قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

هل تريد أن تخشع في صلاتك ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله

الحمد لله رب العالمين ،و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين، وبعد....

إلى كل من أراد أن يخشع في صلاته هذه معاني الأذكار الواردة في الصلاة من التكبير إلى التسليم .أسأل الله التوفيق.

 

تعريف الخشوع

قال ابن رجب رحمه الله : «أصل الخشوع لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته. فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء، لأنها تابعة له».

الخشوع: لابن رجب (ص17)

حكم الخشوع في الصلاة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:فقد قال الله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} [البقرة: 45] [البقرة] .

وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين، كقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} [البقرة: 143] [البقرة: 143] ، وقوله تعالى: {كبر على المشركين ما تدعوهم إليه} [الشورى: 13] [الشورى: 13] .

فقد دل كتاب الله عز وجل على من كبر عليه ما يحبه الله، [فأنه] مذموم بذلك في الدين مسخوط منه ذلك، والذم أو السخط لا يكون إلا لترك واجب أو فعل محرم، وإذا كان غير الخاشعين مذمومين دل ذلك على وجوب الخشوع.

فمن المعلوم أن الخشوع المذكور في قوله تعالى: {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} [البقرة: 45] لا بد أن يتضمن الخشوع في الصلاة؛ فإنه لو كان المراد الخشوع خارج الصلاة لفسد المعنى؛ إذ لو قيل: إن الصلاة لكبيرة إلا على من خشع خارجها ولم يخشع فيها كان ويدل على وجوب الخشوع فيها أيضا قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون - الذين هم في صلاتهم خاشعون - والذين هم عن اللغو معرضون - والذين هم للزكاة فاعلون - والذين هم لفروجهم حافظون - إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين - فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون - والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون - والذين هم على صلواتهم يحافظون - أولئك هم الوارثون - الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} [المؤمنون: 1 - 11] [المؤمنون] .

أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة، وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم، وقد دل هذا على وجوب هذه الخصال؛ إذ لو كان فيها ما هو مستحب لكانت جنة الفردوس تورث بدونها؛ لأن الجنة تنال بفعل الواجبات دون المستحبات؛ ولهذا لم يذكر في هذه الخصال إلا ما هو واجب، وإذا كان الخشوع في الصلاة واجبا فالخشوع يتضمن السكينة والتواضع جميعا.

ومنه حديث عمر رضي الله عنه: حيث رأى رجلا يعبث في صلاته فقال: " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " أي لسكنت وخضعت، وقال تعالى: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} [فصلت: 39] [فصلت: 39] فأخبر أنها بعد الخشوع تهتز، والاهتزاز حركة، وتربو، والربو: الارتفاع.

فعلم أن الخشوع فيه سكون وانخفاض؛ ولهذا «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حال ركوعه: " اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت.

القواعد النورانية(1/73)

محل الخشوع

قال ابن القيم رحمه الله:وأجمع العارفون على أن الخشوع محله القلب، وثمرته على الجوارح، وهي تظهره، «ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» «قال النبي صلى الله عليه وسلم التقوى هاهنا وأشار إلى صدره ثلاث مرات» وقال بعض العارفين: حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن، ورأى بعضهم رجلا خاشع المنكبين والبدن، فقال: يا فلان، الخشوع هاهنا، وأشار إلى صدره، لا هاهنا، وأشار إلى منكبيه.

وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم وهو حذيفة، يقول: إياكم وخشوع النفاق، فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع، ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا طأطأ رقبته في الصلاة، فقال: يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرقاب، إنما الخشوع في القلوب، ورأت عائشة رضي الله عنها شبابا يمشون ويتمارون في مشيتهم، فقالت لأصحابها: من هؤلاء؟ فقالوا: نساك، فقالت: كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، وكان هو الناسك حقا، وقال الفضيل بن عياض: كان يكره أن يري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه، وقال حذيفة رضي الله عنه: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورب مصل لا خير فيه، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم خاشعا، وقال سهل: من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان.

مدارج السالكين(1/517)

فضل الخشوع وثمرته

عن عثمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله».

رواه مسلم (228)

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وفي حديث بكر، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟» قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا».

رواه مسلم(667)

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصلاة الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارة لما بينهن، ما لم تغش الكبائر».

رواه مسلم(233)

تكبيرة الإحرام (الله أكبر)

عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «يستفتح الصلاة بالتكبير.

رواه مسلم(498)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:التكبير يراد به أن يكون عند العبد أكبر من كل شيء؛ كما قال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: {يا عدي ما يفرك؟ أيفرك أن يقال: لا إله إلا الله؟ فهل تعلم من إله إلا الله؟ يا عدي ما يفرك؟ أيفرك أن يقال: الله أكبر؟ فهل من شيء أكبر من الله؟} وهذا يبطل قول من جعل أكبر بمعنى كبير.

مجموع الفتاوى (5/239)

قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله:والله أكبر :تعظيم لله عز وجل، وأنه أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء، وكل شيء ضئيل أمام عظمته وكبريائه سبحانه وتعالى.

شرح سنن أبي داود(575/3)

أدعية الإستفتاح

 

صلاة الفريضة

عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة - قال أحسبه قال: هنية - فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: " أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد

رواه البخاري(744)

قال الصنعاني رحمه الله:قوله(اللهم باعد بيني وبين خطاياي) المباعدة: المراد بها محو ما حصل منها، أو العصمة عما يأتي منها (كما باعدت بين المشرق والمغرب) فكما لا يجتمع المشرق والمغرب لا يجتمع هو وخطاياه «اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» بفتح الدال المهملة والنون فسين مهملة؛ في القاموس أنه الوسخ، والمراد أزل عني الخطايا بهذه الإزالة «اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد» بالتحريك، جمع بردة قال الخطابي: ذكر الثلج والبرد تأكيد، أو لأنهما ماءان لم تستعملهما الأيدي؛ وقال ابن دقيق العيد: عبر بذلك عن غاية المحو، فإن الثوب الذي تكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء، وفيه أقوال أخر متفق عليه.

سبل السلام(1/246)

قال الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله :وفي هذا الإستفتاح سؤال لله تبارك وتعالى أن يباعد بين العبد وبين خطاياه وهي الذنوب كما باعد بين المشرق والمغرب ،وذلك بمحو الذنوب وعدم المؤاخذة عليها والتوفيق للبعد عنها ،وأن ينقيه من خطاياه أي:ينظفه كما ينظف الثوب الأبيض من الدنس بحيث لا يبقى فيه أي أثروأن يغسله من خطاياه بالثلج والماء والبرد وفي هذا إشارة إلى شدة حاجة القلب والبدن إلى مايطهرهما ويبردهما ويقويهما .

فقه الأدعية والأذكار(3/131-132)

صلاة النافة

عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر، ثم يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك» ، ثم يقول: «لا إله إلا الله» ثلاثا، ثم يقول: «الله أكبر كبيرا» ثلاثا، «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه، ونفثه» ، ثم يقرأ.

رواه أبو داود (775)وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود(775)

قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله:قوله: (سبحانك -اللهم- وبحمدك) تنزيه لله عز وجل وتعظيم له؛ لأن التسبيح هو تنزيه، والحمد هو ثناء.

ثم بعد ذلك قال: (وتبارك اسمك) و (تبارك) لا تأتي إلا مضافة إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يطلق على غيره هذا اللفظ، ولا يقال لمخلوق: تبارك.

ولا يقال: تعالى.

ولا يقال: سبحان فلان.

لأن هذه الألفاظ الثلاثة كلها من خصائص الله، ولا تقال إلا لله سبحانه وتعالى.

قوله: (وتعالى جدك) الجد هو العظمة، ومنه قول الله عز وجل فيما حكاه عن الجن: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن:3] فالجد هنا العظمة، فيأتي الجد بمعنى العظمة كما هنا، وكما في الآية، ويأتي الجد بمعنى الحظ والنصيب، ومنه قول الشاعر: الجد بالجد والحرمان بالكسل.

يعني: الحظ والنصيب إنما يكون بالجد والاجتهاد، والحرمان الذي هو مقابل الحظ ومقابل الجد يكون بالكسل.

ويأتي بمعنى أبي الأب وأبي الأم، فيقال له: جد.

فلفظ الجد يأتي ويراد به العظمة، ويأتي ويراد به الجد الذي هو الأب الثاني، سواءٌ من جهة الأب أو الأم، ويأتي بمعنى الحظ والنصيب، ومنه الحديث: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) يعني: لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك، وإنما ينفعه العمل الصالح.

وقوله: [(تبارك اسمك)] يعني: كثرت بركته وخيره.

شرح سنن أبي داود(101/22)

وقال أيضا حفظه الله :إشتمل هذا الإستفتاح العظيم على أنواع التوحيد الثلاثة ،توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات.

فقه الأدعية والأذكار(ج3/132)

صلاة قيام الليل

عن عبد الرحمن بن عوف، قال: سألت عائشة بأي شيءكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل يفتتح صلاته «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك أنت تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».

رواه مسلم(767)

قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله:وهذا توسل إلى الله عز وجل بربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل، وهم من أشراف الملائكة، وقيل: إنه ذكر هؤلاء الثلاثة وتوسل إلى الله عز وجل بربوبيته لهم لأن جبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأبدان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به الحياة بعد الموت والبعث بعد الموت، ثم بعد ذكر ربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل أثنى على الله عز وجل بما هو أهله فقال: [(فاطر السموات والأرض)]. يعني: فاطرهما وموجدهما.

وقوله: [(عالم الغيب والشهادة)] يعني: يعلم ما غاب وما خفي، ما كان علانيةً وما كان سراً وخفياً، كما قال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7].

قوله: [(أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون)]. يعني: أنت المرجع في الحكم، لا حكم إلا حكمك.

والله عز وجل والله عز وجل يقول: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10]، ويقول عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:59].

ثم بعد ذلك وصل إلى الغاية وهي السؤال؛ لأن هذا كله تمهيد وكله توطئة وكله تقديم بين يدي السؤال، وهو قوله: [(اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)] فما قبل هذا الدعاء وهذا الطلب من الله عز وجل كله تمهيد وثناء على الله عز وجل، وذلك بين يدي هذا الدعاء الذي هو الهداية لما اختلف فيه من الحق، بأن يوفق للصواب، ويوفق للحق في الذي اختلف فيه.

شرح سنن أبي داود(101/5)

الإستعاذة من الشيطان الرجيم

عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر، ثم يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك» ، ثم يقول: «لا إله إلا الله» ثلاثا، ثم يقول: «الله أكبر كبيرا» ثلاثا، «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه، ونفثه» ، ثم يقرأ.

رواه أبو داود (775)وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود(775)

قال ابن كثير رحمه الله:ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أي: أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة، قوله في الأعراف: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199] ، فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر، ثم قال: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} [الأعراف: 200] ، وقال تعالى في سورة " قد أفلح المؤمنون ": {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون} [المؤمنون: 96 -98] ، وقال تعالى في سورة " حم السجدة ": {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} [فصلت: 34 -36] .

والشيطان في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد بفسقه عن كل خير، وقيل: مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار، ومنهم من يقول: كلاهما صحيح في المعنى، ولكن الأول أصح، وعليه يدل كلام العرب؛ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان، عليه السلام:

أيما شاطن عصاه عكاه ... ثم يلقى في السجن والأغلال

فقال: أيما شاطن، ولم يقل: أيما شائط.

وقال النابغة الذبياني -وهو: زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذبيان-:

نأت بسعاد عنك نوى شطون ... فبانت والفؤاد بها رهين

يقول: بعدت بها طريق بعيدة.

[وقال سيبويه: العرب تقول: تشيطن فلان إذا فعل فعل الشيطان ولو كان من شاط لقالوا: تشيط] . والشيطان مشتق من البعد على الصحيح؛ ولهذا يسمون كل ما تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانا، قال الله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} [الأنعام: 112] . وفي مسند الإمام أحمد، عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر، تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن "، فقلت: أو للإنس شياطين؟ قال: " نعم " . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر -أيضا-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود ". فقلت: يا رسول الله، ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر فقال: " الكلب الأسود شيطان " . وقال ابن وهب: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ركب برذونا، فجعل يتبختر به، فجعل لا يضربه فلا يزداد إلا تبخترا، فنزل عنه، وقال: ما حملتموني إلا على شيطان، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي. إسناده صحيح.

والرجيم: فعيل بمعنى مفعول، أي: أنه مرجوم مطرود عن الخير كله، كما قال تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين} [الملك: 5] ، وقال تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب} [الصافات: 6 -10] ، وقال تعالى: {ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين * وحفظناها من كل شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين} [الحجر: 16 -18] ، إلى غير ذلك من الآيات. [وقيل: رجيم بمعنى راجم؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس والربائث والأول أشهر].

تفسيرابن كثير(1/115)

سورة الفاتحة

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثا غير تمام، فقيل لـ أبي هريرة: إنا نكون خلف الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة:2]، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} [الفاتحة:3]، قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: {مالك يوم الدين} [الفاتحة:4] قال الله: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة:6 - 7] قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).

رواه مسلم(395)

قال فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي رحمه الله:{بِسْمِ اللَّهِ} أي: أبتدئ بكل اسم لله تعالى، لأن لفظ {اسم} مفرد مضاف، فيعم جميع الأسماء [الحسنى] . {اللَّهِ} هو المألوه المعبود، المستحق لإفراده بالعبادة، لما اتصف به من صفات الألوهية وهي صفات الكمال. {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها.

واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها، الإيمان بأسماء الله وصفاته، وأحكام الصفات.

فيؤمنون مثلا بأنه رحمن رحيم، ذو الرحمة التي اتصف بها، المتعلقة بالمرحوم. فالنعم كلها، أثر من آثار رحمته، وهكذا في سائر الأسماء. يقال في العليم: إنه عليم ذو علم، يعلم [به] كل شيء، قدير، ذو قدرة يقدر على كل شيء.

{الْحَمْدُ لِلَّهِ} [هو] الثناء على الله بصفات الكمال، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل، فله الحمد الكامل، بجميع الوجوه. {رَبِّ الْعَالَمِينَ} الرب، هو المربي جميع العالمين -وهم من سوى الله- بخلقه إياهم، وإعداده لهم الآلات، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة، التي لو فقدوها، لم يمكن لهم البقاء. فما بهم من نعمة، فمنه تعالى.

وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة.

فالعامة: هي خلقه للمخلوقين، ورزقهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم، التي فيها بقاؤهم في الدنيا.

والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربيهم بالإيمان، ويوفقهم له، ويكمله لهم، ويدفع عنهم الصوارف، والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة عن كل شر. ولعل هذا [المعنى] هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب. فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.

فدل قوله {رَبِّ الْعَالَمِينَ} على انفراده بالخلق والتدبير، والنعم، وكمال غناه، وتمام فقر العالمين إليه، بكل وجه واعتبار.

{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} المالك: هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى، ويثيب ويعاقب، ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات، وأضاف الملك ليوم الدين، وهو يوم القيامة، يوم يدان الناس فيه بأعمالهم، خيرها وشرها، لأن في ذلك اليوم، يظهر للخلق تمام الظهور، كمال ملكه وعدله وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق. حتى [إنه] يستوي في ذلك اليوم، الملوك والرعايا والعبيد والأحرار.

كلهم مذعنون لعظمته، خاضعون لعزته، منتظرون لمجازاته، راجون ثوابه، خائفون من عقابه، فلذلك خصه بالذكر، وإلا فهو المالك ليوم الدين ولغيره من الأيام.

وقوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي: نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة، لأن تقديم المعمول يفيد الحصر، وهو إثبات الحكم للمذكور، ونفيه عما عداه. فكأنه يقول: نعبدك، ولا نعبد غيرك، ونستعين بك، ولا نستعين بغيرك.

وقدم العبادة على الاستعانة، من باب تقديم العام على الخاص، واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده.

و {العبادة} اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة. و {الاستعانة} هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك.

والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما. وإنما تكون العبادة عبادة، إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودا بها وجه الله. فبهذين الأمرين تكون عبادة، وذكر {الاستعانة} بعد {العبادة} مع دخولها فيها، لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى. فإنه إن لم يعنه الله، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، واجتناب النواهي.

ثم قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: دلنا وأرشدنا، ووفقنا للصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله، وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به، فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط. فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط، تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا. فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته، لضرورته إلى ذلك.

وهذا الصراط المستقيم هو: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. {غَيْرِ} صراط {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم. وغير صراط {الضَّالِّينَ} الذين تركوا الحق على جهل وضلال، كالنصارى ونحوهم.

فهذه السورة على إيجازها، قد احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن، فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية يؤخذ من قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

وتوحيد الإلهية وهو إفراد الله بالعبادة، يؤخذ من لفظ: {اللَّهِ} ومن قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وتوحيد الأسماء والصفات، وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى، التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه، وقد دل على ذلك لفظ {الْحَمْدُ} كما تقدم. وتضمنت إثبات النبوة في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة.

وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وأن الجزاء يكون بالعدل، لأن الدين معناه الجزاء بالعدل.

وتضمنت إثبات القدر، وأن العبد فاعل حقيقة، خلافا للقدرية والجبرية. بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع [والضلال] في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} لأنه معرفة الحق والعمل به. وكل مبتدع [وضال] فهو مخالف لذلك.

وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى، عبادة واستعانة في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فالحمد لله رب العالمين. .

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان(1/40)

معنى آمين

عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.

رواه البخاري(782)

عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ما حسدتكم اليهود على شيء، ما حسدتكم على السلام والتأمين».

رواه ابن ماجة(856)وصححه الألباني في صحيح الترغيب (515)

قال الشيخ محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله:التأمين هو قول :(آمين)،ومعناه في اللغة:اللهم استجب وقيل معناه سبحانك يألله.

شرح صفة الصلاة للألباني(188)

أذكار الركوع

1_عن حذيفة، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع، فجعل يقول: «سبحان ربي العظيم» ، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: «سمع الله لمن حمده» ، ثم قام طويلا قريبا مما ركع، ثم سجد، فقال: «سبحان ربي الأعلى» ، فكان سجوده قريبا من قيامه. قال: وفي حديث جرير من الزيادة، فقال: «سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد».

رواه مسلم(772)

قال ابن القيم رحمه الله:وأفضل أذكار الصلاة ذكر القيام وأحسن هيئة المصلي هيئة القيام, فخصت بالحمد والثناء والمجد وتلاوة كلام الرب جل جلاله, ولهذا نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود؛ لأنهما حالتا ذل وخضوع وتضامن وانخفاض, ولهذا شرع فيهما من الذكر ما يناسب هيئتهما فشرع للراكع أن يذكر عظمة ربه في حال انخفاضه هو وتطامنه وخضوعه, وأنه سبحانه يوصف بوصف عظمته عما يضاد كبرياءه وجلاله وعظمته فأفضل ما يقول الراكع على الاطلاق: سبحان ربي العظيم, فإن الله سبحانه أمر العباد بذلك وعين المبلغ عنه السفير بينه وبين عباده هذا المحل لهذا الذكر لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} , قال: "اجعلوها في ركوعكم". الصلاة وأحكامها(1/145)

2_ عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، أن عائشة نبأته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «في ركوعه وسجوده سبوح قدوس، رب الملائكة والروح».

رواه مسلم (487)

قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله:فهذا كله ذكر لله عز وجل، وتنزيه وتقديس له، وثناء عليه وتمجيد له.

قوله: [(رب الملائكة والروح)] الروح هو جبريل كما قال الله عز وجل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء:193] وإنما عطفه على الملائكة من باب عطف الخاص على العام، ومنه قوله عز وجل: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} [القدر:4] فيكون جبريل ذكر مرتين للاهتمام به وللتنويه بشأنه، مرة ذُكر مع غيره؛ لأنه واحد من الملائكة، ومرة ذُكر بالتنصيص، وذكر في سورة القدر: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} [القدر:4] وهو أيضاً من باب عطف الخاص على العام؛ اهتماماً بالخاص وتنويهاً بقدره.

شرح سنن أبي داود(112/21)

3_ عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فقام فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة».

رواه أبو داود(873)وصححه الألباني في صحيح أبي داود(776)

قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله:قوله: (والملكوت) يعني: مالك الملك ومتصرف في الكون كيف يشاء.

قوله: (والجبروت) يعني: كونه الجبار، قهر كل شيء وغلبه.

قوله: (والعظمة) يعني: كونه ذا عظمة، ولهذا جاء في الركوع: سبحان ربي العظيم.

قوله: (والكبرياء) يعني: أن من صفاته سبحانه الكبرياء، وليس لأحد أن يتصف بهذه الصفة، فهذه من صفات الله سبحانه وتعالى التي اتصف بها.

شرح سنن أبي داود(112/23)

4_ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن ". رواه البخاري(794)

قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله:وجاء أنه كان يقول ذلك بعد ما أنزلت عليه سورة النصر، ما صلى صلاة إلا قال في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) أي: ينفذ ما أمر به في القرآن؛ لأن قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [النصر:3] تنفيذه: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، وقوله: (اللهم اغفر لي) تنفيذ لقوله: {وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر:3].

ولهذا يأتي التأويل بمعنى التنفيذ، وبمعنى حقيقة الشيء.

وهذا الحديث يدل على أن الركوع يجمع فيه بين الذكر والدعاء، وكذلك السجود، ولكن كون النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأما الركوع فعظموا الرب فيه، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) فينبغي أن يكون الغالب في السجود أدعية، وغالب ما يكون في الركوع أذكار وتعظيم وثناء لله سبحانه وتعالى.

وقوله: (يتأول القرآن)المقصود به سورة النصر وما فيها من أوامر الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بالتسبيح والاستغفار، والرسول صلى الله عليه وسلم كان ينفذ هذا، فهو ما صلى صلاة منذ أن أنزلت عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] إلا قال في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) وهذا هو معنى قول عائشة رضي الله عنها في الحديث الآخر: (كان خلقه القرآن) يعني: يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي، ويتأدب بالآداب الموجودة في القرآن، فخلقه مبني على القرآن وتابع للقرآن.

ومعنى قوله: [(يتأول القرآن)] فلفظ (القرآن) هنا المراد به إطلاق الكل وإرادة الجزء، يعني: يتأول ما جاء في القرآن من الأمر بالتسبيح والاستغفار.

شرح سنن أبي داود(113/11)

أذكار الرفع من الركوع

1_ عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا نصلي يوما وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة وقال: " سمع الله لمن حمده " قال رجل وراءه: ربنا لك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من المتكلم آنفا؟ " قال الرجل: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولا.

رواه البخاري(799)

قال الشيخ عبد الرزاق البدرحفظه الله:وقوله إذا رفع من الركوع (سمع الله لمن حمده)أي:استجاب الله لمن حمده فالسمع هنا سمع إجابة.

فقه الأدعية والأذكار(145)

2_ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه .

رواه البخاري (3228)

قال الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله:وفي لفظ :اللهم ربّنا ولك الحمد .بزيادة الواو .وهو في الصحيحين ،قال ابن القيم رحمه الله :ولايهمل أمر هذه الواو في قوله (ربنا ولك الحمد)،فإنه قد ندب الأمر بها في الصحيحين وهي تجعل الكلام في تقدير جملتين قائمتين بأنفسهما فإن قوله :(ربنا) متضمن في المعنى أنت الرب والملك القيوم الذي بيده أزمّة الأمور وإليه مرجعها ،فعطف على هذا المعنى المفهوم من قوله :(ربنا)قوله (ولك الحمد)فتضمن ذلك معنى قول الموحّد :له الملك وله الحمد .كتاب الصلاة (ص177)بتصرف يسير.

فقه الأدعية والأذكار(ج3ص146)

قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله:هذا الحديث دليل على أن المأموم يحمد ولا يسمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا قال فقولوا)]، فلو أن الإمام يسمع لقال: وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: سمع الله لمن حمده، لكنه ذكر أنه بعدما يقول هذا يقول بعده ربنا ولك الحمد.

وقوله: [(فإنه من وافق قوله قول الملائكة)] هذا يدل على أن الملائكة يقولون: (ربنا ولك الحمد)، إذاً: هو يقول: ربنا ولك الحمد ليكون بذلك موافقاً لقول الملائكة، فبعدما يقول: (سمع الله لمن حمده) يقول: (ربنا ولك الحمد)، وهذا مثلما جاء في التأمين: (إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين، فإنه من وافق تأمينه تأم