قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

إِعْلَامُ الدُّعَاةِ بِسِمَاتِ المُمَيِّعَةِ وَالحَدَّادِيَّةِ الغُلَاةِ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فمَنْ تأمل في واقع الدعوة الإسلامية اليوم أيقن أنَّ الأمة بأمس الحاجة إلى منهج الوسطية كمنقذ لها من الانحراف باتجاه الغلو والإفراط أو باتجاه التهوين والتفريط؛ هذان المسلكان اللذان عانت الأمة من آثارهما وعواقبهما الويلات والمحن والأزمات.

والوسطية في منهج أهل السنة والجماعة صفة ملازمة له، ولا يمكن لهذا المنهج الرباني في عصر من العصور أن يميل عن صفة الوسطية في أي باب من أبواب الدين، بل هو منهج مناسب لجميع العصور، ولهذا لا يحتاج إلى إصلاح ولا يحتاج إلى تعديل بحسب تغير الظروف والواقع كما يدَّعي المنحرفون اليوم.

ووسطية هذا المنهج إنما هي مستمدة من الله عز وجل؛ قال تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)).

وليس الوسط هو الشيء بين أمرين؛ بل الوسط هو العدل؛ وقد صح تفسير الوسط في الآية الكريمة السابقة بأنه العدل في أحد روايات حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:  ((يجيء نوح وأمته فيقول الله: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب، فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا ما جاء لنا من نبي. فيقول لنوح: مَنْ يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته؛ وهو قوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس" والوسط: العدل، فيدعون فيشهدون له بالبلاغ، ثم أشهد عليكم)) [صحيح الجامع حديث (8034)].

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [المجموع: 20/84]: ((العدل: هو الذي يُخبر بالأمر على ما هو عليه؛ لا يزيد فيكون كاذباً، ولا ينقص فيكون كاتماً)).

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في [إغاثة اللهفان: 1/182]: ((فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وخير الناس النمط الأوسط الذين ارتفعوا عن تقصير المفرِّطين ولم يلحقوا بغلو المعتدين؛ وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطاً وهي الخيار العدل لتوسطها بين الطرفين المذمومين، والعدل هو الوسط بين طرفي الجور والتفريط، والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف، والأوساط محمية بأطرافها، فخيار الأمور أوساطها)).

وقال رحمه الله تعالى في [مدارج السالكين 2/496]: ((أحدها: الترخص الذي يجفو بصاحبه عن كمال الامتثال، والثاني: الغلو الذي يتجاوز بصاحبه حدود الأمر والنهي، فالأول تفريط، والثاني إفراط، وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان، إما إلى تفرطٍ وإضاعةٍ، وإما إلى إفراطٍ وغلو، ودين الله وسطٌ بينَ الجَافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين، فكما أنَّ الجافي عن الأمر مضيعٌ له، فالغالي فيه مضيعٌ له، هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد)).

وبعد أن ذكر الإمام البخاري رحمه الله تعالى حديث أبي سعيد الخدري السابق من طريقه في كتابه [خلق أفعال العباد ص 77 - طبعة الهند] قال بعده: ((هم الطائفة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم")).

فجعل رحمه الله تعالى الأمة الوسط هي الطائفة المنصورة، وهذا هو الحق؛ لأنَّ منهج أهل السنة والجماعة هو الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وسار عليه أصحابه ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، الإسلام النقي الصافي من شوائب الشرك والبدع والخرافات والضلالات والآراء المغلوطة.

وكما أنَّ الأمة الإسلامية وسط بين اليهود والنصارى، فمنهج أهل السنة والجماعة وسط بين الفرق والطوائف المفترقة في أبواب الدين.

 قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في العقيدة الواسطية وهو يلخص منهج أهل السنة والجماعة: ((هم الوسط في فرق الأمة كما أنَّ الأمة هي الوسط في الأمم: فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة، وهم وسط  في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج)).

وقال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه معارج القبول: ((واعلم أنه كما أخبرنا الله تعالى عن الأمم السابقة أنهم اختلفوا اختلافاً شديداً وافترقوا افتراقاً بعيداً؛ وفي ذلك أعظم واعظ وأكبر زاجر عن الاختلاف والتفرق، ولم يقتصر سبحانه في تذكيرنا بذلك عليه؛ بل زجرنا عن الاختلاف زجرا شديداً وتوعد على ذلك وعيداً أكيداً، فقال تعالى: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم. يوم تبيض وجوه وتسود وجوه"، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف وتسود وجوه أهل البدع والاختلاف".

ثم فصَّل تعالى مآل الفريقين وأين توصل أهلها كل من الطريقين؛ فقال تعالى: "فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون".

وحذَّرنا عن ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أولى بنا من أنفسنا فقال صلى الله عليه وسلم: "ألا وإنَّ من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإنَّ هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة؛ وهم الجماعة" وفي بعض الروايات: "هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"، وقد حصل مصداق ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق من الافتراق وتفاقم الأمر وعظم الشقاق فاشتد الاختلاف ونجمت البدع والنفاق.

فافترقوا في أسماء الله تعالى وصفاته إلى نفاة معطلة وغلاة ممثلة، وفي باب الإيمان والوعد والوعيد إلى مرجئة ووعيدية من خوارج ومعتزلة، وفي باب أفعال الله وأقداره إلى جبرية غلاة وقدرية نفاة، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته رسول الله وأهل بيته إلى رافضة غلاة وناصبة جفاة؛ إلى غير ذلك من فرق الضلال وطوائف البدع والانتحال. وكل طائفة من هذه الطوائف قد تحزبت فرقاً وتشعبت طرقاً، وكل فرقة تكفر صاحبتها وتزعم أنها هي الفرقة الناجية المنصورة. 

 وقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنَّ الفرقة الناجية هم: من كان على مثل ما كان عليه هو وأصحابه؛ وليس أحد من هؤلاء كذلك، بل إنهم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل.

وذلك لأنه لا يعرف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا من طريق سننه المروية وآثاره المصطفوية التي هي الشريعة الغراء والمحجة البيضاء؛ وهؤلاء من أبعد الناس عنها وأنفرهم منها.

وإنما تصلح هده الصفة لحملتها، وحفاظها، ونقادها، المنقادين لها، المتمسكين بها، الذابين عنها، يقفون عندها، ويسيرون بسيرها، لا ينحرفون عنها يميناً ولا شمالاً، ولا يقدمون عليها لأحد مقالاً ولا يبالون من خالفهم ولا من خذلهم ولا يضرهم ذلك حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى. أعني بذلك أئمة الحديث وجهابذة السنة وجيش دولتها المرابطين على ثغورها الحافظين حدودها الحامين حوزتها؛ وفقهم الله عز وجل للاستضاءة بنورها، والاهتداء بهديها القويم، وهداهم لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فآمنوا بما أخبر الله به من كتابه وأخبر به عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سنته، وتلقوه بالقبول والتسليم إثباتاً بلا تكييف ولا تمثيل، وتنزيهاً بلا تحريف ولا تعطيل.

فهم الوسط في فرق هذه الأمة كما أنَّ هذه الأمة هي الوسط في الأمم:

فهم وسط في باب صفات الله تعالى بين أهل التعطيل الجهمية، وأهل التمثيل المشبهة.

وهم وسط في باب أفعال الله تعالى بين الجبرية والقدرية.

وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم.

وفي باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية.

وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج.

فهم والله - أهل السنة والجماعة، وهم الطائفة المنصورة، إلى قيام الساعة، الذين لم تزل قلوبهم على الحق متفقة مؤتلفة، وأقوالهم وأعمالهم وعقائدهم على الوحي لا مفترقة ولا مختلفة، فانتدبوا لنصرة الدين دعوة وجهاداً، وقاوموا أعداءه جماعات وفرادى، ولم يخشوا في الله لومة لائم، ولم يبالوا بعداوة من عادى، فقهروا البدع المضلة وشردوا بأهلها، واجتثوا شجرة الإلحاد بمعاول السنة من أصلها، فبهتوهم بالبراهين القطعية في المحافل العديدة، وصنفوا في رد شبههم ودفع باطلهم وإدحاض حججهم الكتب المفيدة، فمنهم المتقصي للرد على الطوائف بأسرها، ومنهم المخلص لعقائد السلف الصالح من غيرها، ولم تنجم بدعة من المضلين الملحدين إلا ويقيض الله لها جيشاً من عباده المخلصين. فحفظ الله بهم دينه على العباد وأخرجهم بهم من ظلمات الزيغ والضلالة إلى نور الهدى والرشاد، وذلك مصداق وعد الله عز وجل بحفظه الذكر الذي أنزله كما قال تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، وإعلاء لكلمته وتأييداً لحزبه إذ يقول: "وإنَّ جندنا لهم الغالبون")).

أقول: ووسطية أهل السنة ليست مقتصرة على تلك الأبواب والمسائل التي ذكرها أهل العلم آنفاً، كلا، بل أهل السنة وسط في جميع مسائل الدين وأبوابه.

فمثلاً: هم وسط في التعامل مع النصوص الشرعية؛ بين إفراط أهل الرأي الذين ردوا النصوص في مقابل أقيستهم وآرائهم وحيلهم، وتفريط أهل الظاهر الذين أهملوا العلل وأعرضوا عن مقاصد النصوص.

وهم وسط في مسألة التحسين والتقبيح العقلي؛ بين إفراط الذين زعموا أنَّ الحسن والقبح صفات ذاتية للفعل لازمة له، وإنما الشرع جاء للكشف عنها، ولهذا فالعباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة ولو لم يبعث الله تعالى إليهم رسولاً، وبين أهل التفريط الذين زعموا أنَّ الأفعال لا تشتمل على صفات هي أحكام ولا على صفات هي علل للأحكام، وليس فيها مصالح ولا مضار، وإنما أمر الله تعالى بأفعال ونهى عن أفعال لمحض إرادته لا لحكمة ولا لرعاية مصلحة أو لدرء مفسدة في الخلق والأمر.

وهم وسط في باب السياسة والحكم؛ بين أهل الإفراط الذين جعلوا الحاكمية من أخص خصائص الإلوهية، وكفروا الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله من غير جحود ولا استحلال، ودعوا الشباب الإسلامي إلى التكتل في تنظيم حزبي لمقارعة ما يسمونهم بطواغيت الحكم؛ إما عن طريق العمل السياسي المنظم، وإما عن طريق إعلان الجهاد بالسلاح على الحكام وأعوانهم ومَنْ يقف بصفهم، وبين أهل التفريط من دعاة الديمقراطية والحرية الذين يدعون إلى فصل الدين عن السياسة، وأنَّ دستور الحكم هو أغلبية النواب.

وهم وسط في باب الجهاد؛ بين أهل الإفراط الذين أعلنوا الجهاد على الدول الإسلامية فضلاً عن دول الكفر، دون النظر إلى شروط الجهاد وضوابطه، وبين أهل التفريط الذين يدعون إلى التعايش السلمي والتسامح بين الأديان وحرية العبادة. إلى غير ذلك من الأبواب والمسائل.

أقول: وكذلك أهل السنة والجماعة وسط في باب "الموقف من المخالف"؛ بين أهل الإفراط وبين أهل التفريط.

ومع أنَّ منهج أهل السنة والجماعة يفترق في هذا الباب عن هذين المنهجين افتراقاً بيناً، لكن الذي زاد في خفائه بعد كثرة الجهل وقلة العلم أنَّ كلا منهجي الإفراط والتفريط ينتسبان إلى منهج السلف، فصار كتمان هذا التمايز بينهما وبين منهج السلف داخل في قوله تعالى: ((وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ))، بينما بيان حقيقة المنهجين داخل في قوله: ((وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)).

ومنهج أهل الإفراط يمثله اليوم الحدادية نسبة لمحمود الحداد الذي أظهر الغلو في التبديع والتجريح بلا ضوابط ولا قواعد، ونسب ذلك لمنهج السلف، وتبعه على ذلك عبداللطيف باشيمل ومجموعة من الشباب المتحمِّسين، وتبعهم بعد فالح الحربي وفوزي البحريني وزمرتهم، وفتحوا لهم موقعاً سموه زوراً وتلبيساً بـ ((موقع الأثري)).

ومنهج أهل التفريط يمثله اليوم المميعة؛ وهم الإخوان المسلمون، وأذنابهم الذين ساروا على دربهم، ونسبوا ذلك لمنهج السلف، مثل المأربي الذي استمات في الدفاع عن قادة الإخوان في كتاب سماه [الدفاع عن أهل الإتباع] في مجلدين!، ومثل عدنان العرور الذي جعل سيد قطب أفضل مَنْ تكلَّم في المنهج!، ومثل الحويني ومحمد حسان أصحاب وجلساء الإخوان، ومثل الحلبي ومتعصبيه الذين نصَّبوا أنفسهم حماة عن أولئك، وفتحوا موقعاً أدخلوا فيه أصول الإخوان والمبتدعة في منهج السلف، وأدخلوا أهل الأهواء والمنحرفين في السلفيين؛ وسموا موقعهم بـ ((منتديات كل السلفيين)).

وكما أنَّ البدع فيها الغالي وفيها دون ذلك، كذلك الحدادية والمميعة فيهم الغلاة وفيهم دون ذلك؛ ممن اشتمل منهجه على بعض شعب هذين المنهجين، أو لم يصل بعد إلى مرتبة الغلو فيهما.

قال الشيخ ربيع حفظه الله تعالى: ((والآن فيه جماعة في الإنترنت على هذا المنوال؛ في الإنترنت جماعة يصفون أهل السنة أنهم حدادية، وصفات الحدادية متوفرة فيهم؛ الغلوّ, الكذب, رد الحقّ، نفس الطريقة الحدادية, فافهموا هذا، واضبطوا صفات الحدادية، فمن وجدت فيه فهو من الحدادية، أو شبيه بهم، أو أسوأ منهم)) .

والعلماء والمشايخ وطلبة العلم قد بينوا ولله الحمد سمات الحدادية وسمات المميعة في مجالس ورسائل وكتب وفتاوى ومقالات متعددة، فأحببتُ أن أجمع سمات الطائفتين في مقال واحد؛ ليتعرف القارئ الكريم على الفوارق بين منهج السلف وبين منهج الحدادية والمميعة، وذلك لأني رأيتُ البعض ينسب بجهل ولبس أو بظلم وهوى - السلفيين تارة للحدادية!!، وتارة للميعة!!؛ كما كانت المرجئة تسمي أهل السنة خوارج، والخوارج يسمون أهل السنة مرجئة، بل حتى أنَّ بعض الشباب السلفي يصف غيره من إخوانه السلفيين بأنه ((مميع))!، أو ((حدادي))!، وهو لا يعرف متى يكون الرجل مميعاً؟ ومتى يكون حدادياً؟.

اليوم البعض يعدُّ كلَّ شدة وغلظة ومواقف حاسمة مع أهل الأهواء حدادية!، والبعض الآخر يعدُّ كل لين ورفق وحكمة ومراعاة للمصالح والمفاسد تمييعاً!.

والعلماء والمشايخ وطلبة العلم قد بيِّنوا سمات هذه الطائفة وسمات هذه الطائفة، فالواجب على الداعية السلفي وطالب العلم أن يميز بين ذلك وأن يعرف سمات الطائفتين، قبل أن يتعجَّل في إلصاق التهم جزافاً بإخوانه السلفيين الذين هم بأشد الحاجة إلى تماسكهم ووحدتهم في الرد على المخالفين في هذا الزمان.

سمات الحدادية الغلاة:

1- كل مَنْ وقع في بدعة فهو مبتدع

قلتُ: فهم لا يشترطون قيام الحجة والنظر إلى شروط التبديع وموانعه قبل التبديع مطلقاً، ولا يفرقون بين مَنْ وقع في بدعة ممن ينتمي لغير منهج السلف: فيطلق التبديع فيه، وبين مَنْ وقع في بدعة ممن ينتمي لمنهج السلف: فهذا إنْ وقع في بدعة ظاهرة واضحة كالقول بخلق القرآن وتكفير فاعل الكبيرة وتحريف الصفات والتي لا تحتاج إلى إقامة حجة فيطلق التبديع فيه، وبين مَنْ وقع منهم في بدعة خفية قد تشتبه فيها الأمور؛ فلا يبدع إلا بعد البيان والتفصيل.

2- كل مَنْ لم يبدع المبتدع فهو مبتدع

قلتُ: أي ولو لم يعرف حال المبتدع، أو لم تقم الأدلة والبراهين على تبديعه.

أما مَنْ أظهرنا له حال المبتدع بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة التي تدينه وتجرحه، فصار يجادل عنهم بالباطل، وينتصر لهم بالمعاذير الوهمية والتأويلات المتعسِّفة، ويطعن ويعادي مَنْ يجرحهم ويحذِّر منهم من أهل العلم الثقات، وينشر لأولئك ضلالاتهم على أنها تأصيلات سلفية، وأنها كلام حق، فهذا يلحق بالمبتدع ولا كرامة له. 

3- التبديع بما لا يعد بدعة والتجريح والتشنيع بما لا يعتبره أهل السنة انحرافاً منهجياً.

قلتُ: التبديع في المنهج الحدادي يكون في غالب الأحيان عن جهل مطبق، وشيء في النفوس.

والواجب أن يعرف السلفي ما هي البدعة؟ ومتى يعد الشيء انحرافاً منهجياً؟!

فإنَّ المخالفة قد تكون مجرد خطأ أو خلاف الراجح في مسألة يسوغ فيها الخلاف أو خطأ مسلكياً من جهة الأخلاق والتعامل مع الآخرين، وقد تكون انحرافاً منهجياً، وكثيراً ما يقع الخلط بينها إما لجهل أو لهوى مع شبهة أو لأمراض نفسية أو لأغراض شخصية.

والبدعة هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الطريقة الشرعية يتقرب بها صاحبها إلى الله بلا دليل شرعي من محكم التنزيل ولا صحيح السنة ولا عمل السلف الصالح.

والانحراف المنهجي يكون: إما باختراع أصل كلي مخالف لأصول أهل السنة أو موافق لأصول أهل البدع، أو يكون بمخالفة أهل السنة في عدة جزئيات بما يجري مجرى القاعدة الكلية، أو يكون بموافقة أهل البدع في جزئية من الجزئيات التي صارت شعاراً لهم، أو يُخالف في جزئية من جزئيات الشريعة يوالي ويعادي عليها، أو يفرق جماعة المسلمين ويوالي موافقه ويعادي مخالفه ويفسِّقه ويستحل إيذاءه بسبب مسألة من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف، أو يأت ببدعة في الدين ظاهرة.

وأما الخطأ المجرد عن التأصيل: فمثل مَنْ يٌقدِّر في أمرٍ ما جلب مصلحة أو دفع مفسدة ثم لا يصيب الحق في ذلك التقدير، فهذا يُردُّ خطؤه بالدليل، ولا يُجرَّح أو يُبدَّع، إلا إذا كان مستنده في ذلك أصل كلي باطل، فيلحق بالانحراف المنهجي، ومثله: الخطأ في النقل أو الفهم عن أهل العلم بخلاف ما يريدونه من كلامهم، أو القول بجواز الترشيح في الانتخابات، أو جواز الخروج في التلفاز، أو التدريس في الجامعات المختلطة، وغير ذلك.

وأما الخطأ الأخلاقي أو الانحراف المسلكي: فمثل مَنْ يظهر عليه أمور قد تدل على حب التصدر، أو انتقاص مَنْ سواه من طلبة العلم والدعاة، أو كثرة المزاح والضحك، أو تثبت عليه بعض الكذبات في حديث الناس، أو يماطل في تخطئة نفسه في مسائل الحقوق بين الناس، أو يظلم غيره ويتعدَّى عليه ببعض الكلمات أو ببعض التصرفات حمية للنفس وانتصاراً لها، أو يقصِّر في هديه الظاهر، فهذه الأخطاء المسلكية يُنكر على صاحبها ويُبيَّن خطؤه، لكن أيضاً لا يصل الأمر إلى حد التجريح أو التبديع.     

4-التسرع في إطلاق أحكام التبديع.

قلتُ: الواجب على السلفي أن لا يتسرع في التبديع، بل يصبر على مَنْ وقع في بدعة أو انحراف منهجي، ويتلطف معه، ويرفق به، ولا يشهِّر به، ولا يؤلِّب الناس عليه، بل يحرص على نصيحته بالأدلة والبراهين، ويجتهد في إصلاحه بالوسائل الشرعية المتنوعة، فإنْ لم يجد منه تجاوباً، بل وجد منه إصراراً وعناداً وتمادياً في الباطل والانحراف، فعليه أن يرفع أمره إلى المشايخ المعروفين ولا يتقدَّم بين أيديهم في الحكم بالبدعة عليه، فإنْ بدَّعه المشايخ فيجب على السلفيين أن يقفوا معهم في نصرة الحق ورد الباطل، ولا يُفرِّقوا كلمة العلماء.  

5-  تحريم الترحم على كل مَنْ وقع في بدعة أو ظهر له انحراف في عقيدته ولو كان من أئمة السلف، وينكرون على مَنْ يترحم عليهم، بل ويمنعون إطلاق الألقاب العلمية التي يستحقونها كـ(الإمام) (العلامة) (الحافظ) (الشيخ)، ويعدُّون ذلك تعظيماً لأهل البدع، ويحرمون القراءة في كتبهم مع ما فيها من علم نافع وفوائد كثيرة.

قلتُ: والواجب على السلفي أن يفرِّق بين انحراف العالم وبين انحراف المبتدع، فالعالم يتحرى الحق من جهة الشرع ويستفرغ وسعه في تحصيله لكنه لم يصبه فيزل، ويكون ذلك في مسائل خفية، ولو قامت الحجة عليه لرجع إلى القول الحق. بينما المبتدع يقصِّر في طلب الحق، أو يعرفه ولا يتبعه، أو يسلك سبيل الزائغين في تحصيله فيقع في الانحراف، ويكون ذلك في مسائل ظاهرة واضحة، ولا يرجع عن باطله ولو قامت الحجة عليه بالأدلة والبراهين. فالعالم يُبيَّن انحرافه وتحفظ كرامته ومنزلته ويترحم عليه، وأما المبتدع فيبين ضلاله ويحذَّر منه ومن كتبه، ولا يعظَّم بالدعاء له أو بالألقاب أو بالأوصاف مما قد يغتر الجاهل الذي لا يعرف حاله به.

والحدادية أيضاً لا يكتفون بوصف مَنْ وقع في بدعة من علماء ومشايخ السنة المجتهدين بقول: "عنده بدعة"، أو "عنده أشعرية"، أو "عنده انحراف في كذا مسألة"، بل يلزمون الناس بتبديعهم وإنْ لم تظهر الأدلة والبراهين!، وإنْ لم تتحقق الشروط وتنتفي الموانع في الحكم عليهم بالتبديع.

6- انتقاص العلماء والمشايخ الذين لا يوافقونهم، والطعن بهم ومعاداتهم بشتى الأساليب، وتعظيم مَنْ يوافقهم والتعصب له، حتى يرفعونه إلى أعلى مراتب العلماء ويصفونه بأضخم الألقاب.

أقول: مسألة عدم الاعتداد بأهل العلم المعاصرين صار سمة ظاهرة للمنهج الحدادي.

ونحن نقول: العلماء والمشايخ المعروفين بسلامة المعتقد وسداد المنهج الذين يتحرون الحق ويجتهدون في تحصيله بالسبيل الشرعي، هؤلاء  لهم مكانتهم ومنزلتهم الرفيعة سواء وافقوا الحق أو خالفوه، لأنهم مأجورون إنْ أصابوا أو أخطؤوا، فلا ينبغي للسلفي أن ينتقصهم إذا خالفوه في مسألة، بل ينتصر للحق ويرد ما عندهم من أخطاء بالأدلة والبراهين وبأدب واحترام، أما إنْ ظهر ما يدل على انحرافهم أو أُقيمت عليهم الحجة ولم ينقادوا لها فلا مكانة لهم في نفوس السلفيين.

لكنَّ الحدادية يثورون على كلِّ عالم أو شيخ لا يوافقهم، ويسعون في إسقاطه، ويشنون عليه حرباً هوجاء، ويؤلِّبون عليه الناس الدهماء، ويجرؤون في الكلام فيه الغوغاء.

وأما مسألة وصف بعض المشايخ وطلبة العلم بأضخم الألقاب ورفع مكانتهم إلى مرتبة العلماء الراسخين في العلم؛ فهذه من بلايا هذا العصر، ولها عواقب سيئة على الشباب والدعوة السلفية فلينتبه لذلك. وهذا أيضاً من صنيع الحدادية في كلِّ مَنْ يوافقهم ويكون في صفهم ضد العلماء.

7- مخالفة أئمة السلف في مواقفهم من زلات العلماء بحجة تحريم التقليد.

قلتُ: لقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى المنهج السلفي من أخطاء العلماء وزلاتهم في كتابه [رفع الملام عن الأئمة الأعلام]، وكذلك في بعض الآثار السلفية ما يدل على أنَّ الأئمة كانوا يعتذرون لمَنْ وقع في انحراف من أئمة السلف ولا يسقطونه، لكنَّ الحدادية اليوم لا يتبعون هذه الآثار، بحجة أنَّ متابعة هذه الآثار تقليد لأصحابها، والتقليد محرم.

بينما نجدهم يقلِّدون بعض العلماء المعاصرين في بعض المسائل ولو خالفوا الصواب بالأدلة والبراهين. وكذلك يقلِّدون رؤوسهم ولا يخرجون عن أقوالهم البتة.

8-  إثارة الفتن والتحريش والتفريق بين السلفيين بسبب بعض المسائل التي يسوغ فيها الخلاف.

قلتُ: المسائل التي يسوغ فيها الخلاف، هي المسائل الخفية التي يحصل فيها اشتباه بسبب خفاء الأدلة أو تعارضها - من حيث الظاهر - مع عدم وضوح الحق فيها، فمثل هذه المسائل لا ينبغي أن نحدث فتنة أو تفريقاً بين السلفيين بسببها، نعم نتناقش في مثل هذه المسائل لمعرفة الصواب فيها لكن في إطار الحوار الهادئ العلمي الموضوعي، وقد اختلف سلفنا الصالح في مثل هذه المسائل مع بقاء الألفة والمحبة والاجتماع.

9-  تطبيق مبدأ الهجر في كل مخالفة

قلتُ: معلوم أنَّ الإنسان غير معصوم من الخطأ، فلو أنَّ كلَّ مسلم خالف الشريعة في أمر من الأمور يجب أن يهجر لما بقي أحد مع الهاجر!، بل الهجر يكون في المخالفات الكبيرة الظاهرة، وبخاصة إذا ظهر للرجل انحرافات منهجية فإنه يهجر؛ لكن بعد مناصحته والصبر عليه والترفق به كما تقدَّم.

أما الأخطاء المجردة عن التأصيل أو المخالفات السلوكية فنحن في هذا العصر نحتاج أن نصبر على أصحابها، وأن نبقى معهم نتناصح ونتعاون في الخير، والمؤمن ضعيف في نفسه قوي مع إخوانه.

10-  رفض أصول أهل السنة في مراعاة المصالح والمفاسد والأخذ بالرخص.

قلتُ: وهذا من تنطعهم وتشديدهم على أنفسهم ومن الأغلال والآصار التي ابتدعوها، ومعلوم أنَّ الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، والله عز وجل يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، ولهذا أمرنا الشارع بالتيسير والتبشير ونهانا عن التعسير والتنفير، ورفع عنا الحرج، فينبغي للسلفي أن يراعي المصالح والمفاسد، وليعرف أنَّ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح عند التزاحم، وأنَّ تحصيل أعظم المصلحتين باحتمال أدناهما ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما هو الواجب، وأنَّ يجب الأخذ بقاعدة دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى أو تقليل الشر باحتمال أخف الضررين؛  فهذه قواعد قد جاء بها الشرع الحكيم، وأدلتها متضافرة، وعليها عمل السلف، فلا ينبغي أن يتجاهلها السلفي أو يردها.

ومعلوم أنه لا اجتهاد في مقابل النص؛ لكن مخالفة النص من أجل تحصيل مصلحة أو دفع مفسدة بالضوابط الشرعية لا يدخل في ذلك، ومن هذه الضوابط:

الأول: أن يكون الشيء المرجو سواء كان تحصيل مصلحة أو دفع مفسدة حقيقياً، وليس وهمياً. وما أكثر ما يخالف الناس الأمر أو النهي بدعوى تحصيل مصلحة أو دفع مفسدة، ثم لا يتحقق بل يعجزون عن تحقيق ما ادعوه.

الثاني: أن يكون الشيء الذي يخشى فواته أو وقوعه أكبر من مصلحة الأمر ومفسدة النهي؛ وهذا لا يعرفه إلا العلماء الراسخون، أما الدعاة الحركيون أو السياسيون أو الحماسيون أو المتعاطفون معهم والمتأثرون بهم فليس لهم استنباط سديد ولا يؤخذ بفهمهم.

الثالث: أن يستفرغ الوسع في تحصيل المصلحة أو دفع المفسدة بالوسائل المشروعة، فإنْ عجزوا عن ذلك، ولم يبق لهم سبيل إلا بوسيلة لم تشرع، فحينها يتحقق مناط الاضطرار، والضرورات تبيح المحظورات.

الرابع: أن لا يتوسَّع في استعمال الوسيلة التي لم تشرع، وإنما يكتفي بالقدر الذي تحصل به دفع المفسدة وتحصيل المصلحة ولا يزيد عليه، لأنَّ الضرورات تقدِّر بقدرها

11-  تفريق السلفيين والطعن بعلمائهم وذلك بإثارة موضوع جنس العمل وشرط الصحة، ووصف مَنْ لا يكفر تارك الصلاة أو تارك المباني الأربعة وما دونها من الأعمال الصالحة من أهل العلم وطلابهم بالإرجاء ومخالفة الإجماع، والتشنيع على مَنْ يعذر بالجهل في مسائل الكفر.

أقول: ولا شك أنَّ بين الغلو في التبديع وبين الغلو في التكفير علاقة وثيقة، ونحن نعلم أنَّ الغلو في التبديع باب إلى الغلو في التكفير.

لهذا فالواجب أن نعلم أنَّ الخوض في مسألة الجنس والآحاد وتارك العمل وشرط الصحة كان منشأه من خلال مكر القطبيين وعلى رأسهم سفر الحوالي في كتابه [ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي] لتمزيق السلفيين والطعن بعلمائهم الذين لا يجيزون الخروج على الحكَّام المسلمين ولا تكفيرهم بمجرد الذنوب من غير استحلال ولا جحود.

وقد صرَّح سفر الحوالي باتهام العلماء الذين لا يكفرون تارك الصلاة أو لا يكفرون تارك المباني الأربعة بالإرجاء.

وأما التشنيع والتبديع لأهل العلم الذين يعذرون بالجهل في مسائل التكفير؛ فهذه طريقة محمود الحداد وجماعة من الشباب معه.

12- لا يرون أحداً من السلفية إلا هم، ويزكي بعضهم بعضاً، ويقربون مَنْ وافقهم ويبعدون مَنْ خالفهم.

قلتُ: وهذه من صفات الحزبية الضيقة.

وما أكثر ما نجد مثل هذه الصفات في صفوف مَنْ ينسبون أنفسهم للسلفية، فتراهم لا يعترفون بأحد ولا يحترمون أحداً ولو كان أعلم من شيوخهم، وإنما مدار الحب والبغض والعداوة والموالاة والبعد والقرب على قدر محبة وتعظيم كبيرهم وموافقة جماعتهم. بينما قد نرى الحدادية أحياناً يوالون أهل البدع للكيد من أهل السنة ومحاربتهم فحسب.

13-تسترهم ببعض علماء السنة مكراً وكيداً، فينشرون لهم في مسائل فقهية أو حديثية مع مخالفتهم لهم في منهجهم العام.

فتراهم ينشرون للشيخ الألباني أو الشيخ ابن باز أو الشيخ ابن عثيمين أو الشيخ ربيع أو الشيخ عبد العزيز آل الشيخ أو غيرهم من العلماء والمشايخ في مسائل في الصلاة أو فتاوى عامة في مسائل فقهية، وما قصدهم نشر العلم وإنما قصدهم التلبيس، ليظنَّ بهم القارئ أنهم على نهج هذا الشيخ، وأنهم لا يطعنون به، وأنهم مرتبطون بالعلماء موقِّرون لهم، أو أنَّ هؤلاء العلماء معهم في منهجهم الحدادي!!.

14-رفضهم لقواعد الجرح والتعديل التي وضعها علماء الحديث، والتفريق بين تطبيق هذه القواعد في الرواة وبين تطبيقها في المبتدعة.

أقول: لأنَّ الحدادية ليس لهم قواعد علمية ينضبطون بها، بل مواقف مختلفة في المسألة الواحدة، ولهذا يرفضون الانصياع لقواعد أهل الحديث في مسائل الجرح والتعديل، فيجرحون بلا قادح معتبر، ويجرحون من غير تفسير للجرح ولا ذكر لأدلته وبراهينه، ويدَّعون التفريق بين موقف أئمة الحديث من الرواة وموقفهم من المبتدعة، مع إنه كثير من الرواة جرحوا ببدعة، فكيف يزعمون التفريق؟!

15-  التقول على أهل السنة ونسبة ما لم يصدر منهم لهم افتراءاً وبهتاناً.

ألسنتهم حداد وقلوب غليظة وأفعال وتصرفاتهم فظة.

الجفاء والإرهاب والظلم والعدوان والسب والطعن في المواقف والردود.

الكبر والعناد والهوى والمجادلة بالباطل.

الغلو والتنطع وشدة الحقد والعداوة.

أقول: وهذه صفات ظاهرة فيهم لا تخفى على مَنْ أبصرهم وقرأ كتاباتهم.

أما سمات المميعة؛ فهي:

1- التهوين من الاختلاف في مسائل العقيدة والمنهج.

قلتُ: ولهذا تجدهم يجتمعون مع الكل بغض النظر عن عقائدهم ومناهجهم، ولا يُنكرون على مَنْ ظهرت له انحرافات في مسائل العقيدة والمنهج، ويزعمون أنَّ الخلاف في العقيدة واقع بين الصحابة، كل ذلك من أجل غايتهم السياسية وهي الوصول إلى مناصب الحكم، فيحرصون على تكتيل الناس وجمعهم دون تصحيح عقائدهم، لتكون لهم قاعدة جماهيرية واسعة وصوت مؤثر في الساحة، وأصلوا قاعدة: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضناً بعضاً فيما اختلفنا فيه.

2-  إدخال الفرق المعاصرة والدعوات الحزبية في مفهوم أهل السنة والجماعة.

قلتُ: فيزعمون أنَّ كل مَنْ ينتسب للمذاهب الأربعة فهو من أهل السنة والجماعة؛ ولو وافق الخوارج أو المعتزلة أو الجهمية أو المرجئة أو القدرية أو غيرهم من الفرق في مسائل. فيدَّعون أنَّ الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ وحزب التحرير وجماعة الجهاد والقطبية والسرورية وجماعات التكفير كلهم من أهل السنة. ويعدُّون "السلفيين" جماعة تدخل في إطار أهل السنة والجماعة؛ حالها كحال الفرق والأحزاب الأخرى، فيفرقون بين "السلفيين" وبين "أهل السنة والجماعة".

3- الدعوة إلى التقريب بين الفرق والطوائف الإسلامية.

قلتُ: لا يخفى على أحد ما قام به الإخوان المسلمون من محاولات باءت بالفشل في التقريب بين السنة والشيعة، هذه المحاولات التي لم تزد أهل السنة إلا وهناً، بينما استغل الرافضة ذلك في نشر عقائدهم في بلاد أهل السنة.

وكذلك ما قام به البعض من محاولات التقريب بين أهل السنة والصوفية، وبين أهل السنة والأشاعرة والماتريدية، وبين أهل السنة ومرجئة الفقهاء، وبين أهل السنة وخوارج العصر.

4-  الدعوة إلى التسامح الديني والتعايش السلمي والحوار الديني ووحدة الأديان.

قلتُ: وهذه هي أعلى مراتب التهوين وتضييع الثوابت وتمييع الأصول والمسلَّمات، فيحاول هؤلاء أن يؤسسوا قاعدة بين أهل الإسلام وبين اليهود والنصارى تحوي القواسم المشتركة بينهم وإلغاء الفوارق العقدية وذلك من خلال سلسلة من الحوار بين هذه الأديان، بدعوى أنَّ الحرب الآن ضد الإلحاد والشيوعية والماسونية، وهذه الفكرة توجب تعطيل عقيدة الولاء والبراء، وإلغاء حكم جهاد الطلب، وإظهار المودة للكفار، وعدم التصريح بكفرهم، وعدم التعرض لدينهم وعقائدهم الكفرية، وإدعاء أنَّ دينهم سماوي، وأنَّهم مؤمنون، وأنهم إخوة لأهل الإسلام، وكل ذلك ضلال بـيِّن.

5-  الاحتجاج بالخلاف في رد الأدلة الواضحة.

قلتُ: قد يختلف العلماء في مسائل معينة أو قضايا أعيان، فالواجب على المسلم أن ينقاد للأدلة والبراهين، ولا يجوز له أن يجعل الخلاف حجة في جواز الأمرين أو القولين، ولا يجوز أن يجعل المسألة من مسائل الاجتهاد التي يسوغ الخلاف فيها بمجرد أن يجد فيها خلافاً ولو لم يكن معتبراً، بل ولو كان ضعيفاً. والحجة في النص والإجماع وقول مستنبط أدلته منهما، وكلام أهل العلم يحتج له لا يحتج به، وتتبع رخص العلماء مسلك خطير وقد ذمه سلفنا الصالح

6-  قاعدة نصحح ولا نجرِّح.

قلتُ: معلوم أنَّ الناس ثلاثة أقسام: عدل ومجروح ومجهول، ولهذا تجد أئمة السلف يصنفون الناس من خلال هذه المراتب وبألفاظ معلومة في كتب الجرح والتعديل، وذكر أئمتنا رحمهم الله تعالى المجروحين بأعيانهم، وصنَّفوا كتباً خاصة في ذلك، ولم يقل أحدٌ منهم لا يجوز التجريح!، ولم يقل أحدٌ منهم: الواجب ذكر الأخطاء وتصحيحها أو ردها دون التعرض للأعيان والذوات!، ولا عدُّوا ذلك من الغيبة أو انتهاك أعراض الناس.

لكن أهل التمييع اليوم يرفضون التجريح من أصله، وينُكرون على مَنْ جرَّح بالأدلة والبراهين، ويصفونهم بأوصاف شنيعة لتنفير الناس عنهم، وأيضاً حماية لهم أن يصلهم التجريح.

وبعضهم يقول: نرد الخطأ ونصححه وننقده ونتواصى بالحق لكن من غير تحذير من الأعيان ومن غير إلزام ولا إنكار ولا تشنيع أو تجريح أو تبديع.

وبعضهم يقول: ننقد الأخطاء لا ذات المنقود.

وبعضهم: نصحح ولا نهدم.

وهذه عبارات تتفق في المعنى وتختلف في المبنى، والغاية منها تعطيل باب جرح المبتدعة والتحذير من المنحرفين. وأما باب تعديل المجاهيل وتزكية المنحرفين فهو مفتوح على مصراعيه

7- استعمال الألفاظ المجملة والعبارات المشتبهة والأجوبة السياسية في تقرير المسائل.

قلتُ: وسلفنا الصالح أوجبوا على المتكلِّم التفصيل في الأجوبة التي قد تحتمل حقاً وباطلاً، وعدُّوا استعمال الألفاظ المجملة والعبارات المشتبهة التي تحتمل الحق وتحتمل الباطل من طريقة أهل البدع، وكانوا ينكرون على منْ يسلك هذا المسلك وينسبونه للبدعة، ويدخل في ذلك الأجوبة السياسية التي يحرص صاحبها أن يرض جميع الأطراف ويحذر من معادة طرف منها.

8-  إيقاف العمل ببعض النصوص والآثار السلفية من أجل مراعاة مستجدات الواقع المعاصر.

قلتُ: فأهل التمييع يجعلون الواقع يتحكَّم بالشرع، ويعدُّون الدعوة إلى إعمال ما كان عليه السلف الأوائل في هذا العصر من المحال، ولهذا يتنازلون عن أحكام كثيرة، ويداهنون في مسائل عديدة، ويزعمون أنَّ المنهج السلفي يتغير بتغير الظروف. ونحن نعلم أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً. وأنَّ هذا الدين صالح في كل زمان ومكان، وإنما قد يخطئ البعض في تنزيل أحكام الشرع على الواقع، أو في عدم التدرج في تعليم الأحكام والعمل بها، لكن أنَّ ندَّعي عدم صلاحية أحكام شرعية معينة في هذا العصر؛ هذا لا يجوز

9-مخالفة النصوص الصريحة بحجة مراعاة المصالح والمفاسد الوهمية.

قلتُ: تقدَّم ذكر ضوابط العمل بالمصالح والمفاسد، وما أكثر في هذا العصر مَنْ يدَّعي في مخالفته للنصوص الصريحة أو الأحكام الشرعية الواضحة أنه يراعي مصلحة أو مفسدة، وعند النظر فيها والتفتيش نجدها مصلحة وهمية أو مفسدة وهمية. فالواجب ترك تقدير مثل هذه المسائل للعلماء الراسخين في العلم دون مَنْ سواهم

10-رفض أحكام العلماء والمشايخ المبنية على الأدلة الواضحة والبراهين القاطعة في التبديع والتحذير من المنحرفين.

قلتُ: بعض الناس جعل التحذير من المخالفين  وتجريحهم أو تبديعهم فتنة؛ ولهذا يستنكر أحكام العلماء في التحذير والتجريح، مع أنه يعلم أنهم لا يجرحون إلا مَنْ يستحق، ولا يجرحون إلا بقادح معتبر، ولا يجرحون إلا جرحاً مفسَّراً.

ولهذا حاول البعض في هذا العصر التشكيك بقاعدة تقديم الجرح المفسَّر على التعديل المبهم، فرفض الإلزام بالجرح المفسَّر المعتبر المقنع بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة إلا بشرط الإجماع أو الإقناع، أي: بشرط أن يجتمع على جرح المنحرف كل العلماء، أو يقتنع المخالِف لهذا الجرح. وهذان شرطان يجعلان من القاعدة المتقدمة مجرد تنظير لا واقع له، لأنَّ تحقق الإجماع صعب، وربط الحجة بقناعة المخالِف غير منضبط؛ فهذا منهج واسع لو استعملناه لرددنا الكثير من أحكام أئمة الحديث في الجرح والتعديل.

11-الطعن بالعلماء والمشايخ السلفيين الذين يحذِّرون الناس من المبتدعة والمنحرفين بالغلو والتشديد والتفريق بين أهل السنة، ووصفهم بأوصاف السوء، والسعي في تنفير الناس عنهم.

قلتُ: وهذا من عجيب أمر هؤلاء المميعة، فهم يستنكرون الطعن والتجريح والتحذير في أقوام هم يعلمون أنهم عندهم انحرافات، لكنهم مع العلماء الأثبات لا يتورعون في تجريحهم ووصفهم بأوصاف قبيحة وغليظة، ويُحذِّرون منهم ومن منهجهم، ويُنفِّرون الناس عنهم!!. ومعلوم أنَّ من علامة أهل البدع الطعن في أهل الأثر.

12- مناصرة المبتدع