قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

خطورة التسرع في تبديع و تفسيق و تكفير الناس ......

فائدة جليلة :.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة، أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص، فقد يكون على وجه يعذر فيه، لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه، وإما لعدم قدرته.. كما قررته في غير هذا الموضع وقررته أيضاً في أصل التكفير والتفسيق المبني على أصل الوعيد، فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يُستلزم ثبوت موجبها في حق المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع، هذا في عذاب الآخرة، فإن المستحق للوعيد من عذاب الله ولعنته وغضبه في الدار الآخرة خالد في النار أو غير خالد، وأسماء هذا الضرب من الكفر والفسق يدخل في هذه القاعدة، سواء كان بسبب بدعة اعتقادية أو عبادية أو بسبب فجور في الدنيا وهو الفسق بالأعمال.
فأما حكم الدنيا فكذلك أيضاً، فإن جهاد الكفار يجب أن يكون مسبوقاً بدعوتهم، إذ لا عذاب إلا على من بلغته الرسالة، وكذلك عقوبة الفساق لا تثبت إلا بعد قيام الحجة. انتهى من مجموع الفتاوى 10/372.اهـ

ظاهرة سيئة: ظهرت هذه الأزمان المتأخرة ظاهرة غير جيدة وهي الكلام الدؤوب في قضايا التكفير والتبديع والتفسيق، وهذا بحدّ ذاته ليس بآفة لأنه خدمة لدين الله جل وعلا، لكن الخطر يظهر في النقاط التالية:
1. الغلوّ في هذا بحيث يطغى على مسائل العلم.
2. إقدام الجهلة على مثل هذا الكلام.
3. عدم ضبطه بما يجب، لا من جهة العلم الشرعي بموجب الكفر والبدعة والفسق، ولا من جهة العلم الواقعي عن حال المتكلم فيه. ونلاحظ هنا أن السلف رحمهم الله ورضي عنهم كانوا يذبّون عن دين الله أشدّ الذبّ وكانوا أحرص منّا على خدمة دين الله، ومع هذا ما وقعوا فيما وقع فيه الناس هذه الأزمان، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرّ منه".
ماهو التفسيق ومتى يكون المرء فاسقاً وما حكمه؟ التفسيق هو الحكم على المرء بأنه فاسق، والفسق هو الخروج عن طاعة الله. وهو نوعان: فسق مخرج من الإسلام بالكليّة، وفسق مخرج عن كمال الإسلام. فالأول حكمه أنه كافر، والثاني مؤمن ناقص الإيمان. ويكون المرء فاسقاً بالمعنى الأول إن ارتكب أمراً ظاهراً مكفّراً، ويكون فاسقاً بالمعنى الثاني إن ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب.
ماهو التبديع ومتى يكون المرء مبتدعاً وما حكمه؟ التبديع هو الحكم على المرء بأنه مبتدع، والبدعة الكلام فيها طويل ومعروفٌ لمن أراده، لكنها بالمعنى العامّ: كل ما أُحدِث في دين الله مما لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم أو يدلّ عليه الشرع. ويكون المرء مبتدعاً إن وقع في بدعةٍ، إلا أن يكون معذوراً ككونه عالماً مجتهداً وكون المسألة مما يسوغ فيها الاختلاف. والبدعة نوعان: مكفّرة، وغير مكفّره، فالأولى حكم صاحبها الكفر إلا إن كان معذوراً، والثانية حكم صاحبها أنه مؤمن ناقص الإيمان -كصاحب الذنب- إلا أن البدعة على الغالب أشد إثماً من الذنب.
ماهو التكفير ومتى يكون المرء كافراً وما حكمه؟ التكفير هو الحكم على المرء بأنه كافر، والكفر نوعان: أصلي، وطاريء، فالأول: هو أن يكون صاحبه لم يدخل في الإسلام أصلاً، كالوثنيّ والمجوسي. والثاني: أن يكون صاحبه دخل في الإسلام ثم خرج منه وهو الذي نسميه المرتد، والأول نقول عنه أنه كافر، أما الثاني فلا نقول عنه أنه كافر إلا بعد التأكد من أمور، سيأتي الكلام عنها بعد قليل إن شاء الله.
متى نحكم على المرء بالخروج من الإسلام؟ هذا هو بيت القصيد، وهو المزلّة المهلكة، والله المستعان. وحتى نحكم على مسلم بأنه خرج من الإسلام لا بدّ من مراعاة الأمور التالية: 1. أن يثبت لنا بالأدلة الشرعية القاطعة أن هذا الفعل أو القول الذي صدر من الرجل كفرٌ لا شك فيه ولا مجال للاجتهاد بين العلماء في حكمه، لأنه قد يقول العالم بقولٍ ترى أنت أنه كفر وهو يرى باجتهاده أنه ليس بكفر، وهذا خاص ببعض المسائل لا كلها، وهي التي يقولون عنها: ما يسوغ فيه الاجتهاد. 2. أن نتأكد من الرجل الواقع في القول أو الفعل من جهة توفر الشروط اللازمة في التكفير وانتفاء الموانع المانعة منه،
وهي أربعة: الأول: العلم، فإن كان جاهلا لا نكفره. والثاني: القصد، فإن كان مخطئاً لا نكفره. والثالث: الاختيار، فإن كان مكرهاً لا نكفره. والرابع: عدم التأويل، فإن كان متأوّلاً -يعني عنده أدلة- فإننا لا نكفره بشرط أن يكون تأويله سائغاً. وكل واحد من هذه الأمور يحتاج التمثيل له والاستدلال عليه لوقتٍ والآن المجال للاختصار

***

انبه على قاعدتين:

·  القاعدة الاولى: أنّ اهل السنّة وقد قدّمنا القول بأنّهم اعرف النّاس بالحق وأرحمهم بالخلق يفرّقون بين القول والقائل والفعل والفاعل، فكم من مقولة أو فعل هي كفر أو بدعة أو فسق، ومع هذا لا يحكمون على المخالف بمقتضى هذه المخالفات، بما سيأتي بعد.

·  القاعدة الثانية: التفريق بين الحكم على سبيل العموم والحكم على سبيل التعيين وذلكم لأنّ هذه الأحكام التبديع والتفسيق والكفر من أحكام الله، من أحكام الوعيد التي يجب تلقيّها عن الله وعن رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولا مدخل فيها لاجتهاد الخلق أبدًا، فالحكم على سبيل التعميم والإطلاق اشترطوا فيه عندهم دلالة الشرع على ما تقتضيه المخالفة. 

فيقولون على سبيل المثال: الزاني وشارب المسكر والقاذف فُسّاق بدلالة الشرع على هذا الحكم، ويقولون من جحد فرضًا من فرائض الله المعلومة كفر، بأنّ ذلك ثابت شرعًا ويقولون مثلا من سلك سبيل المعتزلة كان فاسقًا، وأمّا الحكم على سبيل التقييد والتعيين، الحكم على المعيّن ، فإنّه له عندهم شرطان:

·  أحدهما: دلالة الشرع على ما تقتضيه المخالفة كما تقدّم:

*      الأول: التكليف ويشمل البلوغ والعقل.

*      الثاني: العلم بما تقتضيه مخالفته.

*      الثالث: الاختيار.

*      الرابع: العمد.

وهذه الشروط مستوفاة في دواوين أئمة السنّة وأقرب شيء أُحيلكم عليه: "القواعد المثلى" لسماحة الإمام المحقق الفقيه المجتهد الشيخ محمد بن صالح العثيمين  -رحمه الله - وشروحها التي انبنت عليها

عبيد بن عبد الله الجابري

***

 

حكم إطلاق كلمة مبتدع على أتباع أهل البدع الجهال؟
أتباعهم لا بد أن يمارسون البدع ، الذي يتولاهم ويدافع عنهم هو منهم، لكن أنت ما تقول أنتم مبتدعة، استعمل معهم الحكمة والموعظة الحسنة، يعني الكافر إذا جئته وقلت له أنت كافر ما يقبل دعوتك، والمبتدع كذلك ، هذه من الحكمة، يعني الهندوكي لو تقول له : أنت كافر، يغضب أشد الغضب ، هندوكي أخس من اليهود والنصارى ، لا تقل له حين تدعوه إلى الله : أنت كافر، لأنه سيرفض دعوتك له إلى الإسلام،بل تقول له:
إن الله أرسل إلينا محمدابالهدى ودين الحق ، وقال ..........، وقال........ وقال ............ وتخبر، وتأتي بالأدله على صدقه ،وكذا ، وكذا، وأنا أدعوك إلى هذا الدين.... ما تقول له:
أنت كافر ، والمبتدع لاتقول له : أنت مبتدع، في دعوتك بيِّن له،لكن إذا سئلت: اليهودي كافر؟
تقول : نعم ،يقول لك : هذا اليهودي كافر؟
تقول : نعم. لكن لما تدعوه أنت تقول له هذا الكلام ؟ لا . اهـ .

العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله

***


يقول السّائل: هل يحقّ للمُسلم أن يُطلِق كلمة الكُفر أو التّبديع على كلّ من أقدم على ارتكاب مُكفّر أو بدعة؟

الجواب:
التّسرّع في الحُكم على النّاس وإطلاق الكُفر عليهم وإطلاق التبديع والبدعة هذا لا يجوز إلاّ لأهل العلم الذين يعرفون حدود الكفر ويعرفون حدود البدعة وحدود الرّدّة وله أسباب يعرفها أهل العلم، هذا من اختصاص أهل العلم، فلا يجوز لأيّ واحد أنه يحكم على الآخر بالبدعة أو بالكفر أو بالشّرك وهو لا يدري ولا يعرف ضوابط التّكفير وضوابط التّبديع وضوابط الفسق، يصون الإنسان لسانه لأنه ربّما يقول لبريء إنّه كافر أو إنّه مبتدع أو إنّه ضال أو فاسق والنّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقول:من قال لأخيه يا كافر يا فاسق وهو ليس كذلك فإنّ كلامه يرجع عليه -كلامه يرجع عليه- والعياذ بالله، فعلى الإنسان أنّه يحفظ لسانه ولا يُطلقه في هذه الأمور هذه خطيرة تحتاج إلى أنّ الإنسان يتعلّم ويعرف ضوابط التّكفير وضوابط التّبديع وضوابط التّفسيق ولا يتكلّم عن جهل أو عن عاطفة أو عن حماس أو عن غيرة فقد يقع في الخطأ ويرجع عليه كلامه، المسألة خطيرة جدًّا، وهذا الكلام الذي تقوله من تكفير الناس أو تبديعهم أو تفسيقهم لا يذهب سُدى؛ إن كانوا مُستحقِّين ذهب إليهم وإن لم يكونوا مُستحِقِّين رجع عليك، عليك أن تحفظ لسانك من هذه الأمور؛ نعم.اهـ

 العلامة صالح الفوزان حفظه الله