قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

ثلاثة عشر نصيحة مهمة ومفيدة - من الشيخ مقبــل بن هادي الــوادعي لطالب العلم

بسم الله الرحمن الرحيم

نصيحتي لطلبة العلم لشيخ الوالد مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله

أنصح إخواني في الله طلبة العلم بأمور مختصرة لا يتسع المقام لبسطها ، إذ قد ألفت المؤلفات في فضل العلم وأهله ، فأنصحهم بـ :
01-
الإخلاص لله :
قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- : ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾[البينة : 5]
وفي " الصحيحين " عن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- : « إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئٍ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه »[1] ، فلا يطلب العلم لشهادة ، ولا لآرابٍ أخر .
02-
الصبر على تحصيل العلم ومذاكراته ورعايته وصيانته وتبليغه :
قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- : ﴿ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ﴾[ السجدة : 24 ] ، وفي " الصحيح " عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- أنه قال : « الصبر ضياء»[2] .
وقال يحيى بن أبي كثير لولده : لا يستطاع العلم براحة الجسم .
وقال عبدالله بن عمر : قل لطالب العلم يتخذ نعلين من حديد .
03-
تقوى الله :
قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال : 29] .
وقال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾[الحديد : 8 ] ، وقال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- : ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [ البقرة : 282].
04-
الاستمرار والمداومة على طلب العلم :
وقد كان أحب العمل إلى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- أدومه .
ورب طالب يتوقد ذكاءً ولكنه ينقطع عن طلب العلم ، أو يسأم ، فلا يفلح فيه ، وأبو هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يقول : لقد كنت امرأً مسكيناً ألزم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- على ملء بطني ، فصار أبو هريرة حافظ الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- ، وسفيان بن عيينة لازم عمرو بن دينار نحو عشرين سنة فصار أثبت الناس فيه ، ومحمد بن جعفر ( غندر ) لازم شعبة عشرين سنة فصار كتابه هو الحكم في حديث شعبة ، ويكون ذلك مع محبة العلم والرغبة فيه ، ولقد أحسن من قال :
سهري لتنقيح العلوم ألــذ لي مـن وصل غانية وطول عنـاقِ
وتمايلي طـرباً لحـل عـويصةٍ أحلـى وأشهى من مدامة ساقي
وصـرير أقلامي على أوراقـها أحـلى مـن الدوكاة والعشاقِ
وألـذ من نقـر الفتاة لدفهـا نقري لألقي الـرمل عن أوراقِ
أأبيت سهـران الـدجى وتبيته نـوماً وتبغي بعد ذاك لحـاقي
وشعبة بن الحجاج رحمه الله يقول في حديث : لو صح لي لكان أحب إلي من أهلي ومالي وولدي والناس أجمعين ، وتكون أيضاً بعيداً عن المشاكل والشواغل التي تشغلك عن طلب العلم .
هذا وإني أنصحك أيها الطالب ! بالاهتمام بكتب علمائنا المتقدمين مثل : الأمهات الست ومسند أحمد وغيرها من كتب علمائنا رحمهم الله ، وليس معناه ألا تستفيد من كتب أهل السنة المتأخرين .
وهكذا أنصحك بالتخصص بعد أن تلم بما تحتاج إليه من العلوم الدينية ، والتخصص له أصل ، ففي " الصحيحين " : عن حذيفة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال : كان الناس يسألون رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني . فذكر الحديث ، وأقره النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- على ذلك .
ونحرص على الازدياد من العلم كل يوم ، ففي " الصحيحين " عن عبدالله بن عمر -رَضِيَ الله عَنْهُمَا- قال : قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- : « لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل ، وآناء النهار ، ورجل آتاه الله هذا الكتاب فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار»[3].
بل الله -عَزََ وَجَلَّ- يقول في كتابه الكريم لنبيه محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ-:﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْما ﴾ [طه :114]، ويحرص على الانتفاع بما علم ، فقد قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾[الجمعة : 05]، وكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- يستعيذ بالله من علم لا ينفع .
05-
أنصحك بالتواضع لله وترك التكبر :
قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- :﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف : 146] ، وعن مجاهد رحمه الله أنه قال : لا ينال العلم مستحٍ ولا متكبر .
06-
شكر العلماء الذين استفدت منهم ، والدعاء لهم ، والترحم عليهم :
فقد روى أبو داود في " سننه " عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ، عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- : « لا يشكر الله من لا يشكر الناس»[4] .
07-
البعد عن أهل البدع وكتبهم وعلماء السوء وكتبهم :
لأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقول : ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ [ لقمان :15] ، والرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- يقول : « أخوف ما أخاف على أمتي : منافق عليم اللسان»[5] .
بل الله عز وجل يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة : 34] .
08-
الحرص على مجالسة الصالحين وأهل الفضل :
قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لنبيه محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ-:﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾[الكهف : 28] .
وقال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- : ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾[الفرقان : 27 - 29].
وفي " الصحيحين " عن أبي موسى الأشعري -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال : قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- : « مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة »[6] .
فعلى هذا فأنصحك بالبعد عن هذه الحزبيات المبتدعة ، وعن هذه الجماعات المبتدعة : كجماعة الإخوان المسلمين ، وجماعة التبليغ ، وجماعة الجهاد الجاهلة الحمقاء ، وعليك أن تحرص على مجالسة أهل العلم من أهل السنة ومشاورتهم فيما يحدث ، وإياك ووساوس الحزبيين فإنها أشبه بوساوس الشيطان : ﴿ يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً ﴾ [ .[النساء :120
ولا إله إلا الله ، كم من شاب صالح حافظ للقرآن مبرز في علم السنة أفسده الحزبيون بأمانيهم الكاذبة ، وسيُسألون أمام الله -عَزََ وَجَلَّ- عن هذا التضليل ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
09-
المحافظة على الوقت والصحة :
فقد روى البخاري في " صحيحه " عن ابن عباس -رَضِيَ الله عَنْهُمَا- قال : قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- : « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ»[7] .
10-
الاهتمام باللغة العربية :
فتأخذ من اللغة العربية ما يستقيم به لسانك ، وما تعرف به ارتباط المعاني .
11-
الرحلة في طلب العلم :
ولها أصل أصيل ، وقد رحل نبي الله موسى -عَلَيْهِ السَّلَامْ- من أجل مسألة من نافلة العلم ، والغربة تساعدك على الفراغ لتحصيل العلم .
12-
الابتعاد عن التقليد :
قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾[الإسراء : 36] .
13-
البعد عن الجدل :
فقد روى الترمذي في " جامعه " ، عن أبي أمامة الباهلي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال : قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- : « ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل »[8] ، ثم قرأ : ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾[الزخرف : 58] . ، ولا تتعصب لرأيك في اختلاف الأفهام ، ولا في اختلاف التنوع ، حتى لا تدعو الناس إلى تقليدك وأنت تشعر أو لا تشعر .
التثبت في الفتوى :
قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ﴾[النحل : 116] .
هذا ، ولا تكفي هذه العجالة لنصيحة طالب العلم ، فأنصحه بالرجوع إلى " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر ، وكتاب " العلم " لأبي خيثمة زهير بن حرب ، وكتاب " العلم " من " صحيح البخاري " ، ومن " صحيح مسلم " ، وغيرها من دواوين الإسلام .
وفق الله الجميع لما يجب ويرضى .

المصدر : غارة الأشرطة ( 1 / 7 - 11)