قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

الرد على قصيدة البردة للبوصيري

 من فتاوى نور على الدرب

للشيخ محمد بن صالح العثيمين

...بل نقول إن من كان حيا فإن لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكرى في كل عبادة يقوم بها لأن من شرط العبادة الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكل عابد فلابد أن يخلص لله ولابد أن يستشعر حين فعل العبادة أنه متبع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذه ذكرى وفي هذه الذكريات العظيمة في هذه العبادات العظيمة غنى عن هذه الذكرى التي أحدثها من أحدثها ثم إنه يقع في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة ما يخل بالعقيدة ففي بعض الاحتفالات بهذا المولد تلقى القصائد لبتي فيها الغلو برسول الله صلى الله وسلم الغلو الذي يوصله إلى درجة الربوبية أو أعظم تلقى في هذه الاحتفالات القصائد مثل البردة للبوصيري التي فيها يقول:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن أخذا يوم الميعاد ييدي

 عفواً وإلا فقل يا زلة القدم

فإن من جودك الدنيا وضرتها

 ومن علومك علم اللوح والقلم

هذه أبيات في البردة قد تكون على هذا الترتيب أو في بعضها تقديم وتأخير لكن الكلام على المضمون لا على الشكل كالذي يقول للرسول عليه الصلاة والسلام مخاطبا له إن من جودك الدنيا وضرتها وضرة الدنيا هي الآخرة ومن علومك علم اللوح والقلم قد ألحقه أي ألحق النبي صلى الله عليه وسلم بمقام الربوبيه ولم يبق لله شيئا إذا كان من جود الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدنيا وضرتها فما الذي بقي لله ثم نقول هذا من أكبر الكذب أن تكون من جوده الدنيا وضرتها لماذا لأن الرسول خُلق في آخر الدنيا كيف تكون الدنيا من جوده...

***

وهذه إخواني الأبيات الاخرى من قصيدة البردة التيفيها مخالفات شنيعة أيضا ...

- مَا سَامَنِي الدَّهْرُ ضَيْماً وَاسْتَجَرْتُ بِهِ * إِلاَّ وَنِلْتُ جِوَاراً مِنْهُ لَمْ يُضَمِ

يقول: ما أصابني مرض أو همٌّ وطلبت منه الشّفاء(أي النبي صلى الله عليه وسلم)، أو تفريج الهمّ، إلاّ شفاني وفرَّج همّي !
والقرآن يحكي عن إبراهيم عليه السّلام قولَه عن الله عزّ وجلّ}:وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ { الشعراء- 80.
والله تعالى يقول }وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُو{الأنعام- 17، والرّسول صلّى الله عليه وسلّم يقول)): إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ،وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ (( رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

- فَإِنَّ لِي مِنْهُ ذِمَّـةً بِتَسمِيَتِي * * * مُحَمَّداً وَهُوَ أَوْفَى الخَلْقِ بِالذِّمَمِ

يقول الشّاعر: إنّ لي عهداً عند الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أن يدخلني الجنّة، لأنّ اسمي محمّد، ومن أين له هذا العهد ؟ ونحن نعلم أنّ كثيراً من الفاسقين والشّيوعيين اسمه محمّد، فهل التّسمية بمحمّد مُبرّر لدخولهم الجنّة ؟
والرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال لابنته فاطمة رضي الله عنها
)) سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتِ، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئاً ((.

- لَعَلَّ رَحْمَةَ رَبِِّـي حِينَ يَقْسِمُهَا تَأْتِي عَلَى حَسَبِ العِصْيَانِ فِي القَسَمِ

وهذا غير صحيح، فلو كانت الرّحمة تأتي قسمتها على قدر المعاصي كما قال الشّاعر، لكان على المسلم أن يزيد في المعاصي، حتّى يأخذ من الرّحمة أكثر، وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل؛ولأنّه مخالف لقول الله تعالى}:إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ{الأعراف:56، والله تعالى يقول }وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون{ الأعراف:156.

- وَكَيْفَ تَدْعُو إِلَى الدُّنْيَا ضَرُورَةٌ مَنْ * لَوْلاَهُ لَمْ تَخْرُجْ الدُّنْيَا مِنَ العَدَمِ

الشّاعر يقول: لولا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما خُلِقَت الدّنيا ! والله يُكَذّبه ويقول }وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ. {
وحتّى محمّد صلّى الله عليه وسلّم خُلق للعبادة، وللدّعوة إليها، يقول الله تعالى }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ {الحجر:99.

- أَقْسَمْتُ بِالقَمَرِ المُنْشَقِّ إِنَّ لَهُ * * * مِنْ قَلْبِهِ نِسْبَةً مَبْرُورَةَ القَسَمِ

الشّاعر يُقسم ويحلف بالقمر، والرّسول صلّى الله عليه وسلّم يقول)): مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ ((رواه أحمد.

- لَوْ نَاسَبَتْ قَدْرَهُ آياتُهُ عِظَماَ * * * أَحْيَا اسْمُهُ حِينَ يُدْعَى دَارِسَ الرِّمَمِ

ومعناه: لو ناسبتْ معجزاتُ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قدرَه في العِظَم، لكان الميْت الّذي أصبح بالياً حيّا، وينهض بذكر اسمِ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم!
وبما أنّه لم يَحْدُث هذا فالله لم يُعطِ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم حقّه من المعجزات ! فكأنّه اعتراضٌ على الله حيث لم يعطِ رسولَ الله !.. وهذا كذب وافتراءٌ على الله !فالله تعالى أعطى كلّ نبيٍّ المعجزاتِ المناسبة له، فمثلاً: أعطى عيسى عليه السّلام معجزةَ إبراءِ الأعمى والأبرص وإحياء الموتى، وأعطى سيّدنا محمدا صلّى الله عليه وسلّم معجزة القرآن الكريم، وتكثير الماء والطّعام، وانشِقاق القمر وغيرها.
ومن العجيب أنّ بعض النّاس يقولون: إنّ هذه القصيدة تسمّى بالبردة وبالبُرأة، لأنّ صاحبهاكما يزعمون – مرض فرأى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فأعطاه جبّته، فلبِسها، فبرئ من مرضه !
وهذا كذب وافتراء ليرفعوا من شأن هذه القصيدة، إذ كيف يرضى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بهذا الكلام المخالف للقرآن ! ولهديه صلّى الله عليه وسلّم! وفيه شرك صريح ؟!
فاحذر يا أخي المسلم – من قراءة هذه القصيدة وأمثالها المخالفة للقرآن، وهدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والعجيب أنّ في بعض بلاد المسلمين من يُشَيِّع بها موتاهم إلى القبور ! فيضمّون إلى هذه الضّلالات بدعةً أخرى، حيث أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالصّمت عند تشييع الجنائز، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

من الكتاب النّافع " معلومات مهمّة عن الدّين "
للشّيخ الجليل محمّد بن جميل زينو
رحمه الله،

***

كلام فضيلة الشيخ صالح آل شيخ حفظه الله تعالى

..أما الغلو فيـهم بأن يجاوز ذلك الحد فهو بحر لا ساحل له، فمما حصل من الغلو فيه أنهم جُعلت فيهم خصائص الإلهية، جُعل بعض البشر أنه يعلم سر اللوح والقلم، وأنه من جوده الدنيا وضرتها كما قال البوصيري في قصيدته المشهورة:
فإن من جودك الدنيا وضُرَّتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم

وهذا ليس إلاّ لله جل وعلا، وهدا من الغلو المنهي عنه.
كذلك قوله في النبي عليه الصلاة والسلام غاليا فيه أعظم الغلو قال:
لو ناسبت قدره آياتُه عظما أحيى*** اسمه حين يدعى دارس الرمم

يقول إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يعط آية تناسب قدره، قال الشرّاح حتى القرآن لا يناسب قدر النبي ، والعياذ بالله، يقولون القرآن المتلو بخلاف غير المتلو عند الأشاعرة؛ لأنهم يفرقون بين هذا وهذا.
فهذا البوصيري يقول (لو ناسبت قدره) يعني النبي عليه الصلاة والسلام (لو ناسبت قدره آياته عظما) يعني في العظمة (أحيى اسمه حين يدعى دارس الرمم) لكان لا يناسب قدره إلا إذا ذكر اسمه على ميْت قد درس وذهب رميمه في الأرض وذهبت عظامه لتجمعت هذه العظام وحيي لأجل ذكر اسم النبي عليه، وهذا من أنواع الغلو الذي يحصل من الذين يعبدون غير الله جل وعلا ويتوجهون إلى الأنبياء والرسل فيجعلون في حقهم من خصائص الألوهية ما لا إذن لهم به؛ بل هو من الشرك الأكبر بالله جل وعلا ومن سوء الظن بالله ومن تشبيه المخلوق بالخالق، وهذا كفر والعياذ بالله.
يقابل ذلك -هناك حد مأذون به، و هناك غلو- والحالة الثالثة الجفاء، الجفاء في حق الصالحين وهذا بعدم موالاتهم وعدم احترامهم وعدم إعطائهم حقَّهم وترك محبة الصالحين.
فكل تقصير في الأمر يعدّ جفاء وكل زيادة فيه يعد غلوا.
قال وقول الله عز وجل: ( يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ) [النساء: 171] قوله (يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ) مناسبته للباب ظاهرة؛ أي أنه نهى أهل الكتاب عن الغلو فقال (يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ) ووجه الاستدلال أنه قال (لاَ تَغْلُواْ)، و(تَغْلُواْ) هنا فعل جاء في سياق النهي وهذا يعم جميع أنواع الغلو في الدين، (لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ) يعني لا تغلوا بأي نوع من أنواع الغلو في الدين، فنهوا عن أي نوع من أنواع الغلو، هذا موطن الشاهد ووجه الاستدلال من الآية على الحديث...