ومعرفة أسراره ، وقـد نوه الكتاب العزيز بفضلهم ونص على أن لهم اليد الطولى في الفضـل والعلم والعمل الجاد الخالص ، قال تعالى مشيدا بفضلهم وآمرا باتباعهم سورة التوبة الآية 100 وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .

فهم خير من يقتدى به من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وهم الذين نقلوا لنا هذا الدين . أولئك الأفذاذ الذين هم أعلام الهدى ومصابيح الدجى . . وإن القدوة أولا وأخيرا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى سورة الأحزاب الآية 21 لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا .

فقد أمر الله بالتأسي به والاهتداء بهداه والاستنان بسنته . . وحذرنا من مخالفة أمره ورتب على ذلك ألوانا من الوعيد الشديد ، قال تعالى سورة النور الآية 63 فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بل قد نبه الله تعالى بأنه ليس للمؤمن خيار إذا أمر الله أو أمر رسوله بأي أمر . قال تعالى سورة الأحزاب الآية 36 وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ بل أخبر سبحانه أن طاعته صلى الله عليه وسلم من طاعة الله تعالى سورة النساء الآية 80 مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وقال تعالى سورة محمد الآية 33 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ أي بمخالفتكم لسنته التي سنها لـكم وبارتكابكم المنـكرات والبـدع والمخالفات .

المرجع عند التنازع :

وأمرنا تبارك وتعالى بأن نرجع في كل أمر نختلف فيه إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى سورة الشورى الآية 10 وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ

وقال تعالى : سورة النساء الآية 59 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا فقد أمرنا بطاعة الله ورسوله وطاعة ولاة الأمور في حـدود طاعة الله تعالى ثم أرشدنا إلى رد ما تنازعنا فيه إلى الله ورسوله أي إلى كتاب الله وسنة رسوله بل علق صحة الإيمان بذلك بقوله سورة النساء الآية 59 إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم المتمسكين بسنته من أمته بأعظم بشارة وأشرف مقصد يطلبه كل مؤمن ويسعى إلى تحقيقه ، من كان في قلبه أدنـى مسكة من إيمان ألا وهو الفوز بدخول الجنة ، جاءت هذه البشرى في حـديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (6851),مسند أحمد بن حنبل (2/361). كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ) ، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: ( من أطاعني دخـل الجنة ومن عصاني فقد أبى ورفض للسنة أعظم من مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم وذلك بالإحداث والابتداع في الدين .

حكم الإحداث في الدين :

وبذا نعلم أن هذه النصوص دليل على أن كل من يقول باستحسان بدعة في الدين يكون له نصيب وافر ، وجزاء كبيـر من الـوعيد المذكور فيها ، فإن من استحسن بدعة بعقله القاصر المحـدود وحـث الناس على التعبد بها ما هو إلا مشاقة ومصادمة لهذه النصوص وعليه تبعة ذلك إلى يوم القيامة ، إذ أن من عمل خيرا وتبعه الناس عليه ضوعف له الأجر بقدر أجر من يتبعه في هذا الخير ، وعلى النقيض من ذلك فإن من عمل سوءا كالابتداع مثلا والإحداث في الدين فإنه لا يعاقب بوزر ارتكابه تلك البدعة فحسب بل يضاعف له العقاب حيث يتحمل وزر من تبعه في هذا الأمر ، يدل لذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صحيح مسلم العلم (2674),سنن الترمذي العلم (2674),سنن أبو داود السنة (4609),مسند أحمد بن حنبل (2/397),سنن الدارمي المقدمة (513). من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا . ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا . وعلى هذا فإن أي إحداث في الدين مردود على من أحدثه وغير مقبول لما روى الشيخان وغيرهما من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256). من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد . وفي رواية صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256). من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد .

وإنما كانت البدع مردودة على من عملها لأن إحداث مثل هذه البدع يفهم منه أن الله سبحانه ، لم يكمل الدين لهذه الأمة ، وأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هـؤلاء المتأخرون المبتدعون فأحدثوا في شرع الله ما لم يـأذن به زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله ، وهذا ولا شك فيه خطر عظيم واعتراض على رب العالمين واستدراك على رسوله صلى الله عليه وسلم واتهام له بالخيانة والكتمان وحـاشاه صلى الله عليه وسلم ذلك . كيف يكون هذا وهو القائل: سنن ابن ماجه المقدمة (265). من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة . فهذا محال بالنسبة لسائر المؤمنيـن فـكيف بقدوتهم وأسوتهم صلوات الله عليه وسلامه .

ومعلوم أن الله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة ، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة . . كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صحيح مسلم الإمارة (1844),سنن النسائي البيعة (4191),سنن أبو داود الفتن والملاحم (4248),سنن ابن ماجه الفتن (3956),مسند أحمد بن حنبل (2/191). ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم .

ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم ، وأكملهم بلاغا ونصحا ، فلو كانت هذه البدع التي أحدثها الخالفون من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة أو فعله في حيـاته أو فعلـه أصحابه -رضي الله عنهم- ، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء ، بل هي من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة منها ما رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وابن ماجه ، بسند صحيح عن أبي نجيح العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: سنن الترمذي العلم (2676),سنن ابن ماجه المقدمة (42),مسند أحمد بن حنبل (4/126),سنن الدارمي المقدمة (95). صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، ثم أقبل علينا بوجهه فوعظنا موعظة بليغة ، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب . فقال رجل: يا رسول الله ، كأن هذه موعظة مودع فأوصنا ، فقال: ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن كان عبدا حبشيا ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليـكم بسنتي وسنة الخلفـاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، " وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .

وروى مسلم في صحيحه ، صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (6849),سنن الدارمي المقدمة (207). كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على المنبر ويقول: ( أما بعد- فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) . زاد النسائي ( وكل ضلالة في النار .

وروى البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه- قال: صحيح البخاري النكاح (4776),صحيح مسلم النكاح (1401),سنن النسائي النكاح (3217),مسند أحمد بن حنبل (3/285). جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها . فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا . وقال الآخر: أنا أصوم النهار أبدا ولا أفطر . وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتـزوج أبدا ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني . ولا ريب أن من أحدث عبادة من عند نفسه لم يشرعها الله قد رغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن أعظم ما جاء من الـوعيد في ذلك أن صاحب البدعة يحال بينه وبين التوبة لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته .

ويخشى أن يكون أهل البدع والأهواء ممن يحال بينهم وبين الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة .

فقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الرقاق (6205),صحيح مسلم الفضائل (2297),سنن ابن ماجه المناسك (3057),مسند أحمد بن حنبل (5/393). أنا فرطكم على الحوض وليختلجن رجال دونـي فـأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم غيروا وبدلوا فيقول النبي صلى الله عليه وسلم سحقا سحقا لمن غير وبدل . أي بعدا له فهذه براءة من النبي صلى الله عليه وسلم ممن أحدث في الدين وغير وبدل . ومما لا شك فيه أن هؤلاء الذين يذادون عن الحوض من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أي مـن أمـة الإجابة يدل لذلك أنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث بأن عليهـم آثار الوضوء وإنما حيل بينهم وبين الحوض لما أحدثوه في الدين من عند أنفسهم ولم ينزل الله به من سـلطان ، مـن تلك البدع والمنـكرات والخرافات التي لا تعدو أن تكون من نسج خيالهم وبنات أفكارهم الضالة

(الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 152)

التي ظنوها حسنة وهي في الواقع من أقبح القبيح وأي قبيح أعظم من أن ينصب المرء نفسه مستدركا على الله ورسوله ومشرعا في دين الله بعد القرون المفضلة الأولى الذين هم خير الناس بعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

كما قال صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الشهادات (2509),صحيح مسلم فضائل الصحابة (2533),سنن الترمذي المناقب (3859),سنن ابن ماجه الأحكام (2362),مسند أحمد بن حنبل (1/434). خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الـذين يلونهم . وقد مضت تلك القرون المفضلة وليس لهذه البدع وجود أو رواج وإن وجد شيء منها فهو محدود وعلى نطاق ضيق يختفي أصحابها ولا يستطيعون الظهور لأنهم يشكلون أقلية بخلاف ما وصل إليه حـال المسلمين اليوم فقد طغت البدعة ودرست السنة وتغيرت مفاهيم المسلمين وأصبح تصورهم للإسلام تصورا خاطئا وجعلوه في إطار ضيق ، فقد وصل مثلا في بعض البلاد إلى حد كونه لا يعدو أن يكون مجموعة من الطقوس والاحتفالات التي قلدوا فيها أعداء المسلمين والإسـلام ممـا جعلهـم يوجهون سهامهم المسمومة إلى الإسلام بسبب ضلال من ضل من المسلمين عن الطريق السوي وانحرف كثير منهم عن الجادة الصحيحة التي رسمها لهم الإسلام وأمرهم أن يسيروا عليها ولا يحيدوا عنها يمينا أو شمالا كما قال تعالى سورة يوسف الآية 108 قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي توضح هذا المنهج القويم .

 

حرص الصحابة على لزوم الكتاب والسنة والبعد عن البدع : ولقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- أشد الناس حرصا على العمل بالكتاب والسنة وأشدهم عداوة وبغضا للبدع وأهلها ، كذلك التابعون ومن جاء بعدهم ممن تبعهم بإحسان ، وسأورد نماذج من أقوال الصحابة والسلف الصالح في ذم البدعة والمبتدعين والحث على لزوم السنة .

من أقوال الصحابة في ذلك :

فهذا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يقول: ( إنما أنا مثلكم ، وإني لا أدري لعلكم ستكلفوني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيقه ، إن الله اصطفى محمدا على العالمين وعصمه من الآفات ، وإنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن استقمت فتابعوني ، وان زغت فقوموني ) . وهذا ابن مسعود -رضي الله عنه- ينكر على جماعة من المسلمين كانوا قد جلسوا يذكرون الله بذكر على غير الهيئة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى الدارمي في سننه أن رجلا أخبر عبد الله بن مسعود أن قوما يجلسون في المسجد بعد المغرب فيهم رجـل يقول كبروا الله كذا وكذا . وسبحوا الله كذا وكذا . واحمدوا الله كذا وكذا . قال عبد الله : فـإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني فأخبرني بمجلسهم ، فأتاهم فجلس فلما سمع ما يقولون قام فأتى ابن مسعود فجاء وكان رجلا حديدا ، فقال: أنا عبد الله بن مسعود ، والله الذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلمـا ولقـد فضـلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما . فقال عمرو بن عتبة : أستغفر الله . فقال: عليكم بالطريق فالزموه ولئن أخـذتم يمينا وشـمالا لتضـلن ضلالا بعيدا . فإذا كان ابن مسعود -رضي الله عنه- قد أنكر هذه الهيئة التي يذكرون الله بها رغم أن الذكر الوارد فيها مشروع بيد أنه أنكر عليهـم الشكل والصفة وتخصيص هذا الوقت بالذات للذكر فكيف لو اطلع ابن مسعود على هذه الأذكار التي يذكر بها المسلمون اليوم وهي لا تمت إلى ذكر الله بصلة مما ابتدعه أصحاب الطرق الصوفية وغيرهم من الأذكار الإبليسية التي زينها لهم الشيطان منها ما يرددونه بصوت واحد من قولهم  (هو هو) أو (حي حي) وغير ذلك من ألوان الهذيان الـذي يـرددونه ويزعمون أنه ذكر لله في الوقت الذي لو سمعتهم وهـم يتـرنمون بهـذه الأذكار التي لا يفهم منها شيء في كثير من الأحيان لخيل إليك أن أمامك سباعا تتعاوى وتتهارش على فريسة بل تحولت أذكار كثير ممن ينتسب إلى الإسلام اليوم إلى أنواع من الرقصات المختلفة فضلا عما يصحب ذلك من آلات الطرب والمعازف واختلاط الرجال بالنساء وشرب المسكرات وغير ذلك من أنواع الفساد التي يمليها عليهم الشيطان ، فيا ليت شعري ، ماذا سيقول هذا الصحابي الجليل لو اطلع على هذه المناظر أو سـمع تلك الأصوات المنكرة سورة لقمان الآية 19 إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ .

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينكر على الصحابة لما رفعوا أصواتهم بالتكبير ويقول: صحيح البخاري الجهاد والسير (2830),صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2704),سنن الترمذي الدعوات (3374),سنن أبو داود الصلاة (1526),مسند أحمد بن حنبل (4/402). يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تنادون أصم ولا غائبا . ولا شك أن ذكر الله واجب من أعظم الواجبات التي حث عليها الإسلام كما قال تعالى سورة الأحزاب الآية 41 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا سورة الأحزاب الآية 42 وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ومن أعظم وصايا النبي صلى الله عليه وسلم : سنن الترمذي الدعوات (3375),سنن ابن ماجه الأدب (3793). لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله لكن لا بد أن يكون الذكر وفقا للمعايير التي جاء بها الكتاب والسنة ، دون إفراط أو تفريط . وجاء عن ابن مسعود أيضا في ذم البدعة: ( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ) ، وقال ابن عباس لمن سأله الوصية: ( عليك بتقوى الله والاستقامة اتبع ولا تبتدع ) ، وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: ( كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ) . وقد روى هذه الآثار الكثيرة الإمام الدارمي في سننه وآثارا أخرى عن الصحابة والتابعين . وجاء في سنن أبـي داود عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: ( كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها فـإن الأول لـم يـدع لـلآخر مقالا ) .

هذه نماذج من أقوال الصحابة .

من أقوال السلف بعد الصحابة :

وسنشرع الآن في ذكر نماذج من أقوال التابعين وغيرهم من السلف في الحث على اتباع السنة والتحذير من البدع ، فقد روى الدارمي في سننه عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- قال: ( أوصيكم بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون بعد ) . ونقل الأوزاعي عن حسان بن عطية أحد التابعين الفضلاء قوله: ( ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة ) .

وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: ( عليك بالأثر وطريق السلف ، وإياك وكل محدثة فإنها بدعة ) ، وقال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: ( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة لأن الله يقول سورة المائدة الآية 3 الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا ) . . وقال الليث بن سعد : ( لو رأيت صاحب بدعة يمشي على الماء ما قبلته ) . فلما بلـغ ذلك الشافعي -رحمه الله- قال: (إنه مـا قصر لـو رأيتـه يمشي على الهـواء ما قبلته) . وقال الإمام أحمـد -رحمـه الله-: ( أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء وترك البدع وكل بدعة فهي ضلال ) .

وهكذا نجد مما تقدم من النصوص أن الـكتاب والسنة والآثـار والأخبار التي نقلت عن السلف الصالح تفيد من نظر فيها بتبصر وتدبر أن كل بدعة في الدين صغيرة أو كبيرة في الأصول أو الفروع ، في العقائد أو العبادات أو المعاملات فعلية أو قولية أو تركية ، هي ضـلالة صـاحبها مؤاخذ معاقب عليها في النار ، وبدعته مردودة عليه غير مقبولة منه ، كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم: سنن الترمذي [أسبوع الفقه الإسلامي]، ص (459) (3075),سنن أبو داود [أسبوع الفقه الإسلامي]، ص (459) (4703),مسند أحمد بن حنبل (1/45),موطأ مالك [أسبوع الفقه الإسلامي]، ص (459) (1661). إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي رواه مالك في (الموطأ ) بهذا المعنى. . وقال أيضا: سنن الترمذي العلم (2676),سنن أبو داود السنة (4607),سنن ابن ماجه المقدمة (44),مسند أحمد بن حنبل (4/126),سنن الدارمي المقدمة (95). قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك رواه ابن ماجه في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين. .

السنة والبدعة :

إذا تبين ذلك فإنه قد يرد سؤال مفاده: ما هو الفارق والميزان الذي نميز به بين البدعة والسنة؟ لأن كل مبتدع يزعم أنه على السنة ، بل يرى أن بدعته بعينها هي السنة؟ فالجواب أن نقول: السنة في اللغة هي الطريق . . ولا ريب في أن أهل النقل والأثر والمتبعين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار أصحابه هم أهل السنة لأنهم على تلك الطريق التي لم يحدث فيها حادث ، وإنما وقعت الحوادث والبدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . هذا هو مفهوم السنة عند السلف بعبارة مختصرة هي: الطريقة التي كان عليها رسول الله-صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

هذا هو المعنى الذي يعنينا في هذا المقام ، وهناك تعريفات أخـرى

للسنة عند المحدثين والأصوليين والفقهاء ليس من غرضنا التعرض لها وأما تعريف البدعة فإني أنقل باختصار التعريف الذي أورده الإمام العلامة الشاطبي -رحمه الله تعالى- في كتابه " الاعتصام " .

( وأصل مادة " بدع ") للاختراع على غير مثال سابق ، ومنه قول الله تعالى سورة البقرة الآية 117 بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أي مخترعهما من غير سابق متقدم ، ويقال ابتدع فلان بدعة يعني ابتدأ طريقة لم يسبقه إليها سابق ، ويربط الإمام الشاطبي بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي فيقول: ومن هذا المعنـى سـميت البـدعة بـدعة ، فاستخراجها للسلوك عليها هو الابتداع وهيئتها هي البدعة ، وقد يسمى العمل المعمول على ذلك الوجه بدعة ، فمن هذا المعنى سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة ثم يستمر بالتمهيد للتعريف ، ويذكر أقسام الحكم التكليفي الخمسة حتى يتوصل إلى أن من المنهيات ما يطلب تركه وينهى عنه لكونه مخالفا لظاهر التشريع من جهة ضرب الحدود ، وتعيين الكيفيات ، والتزام الهيئات المعينة أو الأزمنة المعينة مع الدوام ونحو ذلك . وهذا هو الابتداع والبدعة ويسمى فاعله مبتدعا ، ومما تقدم يستنتج الشاطبي تعريف البدع في الدين فيقول: ( فالبدعة إذا عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعب لله سبحانه ) . ومعنى هذا التعريف وهو جامع مانع كمـا تـرى فـالطريقة والسبيل والسنن ألفاظ مترادفة وهو ما رسم للسلوك عليه وإنما قيـدت بالدين لأن صاحبها يضيفها إليه ، خرج بذلك الطريق المخترعة في الدنيا كالصناعات مثلا فإنها لا تسمى بدعة في الـدين بهذا القيد وإن كانـت مخترعة .

ولما كانت الطرائق في الدين تنقسم إلى قسمين . . فمنها ما له أصل في الشريعة ومنها ما ليس له أصل فيها . خص منها ما هو المقصود بالحد وهو القسم المخترع في الدين ، أي طريقة ابتدعت على غير مثال تقدمها من الشارع . وقوله في التعريف: تضاهي الشرعية ، يعني أنها تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك ، بل هي مضادة لها من أوجـه متعـددة على رأس تلك الأوجه اتهام الشريعة بالنقص وعدم الكمال وهذا معلوم البطلان من الدين بالضرورة كما تقدم . وقوله: " يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبـد لله تعالى " هو تمام معنى البدعة إذ هو المقصود بتشريعها . وذلك أن أصل الدخول فيها يحث على الانقطاع إلى العبادة والترغيب في ذلك ، لأن الله تعالى يقول . سورة الذاريات الآية 56 وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فكأن المبتدع رأى أن المقصود هذا المعنى .

فأراد أن يسلكه بأي وجه ولم يتبين له أن الشارع قد وضع لذلك حدودا وضوابط وقوانين لا يجوز أن يزاد فيها أو ينقص .

أمثلة من البدع الشائعة بين المسلمين :

إذا تبين الفرق بين السنة والبدعة من خلال التعريف ، فإني أورد أمثلة للبدع التي عمت وطمت في أرجاء العالم الإسلامي حتى أصبحت عند الكثير من الناس سنة متبعة في الوقت الذي تركت السنن وهجرت تعاليم الإسلام وسأذكرها على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر ، منها: نذر الصيام قائما لا يقعد أو ضاحيا لا يستظل . والانقطاع للعبادة وترك الكسب الحلال وإقامة المآتم وقراءة القرآن فيها والاقتصار مـن المأكل والملبس على صنف دون صنف من غير علة .

ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر على هيئة الاجتماع على صوت واحد . . ومنها التزام عبادات معينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة : كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته والاحتفال بيوم الإسراء والمعراج وتخصيصه بعبادة معينة علما بأن تأريخه قد اختلف في تحديده وحتى لو عرف فـإن الله لـم يميـزه بعبـادة مخصوصة ، وغير ذلك من البدع التي أحـدثت بعـد رسـول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الغر الميامين الذين كان لهم قصب السبق في الذب عن حياض الإسلام والدفاع عن السنة المطهرة .

أصل بدعة المولد :

ولما كانت البدع كثيرة يجل عنها الحصر فإني سوف أقصر الكلام بإيجاز على بدعة خطيرة ومحدثة عظيمة تمس شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة الاحتفال بعيد مولده صلى الله عليه وسلم .

وإن المتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أن مثل هذه الاحتفالات لـم تكن موجودة عند المسلمين الأوائل بل ولا في القرون المفضلة حتـى جـاءت الدولة الفاطمية والتي انتسبت إلى فاطمة ظلما وعدوانا بل إن المحققين من المؤرخين يرون أنهم ينحدرون من أصل يهودي يقال لهم العبيديون وهم أبناء ميمون بن ديصان المشهور بالقداح قيل إنه يهودي وقيل مجوسي وقد استمرت دولتهـم في مصر مـن (357- 467هـ) وقـد احتفـل الفاطميون بأربعة موالد : مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلي بن أبي طالب وولديه الحسن والحسين -رضي الله عنهم- جميعا . فهم أول من أحدث ذلك كما ذكر المقريزي وغيره . وظلت هـذه البدعة يعمل بها حتى جاء ( بدر الجمالي ) الوزير الأول للخليفة الفاطمي ( المستعلي بالله ) وكان هذا الوزير شديد التمسك بالسنة ، فأصدر أمرا بإلغاء هذه الموالد ، وما أن مات ( بدر الجمالي ) حتى عادت البدعة من جديد .

واستمر الأمر على هذا الحال حتى جاء عهد صلاح الدين الأيوبي ، وكان أيضا من المتمسكين بالسنة ، فألغى هذه الاحتفالات ، وتـم تنفيذ هذا الإلغاء في كل أنحاء الدولة الأيوبية ، ولـم يخـالف في ذلك إلا الملك المظفر الذي كان متزوجا من أخت صلاح الدين .

وقد ذكر المؤرخون أن احتفالات الملك المظفر بالمولد كان يحضرها المتصوفة حيث يكون الاحتفال من الظهر إلى الفجر ، وكان ما ينفق في هذا الاحتفال يزيد عن ثلاثمائة ألف دينار .

واستمرت بعد ذلك هذه الاحتفالات إلى يومنا هذا ، بل توسعوا فيها حتى امتدت إلى الاحتفال بمولد كل عظيم في نظر العامة وإن كان من الملحدين بحجة أنه من الأولياء ، ولا يخفى على الجميع مدى المنكرات والموبقات التي ترتكب في أسواق الموالد مـن شرب للخمـور ، ولعـب للميسر ، ورقص وغناء ، تؤديه النسوة في مجامع الرجال وغير ذلك من الكبائر ، حتى أصبحت كلمة المولد يضرب بها المثل في كل المجـالات للفوضى والاستهتار ، وأعظم من هذا كله اعتقـاد هـؤلاء الجهـال أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحضر المولد ، ولهذا يقومون له محيين ومرحبين ، بل يزعم بعضهم أنه يصافحه ، وهذا من أعظم الباطل بل هـو غـاية الجهـالة والضلالة . فإن الرسول- صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ولا يتصل بأحد من الناس ، بل هو منعم في قبره وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة كما قال الله تعالى سورة المؤمنون الآية 15 ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ سورة المؤمنون الآية 16 ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : سنن الترمذي المناقب (3616),سنن الدارمي المقدمة (47). أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع وأول مشفع . ونحن لا نلوم العامة الذين يفعلون مثل هذه الأمور وهـم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ولكن اللوم يوجه إلى العلماء المنتسبين إلى العلم ، أولئك الذين يعرفون طريق الحق ولكنهم يحيدون عنها ، ولا ينكرون أن الاتباع أولى من الابتداع ، ولكنهم يتجاهلون هذا الحق الذي لا يجادل فيه ، فكيف يجهل هؤلاء أن حقيقة الحفاوة بذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، تتركز في اتباع ما جاء به ، وإحياء سنته ، وأن هذه الذكرى الطيبة ليست مؤقتة بزمن وليست محددة بشهر ربيع الأول ، بـل ينبغـي أن نحييها ونحتفي بها في كل لحظة من لحظات حياتنا وفي كل بقعة حللنا بها وذلك باتباع سنته والسير على نهجها ، وما أظن أن مسلما يجهل أن الاحتفال بفكرة " المولد النبوي " أو غير ذلك من الموالـد فـكرة مبتـدعة جـاءتنا- متأخرة ، وفيها تشبه باليهود والنصارى الذين لا يعرفون من الـدين إلا الاحتفالات على رأس السنة بعيد ميلاد المسيح -عليه السلام- أو غيره من الذي دس عليهم وليس من دينهم . ونحن قد قلدناهم في هذا العمل كما قلدناهم في أمور كثيرة وهذا بلا شـك مصـداق لقـول الـرسول صلى الله عليه وسلم: صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3269),صحيح مسلم العلم (2669),مسند أحمد بن حنبل (3/84). لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) . قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال: ( فمن ، متفق عليه .

وقد خشي النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على أمته فقال: سنن أبو داود المناسك (2042),مسند أحمد بن حنبل (2/367). لا تجعلوا قبري عيدا ، والعيد اسم لكل ما يعود ويتكرر أي لا تخصصوا لقبري يوما بعينه تعودونه فيه ، فمن خصص يوما من السنة كالثاني عشر من ربيعالأول وقع تحت هذا التحذير ، ونحن بهـذا لا ننكر زيارة قبره صلى الله عليه وسلم إذا فعلت بالطريقة المشروعة وبدون شد رحال أو تخصيص يوم أو شهر معين لأن شد الرحال من أجل العبادة خاص بالمساجد الثلاثة التي جاءت في الحديث . صحيح البخاري ا