قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

البيان الرفيع في خطر [ تعـــــري النســــاء ]في الحفلات ولبسهن الخليع .

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فقد انتشر واشتُهر بين أوساط النساء اليوم وخاصة في الحفلات ـ وبالذات ( حفلات الزواجات وما يسمونها بالمِلْكَة ) ـ لِبس الملابس الخليعة والمتعرية بأنواع وأشكالٍ شتى ويسمون ذلك بـ ( الموضة ) من إظهارٍ للظهر والبطن والإبط والساقين وربما شي من الفخذين.
والله سبحانه وتعالى أمر المرأة المسلمة بالحشمة والستر والعفاف فقال تعالى: { .. وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ..}.
والمقصود من قوله ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) الزينة هنا: أي؛ مواضع الزينة، وليس النهي مقصود به الزينة نفسها كالخاتم والعقد والخل خال وغيرها مما تتزين بها المرأة عادة.
والزينة التي كانت في صدر الإسلام والتي أباح الله تعالى إظهار مواضعها لمن ذكر في الآية هي:
الخواتم والأساور في المعصم، والدُملُج كان يوضع في عضد المرأة، والطوق ـ العقد ـ، و الخلخال في أسفل الساق.

والمعنى: لا يبدين النساء المسلمات مواضع الزينة من أجسامهن إلا لهؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى في الآية من المحارم والنساء المسلمات لا غير.


فالسؤال للمرأة المسلمة التي تحب الحشمة والستر وتحب رضا ربها عز وجل هو:
هل من مواضع الزينة أن تكشف المرأة عن ظهرها وبطنها وشيء من صدرها وسيقانها و بعض أفخاذها ـ سواء بشق الفستان أو التنورة إما من الخلف أو من الجوانب ـ أو بلبس القصير الفاحش ؟
الجواب أتركه لكل مسلمة عاقلة .
ثم إن نزع المرأة اللباس عن كثير من بدنها؛ هو من نزغات الشيطان ومن فتنته التي فتن بها الأبوين ـ عليهما السلام ـ وقد حذرنا الله تعالى من فتنة الشيطان ووسوسته وإغوائه وبين سبحانه أنه عدو لنا مبين في موضع كثيرة من كتابه العزيز كقوله تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا }.
قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره: "يقول تعالى ذكره: يا بني آدم، لا يخدعنكم الشيطان فيبدي سوءاتكم للناس بطاعتكم إياه عند اختباره لكم، كما فعل بأبويكم آدم وحواء عند اختباره إياهما فأطاعاه وعصيا ربهما، فأخرجهما بما سبَّب لهما من مكره وخدعه، من الجنة، ونزع عنهما ما كان ألبسهما من اللباس، ليريهما سوءاتهما بكشف عورتهما، وإظهارها لأعينهما بعد أن كانت مستترةً".

وسؤالي الأخير للنساء اللآتي يفعلن ذلك:
ماذا تستفيدين أيتها المسلمة من كشفك لمفاتنك أما النساء ؟
لن أجيب، لأن التي تفعل ذلك هي التي تعرف الإجابة في داخلها وفي ضميرها.


ثم أُنبه لأمر يحصل وقد حصل بالفعل، وذلك أن كثيراً من النساء اللآتي يلبسن الخليع في الحفلات يتعرضن للعين ـ الحسد ـ التي تهلكها فالنظرة حتى من باب الإعجاب قد تضر وتهلك المنظور "المعيون" وهذه قصة حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه وكان يغتسل في ماء :
عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ:
" مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلاَ جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ.
فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِهِ فَأُتِىَ بِهِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ سَهْلاً صَرِيعًا.
قَالَ: ( مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ ).
قَالُوا: عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ.
قَالَ: (عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ ).
ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ، أَنْ يَكْفَأَ الإِنَاءَ مِنْ خَلْفِهِ".
ابن ماجه، وصححه الألباني.
قال ابن حجر في "الفتح": " الْإِصَابَة بِالْعَيْنِ قَدْ تَقْتُل، وَأَنَّ الْعَيْن تَكُون مَعَ الْإِعْجَاب وَلَوْ بِغَيْرِ حَسَد ".
وقد بين النبي ضرر العين وهلاكها بالشخص فقال صلى الله عليه وسلم:
( العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر ).
حسنه الألباني.
قال المناوي في "فيض القدير": " أي؛ تقتله فيدفن في القبر ".
وقال صلى الله عليه وسلم معظما أمر العين وضررها في أُمّتِه:
( أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله عز وجل وقضائه وقدره بالأنفس ـ يعني العين ـ ).
وحسنه ابن حجر والألباني.
قال النووي في "شرح مسلم" في حديث نحوه: " وَفِيهِ صِحَّة أَمْر الْعَيْن ؛ وَأَنَّهَا قَوِيَّة الضَّرَر ".
ثمّ بعد أن تصاب المرأة بالعين وتمرض ـ وذلك بسبب كشفها عن بدنها وتعريضه للحاسدات والمعجبات ـ تلجأ إلى الرُّقاة ليرقوها وتطلب الاستشفاء وهكذا تظل تسعى وتتنقل من راقٍ إلى راق.
لماذا كل هذا التعب ؟ وقد أرشدنا الله تعالى ورسوله بالوقاية بل أمرنا بها، وهي التستر والحشمة وعدم إظهار المفاتن أمام النساء.

كلمة أخيرة أهمسها في آذان الرجال ـ أولياء أمور النساء ـ فأقول:
اتقوا الله فيمن ولاكم الله أمرهن وارعوهم حق الرعاية، وليست الرعاية في تأمين المأكل والمشرب والملبس، بل ابعد من ذلك من تعلمهن العقيدة الصحيحة والآداب الإسلامية والحشمة والعفاف ومراقبتهن في الملبس وكيفيته وهيئته وشكله فلا يُتركن النساء هملا.
وأُذكركم يا معشر الرجال بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }.
وبقوله صلى الله عليه وسلم:
( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ).
متفق عليه.
والله اعلم.

كتبت هذا نصحاً للنساء عسى أن تبلغهن ويستجبن، والله المستعان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
الأربعاء 30/ 7 / 1433هـ.