قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

التوحيد بين الواقع والمأمول

التوحيد بين الواقع والمأمول

الشيخ محمد الفيفي

بسم الله الرحمن الرحيم



إِنَّ الحَمْدَ للهِ ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ-.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران : 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء : 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأَحزاب : 70-71].

أَمَّا بَعْدُ :

فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخير الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة.
و َبَعْدُ :
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون بنور الله أهل العمى ؛ فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم ضال تائه قد هدوه ؛ فما أحسن أثرهم على الناس ، وأقبح أثر الناس عليهم ؛ ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، الذين عقدوا ألوية البدعة ، وأطلقوا عقال الفتنة ، فهم مختلفون في الكتاب ؛ مخالفون للكتاب ؛ مجمعون على مفارقة الكتاب ؛ يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم ؛ يتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم ، فنعوذ بالله من فتن المضلين .

أيها الإخوة .. إن التوحيد لهو أمر وقضية من الأهمية بمكان ؛ يدل لهذا أمور :
أولاً : أنها القضية التي خلق الله الجن والإنس من أجلها ؛ فقال تبارك وتعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } .
إذن فالغاية العظمى والهدف الأسمى من خلق الجن والإنس هي قضية التوحيد ، وإفراد الله بالعبادة ، والخلوص من الشرك ؛ يدل لهذا أن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل ، وقال تبارك وتعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } .
وقال تبارك وتعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } .
والكلمة الأولى التي تدعوا بها الأنبياء أممهم { يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره } .

القضية التي نحن بصدد الكلام عنها هذه الليلة .. هي القضية التي قطعت من أجلها الرؤوس ؛ وأريقت من أجلها الدماء ، وأزهقت من أجلها الأرواح ، وبذل من أجلها الغالي والنفيس ،
من أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الله الكتب ،
من أجلها قامت القيامة وحقت الحاقة ووقعت الواقعة .
كلها من أجل لا إله إلا الله .
من أجل أن يوحد الله فلا يشرك به .
ومن أجل أن يطاع الله فلا يعصى .
ومن أجل أن يشكر الله فلا يكفر .
هي القضية التي هي حق الله على العبيد ؛ كما قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ : (( أتدري ما حق الله عل العباد ... ألا يشركوا به شيئاً )) .

إذا قضية هذه مواصفاتها .. لاشك أنها قضية عظيمة يجب أن تصرف الأعمار والأوقات والأموال في نصرة هذه القضية ، والدعوة إليها ، والذب عنها ، والحرص على كل ما من شأنه نصرة هذا الدين العظيم { وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } .

وما زالت الأجيال الإسلامية تتعاقب على حمل راية التوحيد ؛ جيلاً بعد جيل على مر العصور ؛ حتى بدأت الإنحرافات العقدية تطل برأسها على المسلمين ، تفسد التصورات ، تشوه المفاهيم ، تزعزع الثوابت ، تشكك في المسلمات ، فزلت في تلك المواطن أقدام ؛ وحارت في تلك المواضع أفهام ، وانحرفت عن الطريق جماعات ، وتنكبت عن الصراط فرق وأحزاب .

فتداعت على التوحيد والسنة أمم الكفر والشرك من خارجها ، وطوائف البدع والضلال والأهواء من داخلها ، وانتشر بين المسلمين الجهل بالتوحيد ، وضعف اليقين ؛ فنبتت بذور الضلالة والبدعة ، وارتفعت رايات الشرك في زوايا الأمة ، وأوقدت مصابيح القبور ، وصار التساهل في كثير من الأمور .

تزينت الأضرحة والمشاهد ، وعمت البلوى ، وكثرت المفاسد ، وراجت سوق السحرة ، وتسلطت على المسلمين البطلة ؛ لكن لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة ، لا يضرها من خذلها ، ولا من خالفها ؛ حتى تقوم الساعة .

إن المتأمل لحال الأمة اليوم وخصوصاً مع التوحيد ليرى العجب من خلط في المفاهيم ، وغبش في التصورات ، وجهل بالتوحيد ، وضعف في التوكل ، وتمييع للولاء والبراء ، واستغاثة بالأنبياء والأولياء ، ومن هذه الغبشات التي ابتليت بها الأمة :

جهل كثير من المسلمين اليوم بحقيقة التوحيد ؛ فزين لهم بعض العلماء ممن ينتسبون إلى هذه الأمة ، زينوا لهم أن التوحيد توحيداً آخر وهو غير ما جاء به محمداً صلى الله عليه وسلم ؛ فانطلت على كثير من الشعوب والأمم تلك المفاهيم ، وصدقوا بأن ذلك هو التوحيد الذي يريده الله منا !!

والجواب على ذلك : لا ؛ بل وألف لا .. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : (( فأن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر ؛ غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع فيقولون : هو واحد في ذاته لا قسيم له ، وواحد في صفاته لا شبيه له ، وواحد في أفعاله لا شريك له . أشهر هذه الأنواع الثلاثة عندهم : هو النوع الثالث وهو توحيد الأفعال .. توحيد الربوبية .. وأن خالق العالم واحد ، وهم يحتجون على ذلك بما يذكرونه من دلالة التمانع وغيرها ، ويضنون أن هذا هو التوحيد المطلوب ، وأن هذا هو المعنى لقولنا : لا إله إلا الله ؛ حتى جعلوا معنى الإلهية : القدرة على الاختراع ، ومعلوم أن المشركين لم يخالفوا هذا النوع من التوحيد ؛ بل كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء )) انتهى كلامه رحمه الله .

ووجه الغلط عندهم في هذا التوحيد – يعني توحيد المتكلمين - :

أولاً : إغفالهم توحيد العبادة ، وعدم اعتباره ، وهذا كاف لإبطال مذهبهم .

ثانياً : إدخالهم في التوحيد ما ليس منه ؛ حيث جعلوا نفي الصفات توحيداً ، وهذا مما لم ينزل به جبريل عليه السلام .

ثالثاً : اعتقادهم أن توحيد العبادة هو توحيد الربوبية ، وأن معنى لا إله إلا الله : أي لا خالق ولا رازق إلا الله ، وهذا ليس صحيحاً ولذلك انتشر فيهم الشرك ، لأنهم أغفلوا توحيد العبادة .

فمثلاً هذا السبكي قد صنف كتاباً سماه ( شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام ) والحمد لله قد انبرى له شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فرد عليه رداً كافياً وهذا التوحيد – يعني توحيد المتكلمين – هو الذي يدرس اليوم في كثير من بلاد المسلمين ؛ حتى عمت به البلوى ؛ بل إن بعض الكتاب المسلمين اليوم يفني وقته ويفني جهده ، ويشقي نفسه في تأليف كتاب أن الله هو الخالق الرازق والمدبر المحيي المميت ، ويزعم أن هذا هو التوحيد ، وهو معنى لا إله إلا الله .

وما علم هذا الجاهل أنه قد أتعب نفسه فيما أقرت به قريشٌ ، وأبو لهب ، وأبو جهل ، ولم ينكروه ؛ بل قال عنهم تبارك وتعالى : { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } .

وقد علم أن مثل هذا التوحيد لم يعصم دمائهم و أموالهم فقد قاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم .

قال الألباني – رحمه الله – في رسالة صغيرة الحجم عظيمة النفع وهي ( التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام ) قال فيها – رحمه الله - : (( أما غالب المسلمين اليوم الذين يشهدون بأن لا إله إلا الله فهم لا يفقهون معناها جيداً ؛ بل لعلهم يفهمون معناها فهماً معكوساً ومقلوباً تماماً )) إلى أن قال – رحمه الله - : (( إن واقع كثير من المسلمين اليوم شر مما كان عليه عامة العرب في الجاهلية الأولى من حيث سوء الفهم لمعنى هذه الكلمة الطيبة لأن المشركين العرب كانوا يفهمون ولكن لا يؤمنون ؛ أما غالب المسلمين اليوم فإنهم يقولون ما لا يعتقدون ؛ يقولون لا إله إلا الله ، ولا يؤمنون حقاً بمعناها )) انتهى كلامه رحمه الله .

وبين في موضع آخر الدلالة على عدم وضوح العقيدة الصحيحة عند بعض المسلمين اليوم حيث قال – رحمه الله - : (( إن كثيراًُ من المسلمين الموحدين حقاً والذين لا يوجهون عبادة من العبادات إلى غير الله عز وجل ذهنهم خال من كثير من الأفكار والعقائد الصحيحة التي جاء ذكرها في الكتاب والسنة ، وضرب لذلك مثلاً – رحمه الله – بحديث الجارية الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ؛ التي سأله النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : (( أين الله ؟ )) فقالت : في السماء .

(( أين الله ؟ )) فقالت : في السماء .

قال – رحمه الله – تعليقاً على هذا الحديث : (( فلو سألت اليوم كبار شيوخ الأزهر مثلاً : أين الله ؟ لقالوا لك : في كل مكان .
بينما الجارية أجابت بأنه في السماء ، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، ولذلك – والكلام موصول للعلامة الألباني – قال : ولذلك عرفت راعية الغنم العقيدة لأنها لم تتلوث بأي بيئة سيئة ؛ عرفت العقيدة الصحيحة التي جاءت في الكتاب والسنة ، وهو مالم يعرفه كثير ممن يدعي العلم بالكتاب والسنة ، واليوم أقول – يعني هذا الكلام أيضاً للألباني – أقول لا يوجد شيء من هذا البيان ، وهذا الوضوح بين المسلمين بحيث لو سألت لا أقول راعية غنم ، بل راعي أمة ، أو جماعة فإنه قد يحار في الجواب كما حار الكثيرون اليوم ، إلا من رحم الله وقليل ما هم )) انتهى كلامه رحمه الله .

هذا .. وقد ظهر أيضاً في الأزمنة الأخيرة من يفسر التوحيد بتفسير جديد ، وهو توحيد الحاكمية ، جعلوا معنى لا إله إلا الله أي لا حاكم إلا الله ، ولم ينظروا إلى تفسيرات السلف في هذه الشهادة العظيمة ، والتي جعلوها مقصورة على الحاكمية ، ونحن لا ننكر بأنه لا حاكم إلا الله ولكن الحاكمية قضية داخلة تحت التوحيد ، ولذلك لزم من تفسيرهم هذا وقصر التوحيد عليه أن يقولوا بوجوب محاربة شرك القصور ، وترك شرك القبور ؛ بل وصل إلى تسمية شرك القبور بالشرك البدائي ، والشرك الساذج ؛ فاشتغلوا عنه ، وأقحموا أنفسهم في شرك القصور وهو ما يسمونه اليوم بالشرك السياسي .

ولما سئل العلامة الفوزان – حفظه الله – عن معنى لا إله إلا الله ؟
أجاب قائلاً : (( فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن معنى لا إله إلا الله هو إفراد الله تعالى بالعبادة كلها لا بالحاكمية فقط ، فمعنى لا إله إلا الله أي : لا معبود بحق إلا الله ، وهو إخلاص العبادة لله وحده ، ويدخل فيها تحكيم الشريعة ، ومعنى لا إله إلا الله أعم من ذلك ، وأكثر وأهم من تحكيم الكتاب في أمور المنازعات ؛ أهم من ذلك هو إزالة الشرك من الأرض ، وإخلاص العبادة لله سبحانه ، فهو هذا التفسير الصحيح ، وأما تفسيرها بالحاكمية فتفسير قاصر لا يعطي معنى لا إله إلا الله ، وأما تفسريها بأنه لا خالق إلا الله هذا تفسير باطل ليس قاصر فقط )) انتهى كلامه رحمه الله .

والكلام يتواصل أيضاً عن الواقع المؤلم للتوحيد وعن تلك الطعنات والسهام التي توجه إلى ذلك الصرح الشامخ ؛ صرح التوحيد ، الذي تركنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبله ، وجدت كثير من الطعنات توجه سهامها وتصوب طلقاتها إلى ذلك الصرح بغية أن تهده إن استطاعت ، وإن لم تستطع فلا أقل من أن تضعف أركانه وتشل قواعده ، وتأتي على أسه ، فتنقضه نقضاً ، وعلى بنيانه فتدكه دكاً .

الكلام عن الغيب ..
والغيب من اختصاص الله سبحانه وتعالى { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون } .
لكن يوم أن تزعزعت هذه القاعدة في كثير من قلوب المسلمين اليوم انطلت عليهم ألاعيب السحرة ، ودجاجلة المشعوذين بألوانها ، منها ما يصدق ، ومنها مالا يصدق ؛ انطلت عليهم فأخذوها بجميع أنواعها ؛ بل وقعت في قلوبهم موقع الحقيقة فارتابوا وخافوا وترددوا ، وبنوا على ذلك خططاً وأجوبةً وأفعالاً كلها نتجت من التصور الفاسد الذي بنوا على ذلك الإدعاء لعلم الغيب فخرجت السحرة تنشر بين الناس تلك الكذبات ، وتلك الوقائع ، وتلك الأحداث فصدقها كثير من المسلمين اليوم .. وإنا لله وإنا إليه راجعون .

انتشرت أسواقهم ، وكثرت بضاعتهم وكثر زبائنهم فأصبحوا يترددون عليهم الصباح والمساء ، والليل والنهار يبحثون عن علاج لأمراض موهومة ، وأوجاع مزعومة فأخذوا منهم قليلاً من التمائم والأفعال ، والتي نفثوا فيها سمومهم قبل أن ينفثوا فيها قرأتهم ، فراجت وصدقها كثير من المسلمين ، وانطلت عليهم تلك الحيل ، بل وانطبقت عليهم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .

كما قال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم : (( من أتى عرافاً أو كاهناً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً )) وفي الحديث الآخر عند أحمد وغيره : (( من أتى عرافاً أو كاهناً فسأله فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد )) .

وكثرة تردد الناس على هؤلاء السحرة إن دل على شيء فإنه يدل على ضعف اليقين ، وقلة التوكل ، وقلة الإيمان ، وإلى الله المشتكى .

ظهرت عندنا نماذج وألوان وأشكال عديدة من خطط السحرة حتى أنهم لن يقتصروا على أن يطرق المريض بابهم ؛ بل تطور الأمر حتى أصبحوا يستضيفون السحرة في تلك القنوات الفضائية وعلى الهواء مباشرة ؛ يستضيفون ذلك الساحر الكافر ليجري لقاء على الهواء مع ملايين المسلمين الذين يشاهدون ذلك البرنامج فتنهال وتنكب مئات الألوف من الاتصالات على ذلك الساحر في ذلك البرنامج فيسألونه فيجيبهم فيصدقونه فينطبق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من أتى عرافاً أو كاهناً فسأله فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد )) .

ولا يلزم أن يذهب المريض إلى الساحر فيطرق بابه ؛ بل تطورت أنواع أساليبهم حتى أصبحوا هم يطرقون بيوتنا ، ويدخلون علينا من الأرض ومن الباب ، ومن السماء ، ومن كل حدب وصوب ، حتى ضاعت عقيدة كثير من أبناء المسلمين ، وطعنوا في توحيدهم على أبواب تلك البرامج وعلى أعتاب أولئك السحرة والمصيبة أن لسان حال تلك القنوات التي تستضيف ذلك الساحر ، لسان حالها يقول : عزيزي المشاهد أبق في بيتك فنحن على استعداد تام أن نخرجك من الإسلام على الهواء مباشرة ؛ لا داعي أن تتحرك من بيتك ؛ بل نضمن لك ألا تضع رأسك على وسادتك الليلة وقد مرقت من الدين كما يمرق اسهم من الرمية .

خذ مثالاً آخر .. تلك المجلات التي ابتلينا بها وعمت وطمت على بعض صفحاتها حظك مع النجوم ، وبرجك هذا الأسبوع .. هذه الصفحات أتدرون ماذا تعني ؟

تعني وجود السحرة في بيوت المسلمين .. وجود الكهنة .. وجود المشعوذين .. شئنا أم أبينا .. رضينا أم غضبنا .

ولذلك من وجدت هذه الصفحات في بيته فهذا يعني وجود السحرة في بيته ، وإطلاع أهله على ذلك يعني ذهابهم إلى أولئك السحرة وسؤالهم فإن المصيبة أننا نرى ونسمع من بعض المسلمين من يقرأ ما فيها ويصدق ما فيها فيندرج تحت كلام النبي صلى الله عليه وسلم – يعني – (( فقد كفر بما أنزل على محمد )) ؛ ولذلك يفتي بعض علمائنا بهذه الفتوى بأن من قرأها وصدقها فهو داخل تحت الحديث عياذاً بالله .

فالمسألة ليست من السهولة كما يظن بعض الناس ، وأنها من وسائل الترفية ، وأنه لا حرج أن تدخل على الأسر مثل هذه القضايا ، وسيأتي إن شاء الله الكلام على مثل هذه الشبه في نهاية هذه المحاضرة .

حتى ظهرت أيضاً سحر جديد وهو ما يسمى بسحر البهلوانات والتي نرى فيها أنواع من أولئك القوم الذين يضعون أسياخ طويلة في أفواههم يدخلونها إلى قعر بطونهم ثم يخرجونها وأحياناً يخرجون النيران ، وأحياناً يبتلعون الأمواس ، وأحياناً يفعلون ما يعجز عنه الإنسان العادي بحجة أنها رياضات بهلوانية ، ولا شك أن هذه هي من مشاهد ومجالس السحر والسحرة ، والمسلم مطالب بالإعراض عنها وجوباً لأنه قد يفتتن بشيء من تلك المشاهد وقد يقع في قلب تصديق شيء من تلك الأحوال التي يصطنعونها ، ويفعلونها أمام كثير من الناس وخلال كثير من البرامج والأفلام .

أما العلاج فضح أولئك القوم وكشف ألاعيبهم حتى لا تنطلي على كثير من السلمين هذه الترهات ، ولذلك ينبغي أن يعرف المسلم أحوال السحرة وأحوال المشعوذين ، وكيف يستخدمون في طريقة تعاملهم مع الناس ، وماهي الوسائل والكلمات التي يقولونها ويرددونها حتى نكون على علم ، لأن بعض المسلمين عندما يقال له : لماذا تذهب إلى ذلك الساحر ؟
يقول : والله ما علمت أنه ساحراً إلا يوم أن قلتم لي ذلك الكلام !

فكثير من الناس يغتر بأولئك القوم ويقحمه جهله في الوقوع تلك المصائب والترهات التي تقدح في دينه وعقيدته ، والعياذ بالله .

ثانياً : تبليغ السلطات وولاة الأمر ممثلة في الشرط والهيئات حتى يأخذوا على أيديهم ، ويستأصلوا جذورهم ، ويقطعوا عروقهم ، فلا تنبت لهم في الأمة نابتة ، وحتى تصبح الأمة أمة موحدة ، لا يدخل فيها شيء من هذه الاتكالات ، ومن هذه الخزعبلات التي ابتلينا بها والعياذ بالله .

أما السكوت عليهم .. فإنه ترويج لبضاعتهم ، وتكثير لأسواقهم ، وصرف للعباد عن عبادة خالقهم ، وصرف للعباد عن التوكل على الله سبحانه وتعالى .

ومازال الكلام حول تلك الطعنات التي يطعن بها التوحيد في هذه الأزمنة ، وفي أزمنة قديمة ، لكنها في هذه الأزمنة راجت وكثرت وانتشرت وتفشت فمن ذلك تلك القبور التي أصبحت عند بعض المسلمين اليوم أعظم من بيت الله ، ويحجها ويؤمها أكثر مما يحج بيت الله في كل عام ؛ ولا يخفى أن الغلو في القبور بشتى صوره وأنواعه في غالب البلاد الإسلامية ، وتلبس بهذه المظاهر الشركية وطرائقها كثير من الناس ، وصارت هذه القبور مزارات ومشاعر يقصدها الناس ويشدون إليها الرحال من سائر الأمصار ، وسدنة هذه الأضرحة وعلماء الضلالة يزينون الشرك للعامة يشتى أنواع الدعاوى والشبهات ، ويأكلون أموال الناس بالباطل ، ويصدون عن سبيل الله تعالى .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : (( ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء في بلاد الإسلام لا في الحجاز ولا اليمن ولا الشام ولا العراق ولا مصر ولا خرسان ولا المغرب ، ولم يكن قد أحدث مشهد لا على قير نبي ولا صاحب ولا أحد من أهل البيت ولا صالح أصلاً ؛ بل عامة هذه المشاهد محدثة بعد ذلك ، وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس وتفرقت الأمة وكثر فيهم الزنادقة الملبسون على المسلمين وفشت فيهم كلمة أهل البدع وذلك من دولة المقتدر في أواخر المائة الثالثة ؛ فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القداحية في أرض المغرب ثم جاءوا بعد ذلك إلى أرض مصر )) انتهى كلامه .

وقال في موضع آخر : (( فظهرت بدعة التشيع التي هي مفتاح باب الشرك ، ثم لما تمكنت الزنادقة أمروا ببناء المشاهد وتعطيل المساجد ، ووردوا في إنارة المشاهد وتعظيمها والدعاء عندها من الأكاذيب مالم أجد مثله فيما وقفت عليه من أكاذيب أهل الكتاب حتى صنف كبيرهم ابن النعمان كتاباً سماه ( مناسك حج المشاهد ) وكذبوا فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته أكاذيب بدلوا بها دينه ، وغيروا ملته ، وابتدعوا الشرك المنافي للتوحيد فصاروا جامعين بين الشرك والكذب )) انتهى كلامه رحمه الله .

وبهذا .. يتضح أن الذين بذروا بذور الشرك والقبور كانوا رافضة ، واليوم وجدت إحصائيات لكثرة هذه القبور ؛ حتى أن منها ما يشيب له مفارق الولدان .

فعلى سبيل المثال يوجد في بعض دول آسيا – في دولة واحدة – أكثر من أثني عشر ألف قبر يطاف ويعبد ويزار والعياذ بالله .

ووجد في أحد الدول العربية في أفريقيا أكثر من ستة آلاف قبر ؛ المشهور منها ما يزيد على ألف قبر .

وإذا كانت أمة هذا هو حال وعدد القبور في بلادها فكيف ترجو النصر من الله ، وكيف ترجو الفلاح والنجاح من الله سبحانه وتعالى وهي أصلاً لم تقر بعبادة الله سبحانه وتعالى ، ولم تفرده دون غيره ، وتخلص العبادة له سبحانه ؛ قال ابن القيم – رحمه الله – عن أولئك – عباد القبور – قال : (( فلو رأيت غلاة المتخذين لها عيداً ، وقد نزلوا عن الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد فوضعوا لها الجباه ، وقبلوا الأرض ، وكشفوا الرؤوس ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج ، وتباكوا ؛ حتى تسمع لهم النشيج ، ورأوا أنهم قد أربوا في الربح على الحجيج ، فاستغاثوا بمن لا يبدئ ولا يعيد ، ونادوا ولكن من مكان بعيد ، حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين ، ورأوا أنه قد أحرزوا من الأجر ولا أجر من صلى إلى القبلتين ، فتراهم حول القبر ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الميت ورضواناً ، وقد ملئوا أكفهم خيبة وخسراناً ، فلغير الله ما يراق هناك من العبرات ويرتفع من الأصوات ، ويطلب من الميت الحاجات ، ويسأل من تفريج الكربات ، وإغاثة اللهفات ، وإغناء ذوي الفاقات ، ومعافاة ذوي العاهات والبليات ، ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين تشبيهاً له بالبيت الحرام الذي جعله الله مباركاً وهدىً للعالمين ؛ ثم أخذوا في التقبيل والاستلام ؛ أرأيت الحجر الأسود وما يفعل به وفد البيت الحرام ؛ ثم عفروا لديه تلك الجباه والخدود ، التي يعلم الله أنها لم تعفر كذلك بين يديه في السجود .
ثم كملوا مناسك حج القبر بالتقصير هنالك والحلاق واستمتعوا بخلاقهم من ذلك الوثن إذ لم يكن لهم عند الله من خلاق ؛ وقد قربوا لذلك الوثن من القرابين ، وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين ، فلو رأيتهم يهنئ بعضهم بعضاً ويقول : أجزل الله لنا ولكم أجراً وافراً وحظاً .

فإن رجعوا سألهم غلاة المتخلفين أن يبيع أحدهم ثواب حجة القبر بحجة إلى البيت الحرام ، فيأبى ويقول : ولا بعشر حجج إلى البيت الحرام )) .

إن معالجة انحرافات القبوريين تكمن في ثلاثة مسالك :

الأول : المسلك العلمي : وهذا يقوم به العلماء ، وطلبة العلم ، فإن القبوريين يعولون في تلقيهم واستدلالاتهم على المنامات والأحاديث المكذوبة والحكايات المزعومة فيتعين عليكم طلبة العلم فساد وكشف عوار مسلك أولئك القبوريين ، وبيان تهافته ، وفساد التعويل على تلك المنامات والأحلام والأحاديث الموضوعة ، والحكايات المزعومة ، مع تقرير المنهج الصحيح في التلقي والاستدلال كالاعتماد على الكتاب والسنة الصحيحة ، واعتبار فهم السلف الصالح ونحو ذلك .

ثانياً : معالجة انحراف القبوريين في المسلك الدعوي : وذلك أن يعنى العلماء والدعاة بتقرير التوحيد في تلك المجتمعات المولعة بتعظيم القبور والغلو فيها ، وأن يجتهدوا في تجلية مفهوم التوحيد ، وضرورة تعلق القلب بالله سبحانه وتعالى .

وأيضاً أن تربى الأمة عموماً على أهمية التسليم لنصوص الكتاب والسنة ، والتحاكم إليهما ؛ ليس هذا وحسب ؛ بل وانشراح الصدر لذلك { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } .

ثالثاً : دعوتهم إلى التفكير والتأمل ومخاطبة عقولهم ، فإن الغلو في الأضرحة وتقديس القبور لا يظهر إلا عند أقوام ألغوا عقولهم ، وعطلوا تفكيرهم .

أما المسلك الثالث : فهو المسلك ألاحتسابي :
وذلك أن يسعى إلى هدم هذه القباب ، ونقضها وإزالتها ، كما في حديث أبي الهياج الأسدي الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث علي ابن أبي طالب يوم أن قال : (( ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ألا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته ، ولا صورة إلا طمستها ))، بالطبع هذا مشروط بالقدرة ، مع عدم ترتب الضرر ، وذلك كما فعل إمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – مع عثمان ابن معمر – رحم الله الجميع – عندما هدموا القباب وقطعوا الأشجار ، وكان الشيخ – رحمه الله – هو الذي هدم القبة التي كانت على قبر زيد بن الخطاب بيده ، وكذلك قطع شجرة الذئب ، وكذلك قام الشيخ حافظ الحكمي – رحمه الله – بهدم قبة في الساحل وبقايا قبة على قبر الشريف حمود المكرمي وذلك في مدينة صامطة ، وكذلك في عام ثلاثة وأربعين بعد ألف وثلاثمائة للهجرة قام أتباع الدعوة السلفية بهدم القباب والأبنية على القبور بمكة المكرمة مثل القبة المبنية على قبر أم المؤمنين خديجة – رضي الله عنها - .

ثانياً : أن يسعى إلى فضح وكشف مكائد أرباب القبور ، وسدنتها ، وبيان حقيقة هؤلاء الدجالين الملبسين وما هم عليه من الفجور ، وأكل أموال الناس بالباطل ، ولاشك أن لانتشار واستمرار القبور في العالم الإسلامي عوامل ، منها :

أولاً : العوامل الدينية :
ويرجع ذلك إلى الفراغ التوحيدي في نفوس القبوريين ، وكذلك ترويج مشايخ القبورية لشبهات ساقطة على أنها أدلة شرعية ، وحقائق دينية تسمح بهذه الطقوس ، وهم يعتقدون في القبور والأضرحة وأصحابها النفع والضر .

ثانياً : العوامل النفسية :
التي تعمل على انتشار تقديس القبور والأضرحة واستمرارها حيث يمثل الخوف منها الذي نتج أيضاً عن ذلك الاعتقاد وتلك الإشاعات ونسج الأكاذيب لعبت دوراً مهماً في بناء العامل النفسي ، فالصوفية مثلاً دأبوا على تحذير الناس من غضب الأولياء .

ومن العوامل : العوامل الاجتماعية :
والمجاملات لها دور مهم في الانتشار ، وكذلك صفة الهيبة ، والوجاهة الاجتماعية ، التي تصبغ وتجعل على أهل القبور والأضرحة من سدنتها ، وخدمها القائمين عليها ، وكذلك التفاخر بين أهل القرى والمدن بهذه القبور والأضرحة وخاصة إذا كان من ذوي الشهرة والمكانة ، فبعض القرى تفتخر أن قبر فلان بين جنباتها ، وفي أوساطها ، وكأنه شرف لم تحض قرية ولا مدينة بمثل هذا الشرف .

العوامل الاقتصادية :
هي المنافع المادية ، فمنذ القدم استعمل الرافضة القبور والأضرحة وسيلة للتكسب والعيش والقائمون عليها من المنتفعين ؛ كذلك الآلاف من الفقراء الذين يتعيشون بجوار الأضرحة ويستفيدون من الموالد .

ومن العوامل : العوامل السياسية :
وذلك من خلال المنافع التي تجلبها عليها لتلك الدول من وراء ذلك إضافة لضرب الاتجاهات الدينية المعارضة لهم ، وكذلك دعم بعض الدول الاستعمارية لهذه المظاهر الشركية ، والقبورية لما تعلم أنها سبب في ضعف الأمة ، وتمزيقها وتفريق كلمتها .

والكلام مازال مستمراً على تلك الطعنات في جناب ذلك التوحيد الشامخ العظيم .

فمن تلك الطعنات : أننا ابتلينا اليوم بكثرة في الجماعات وتعدد في الفرق والأحزاب لا تدعوا إلى التوحيد ولا تصحح العقيدة ، ولم يكن ذلك من همها وشأنها ؛ بل وصل الحال إلى تجاهل التوحيد ، والتحذير من الدعاة إليه ، وهذا من ضمن بعض الأمور والشبه التي ابتليت بها الأمة وسنفرد لها بحثاً مستقلاً في ختام هذه المحاضرة .

إن المتأمل اليوم لواقع بعض الدعوات اليوم الموجودة في الساحة ليرى ويدرك هذه الحقيقة وهي عدم الاهتمام بالتوحيد ؛ بل إننا إن أحسنا الظن بتلك الجماعات فهي تجعله قضية هامشية ومسألة ثانوية يتحدث حولها إن كان الوقت مناسباً ، ولم يتعارض مع قواعد جماعات أخرى حتى لا تحصل النفرة والفرقة – كما زعموا - .

فمن تلك الجماعات(( جماعة الإخوان المسلمين )) والتي اشتغلت وأشغلت الأمة عما خلقها الله من أجله وهو توحيده وإفراده بالعبادة والخلوص من الشرك فقد اشتغلت بما يسمى( شرك القصور ) و بـ( توحيد الحاكمية ) وكأن الأمة لم تخلق إلا لهذا الأمر ؛

ولهذا سئل العلامة ابن باز- رحمه الله وجعل الفردوس الأعلى مأواه – سئل عن هذه الجماعة في مجلة ( المجلة ) العدد السادس بعد الثمان مائة تأريخ الخامس والعشرين من شهر صفر لعام ستة عشر بعد الأربعمائة والألف في الصفحة الرابعة والعشرين منه : سئل سماحته : سماحة الشيخ حركة الإخوان المسلمين دخلت المملكة منذ فترة وأصبح لها نشاط واضح بين طلبة العلم ما رأيكم في هذه الحركة وما مدى موافقتها مع منهج السنة والجماعة ، أجاب الشيخ – رحمه الله - : (( حركة الإخوان المسلمين ينتقدها خواص أهل العلم ؛ لأنه ليس عندهم نشاط في الدعوة إلى توحيد الله و إنكار الشرك وإنكار البدع ، لهم أساليب خاصة ينقصها عدم النشاط في الدعوة إلى الله ، وعدم التوجيه إلى العقيدة الصحيحة التي عليها أهل السنة والجماعة .
فينبغي للإخوان المسلمين أن تكون عندهم عناية بالدعوة السلفية ، الدعوة إلى توحيد الله ، وإنكار عبادة القبور والتعلق بالأموات والاستغاثة بأهل القبور كالحسين أو الحسن أو البدوي ، أو ما أشبه ذلك ، يجب أن يكون عندهم عناية بهذا الأصل الأصيل ، بمعنى لا إله إلا الله ، التي هي أصل الدين ، وأول ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة دعا إلى توحيد الله ، إلى معنى لا إله إلا الله ، فكثير من أهل العلم ينتقدون على الإخوان المسلمين هذا الأمر ، أي : عدم النشاط في الدعوة إلى توحيد الله ، والإخلاص له ، وإنكار ما أحدثه الجهال من التعلق بالأموات والاستغاثة بهم ، والنذر لهم والذبح لهم ، الذي هو الشرك الأكبر ، وكذلك ينتقد عليهم عدم العناية بالسنة : تتبع السنة ، والعناية بالحديث الشريف ، وما كان عليه سلف الأمة في أحكامهم الشرعية ، وهناك أشياء كثيرة أسمع الكثير من الإخوان ينتقدونهم فيها ، ونسأل الله أن يوفقهم )) انتهى كلامه رحمه الله .

والمثال الآخر على الجماعات التي لا تهتم بالتوحيد علماً ولا دعوة هي : (( جماعة التبليغ )) والتي قد سئل عنها جمع من العلماء :

أولهم سماحة الشيخ العلامة ابن باز– رحمه الله – لما سئل عن هذه الجماعة وأثنى على الله وحمده قال : (( أما بعد .. فإن جماعة التبليغ ليس عندهم بصيرة في مسائل العقيدة ، فلا يجوز الخروج معهم إلا لمن لديه علم وبصيرة بالعقيدة الصحيحة التي عليها أهل السنة والجماعة حتى يرشدهم وينصحهم ويتعاون معهم على الخير )) انتهى كلامه رحمه الله .

ومن الفتاوى أيضاً التي ذكرها أهل العلم في هذه الجماعة :
فتوى العلامة بن إبراهيم – رحمه الله – مفتي هذه البلاد وعندما سئل عنهم أجاب : (( إن هذه الجمعية لا خير فيها ، فإنها جمعية بدعة وضلالة ، وبقراءة الكتيبات المرفقة بخطابهم وجدناها تشتمل على الضلال والبدعة والدعوة إلى عبادة القبور والشرك ، الأمر الذي لا يسع السكوت عنه ، ولذا فسنقوم إن شاء الله بالرد عليها بما يكشف ضلالها ، ويدفع باطلها ، ونسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته )) هذا كلام العلامة محمد بن إبراهيم –رحمه الله .

وأما العلامة عبد الرزاق عفيفي فلما سئل عنها قال : (( الواقع أنهم مبتدعة مخرفون ، وأصحاب طرق قادرية وغيرها وخروجهم ليس في سبيل الله ولكنه في سبيل إلياس الكاندهلوي ، وهم لا يدعون إلى الكتاب والسنة ولكن يدعون إلى إلياس شيخهم في بنغلاديش .
أما الخروج بقصد الدعوة إلى الله فهو خروج في سبيل الله ، وليبس هذا هو خروج جماعة التبليغ )) ثم قال رحمه الله : (( وأنا أعرف التبليغ من زمان قديم ، وهم المبتدعة في أي مكان كانوا هم في مصر وإسرائيل وأمريكا والسعودية ، وكلهم مرتبطون بشيخهم إلياس )) انتهى كلامه رحمه الله .

والفتاوى في هذا كثيرة ، وحرصاً على الوقت حتى لا نستأثر بما بقي من العناصر في هذه المحاضرة أكمل بما تبقى من هذه العناصر .

ابتلينا أيضاً في الآونة الأخيرة ممن يهدم صرح التوحيد ، ويقدح في أسه ويزعزع كيانه ممن ينتسبون إلى هذا الإسلام ، وممن يلبسون لبستنا ، ويتكلمون بلغتنا ، ومن بني جلدتنا ، وربما سموا بأسماء مفكرين إسلاميين ابتلينا بهم في الآونة الأخيرة منهم من يدعو إلى وحدة الأديان ، ومنهم من يدعو إلى التقارب مع الرافضة ، وأنا لا أدري كيف يراد من المسلم الذي يحب الله ويحب رسوله أن يجعل ويصهر دينه في بوتقة واحدة مع دين من يقول إن الله ثالث ثلاثة ، أم يجعل دينه مع دين من يقول إن الله فقير ونحن أغنياء ، أم يجعل دينه مع من يقول يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا .

أبعد هذا يراد من المسلم الذي آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً أن يجعل دينه مزيجاً وخليطاً مع هذه الأديان المحرفة والمنسوخة ؟!

أم كيف يراد من المسلم السني الذي يفتخر بإتباعه لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يتقارب مع الرافضة ؟

أيراد من أهل السنة أن يتقاربوا مع من يتهمون عائشة – رضي الله عنها – بالزنا ؟

أيراد من أهل السنة أن يتقاربوا مع من يلعنون أبا بكر وعمر وحفصة وعائشة ؟

أم كيف يراد من أهل السنة أن يتقاربوا مع من يزعم أن قرآننا محرف ومبدل ومنسوخ ؛ كيف يراد منا هذا ؟ بأي وجه نريد أن نشرب من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة !

يوم يذاد عنه أقوام .. ويقال إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك .. أتدري ماذا أحدثوا بعدك ..

أتريد أن تشرب من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت قد قربت من أتهم زوجته بالزنا ، وأنت قد أحببت من قد أبغض صحابته – رضوان الله عليهم أجمعين – والكلام في هذا يطول ولكن ننتقل إلى عنصر آخر .

التساهل في الولاء والبراء :
وتمييع هذه القضية وربما قصرها على الكفار !!! بينما للمبتدعة وأفراخ المبتدعة نصيب كبير في قضية الولاء والبراء كما قال ابن عمر في الأثر الموقوف عليه : (( من أحب في الله ، وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك )) وقال الإمام أحمد – رحمه الله – عندما سئل بعد أن رؤي إذا لقي نصرانياً في طريقه أطرق بصره إلى الأرض فقيل له : لماذا ؟
قال : أكره أن أنظر إلى وجه افترى على الله كذباً .

وما أكثر المسلمين اليوم الذين يلطخون أبصارهم في النظر إلى هؤلاء ولاشك ، أن ربما هذا والإكثار منه قد يورث التواطئ ومحبتهم وولائهم والعياذ بالله .

قال ابن عقيل– رحمه الله – كلاماً جميلاً وهو شيخ الحنابلة في زمانه قال : (( إذا أردت أن تعرف الإسلام في قلوب المسلمين فلا تغرنك كثرتهم في المساجد ، ولا ضجيجهم بالحج لبيك اللهم لبيك ؛ ولكن تعال و انظر إلى مواطئتهم أعداء الشريعة ، فهذا ابن الراوندي زنديق ملحد لما مات عكفوا على قبره واشتروا مصنفاته )) .

واقع التوحيد واقع مؤلم يتضح أيضاً من خلال تلك الشبه التي تثار وتحاك وتدبر بليل حول التوحيد للتقليل من شأنه واعتباره قضية هامشية .

من تك الشبه التي بدأنا نسمعها في الآونة الأخيرة(( الأمة لا تشغلونها بقضايا التوحيد ، والكلام عن التوحيد فالأمة مشغولة بمصارعة اليهود والنصارى والعلمانيين )) .

والرد على هذه الشبهة من عدة أوجه :

أولاً: حديث أبي واقد الليثي عند الترمذي بسند جيد قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا حدثاء عهد بكفر ، فلما مررنا بشجرة ذات أنواط قلنا : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط .

لو أن هذه القضية عرضت اليوم على بعض المفكرين الإسلاميين لقال : اسكت .. اسكت .. ثم إذا رجعنا من الحرب وانتصرنا نصلح العقائد ونصحح الأديان..
لا الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ولم تكن هذه نظرته التفت عليه الصلاة والسلام وعالج القضية في مهدها وعالج المرض قبل أن يستفحل ، فالتفت إليهم وقال : (( الله أكبر إنها السنن .. والله لقد قلتم كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة .. قال : إنكم قوم تجهلون )) فصلوات ربي وتسليماته على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .. كيف لا وهو القدوة والأسوة الذي يجب على الأمة وجوباً أن تقتدي به ، وأن تتأسى به ، ولا يجوز لواحد أن يتخلف عن ذلك الركب .

ومن الأجوبة:
فعل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – اشتغل بمصارعة الخوارج وحربهم وقتالهم مع أن الأمة كانت مشغولة بحرب فارس والروم ، ولم يثنيه ذلك عن تصحيح العقيدة في جيش الأمة حتى تصبح عقيدة واحدة تؤمن بالله وتعبد الله وتوحد الله وتتوكل على الله ولا تسأل إلا الله ولا تستعين إلا بالله ولا تستغيث إلا بالله ، تثبت لله أسمائه وصفاته ، ولا تنكر من ذلك شيئاً .

كيف يراد من هذا الجيش الذي يراد السكوت عليه كيف يراد منه النصر ويراد من الله أن ينصر جيشاً فيهم أكثر من الثلثين ينكرون استوائه على عرشه ، الله سبحانه وتعالى يقول : { خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش } يأتي من المسلمين ويؤولون هذه الصفات ويفسرونها بتفسيرات باطلة ، زعزعت التوحيد في قلوب الأمة ، وحركت الشبهات في أفئدة المسلمين حتى ذابت عقيدتهم ، وتبخرت تصوراتهم التي كانت عن الإسلام الصحيح بمثل هذه الشبه التي ابتلينا بها .

كيف يراد من الله أن ينصر جيشاً فيه من ينكر صفاته كالمعتزلة أو ينكر أسمائه وصفاته كالجهمية أو ينكر بعض صفاته كالأشاعرة التي ابتليت بهم الأمة والتي عامت المسلمين اليوم من هذه الفرقة نسأل الله أن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً .

الشبهة الأخرى: ( إن التوحيد يفرق بين الناس ) نسمعها ، ومن يكررها المصيبة أنه ممن ظاهره الخير والصلاح ، ليتها أتتنا من غيره لكان الأمر أهون لكن عندما تأتيك مثل هذه الشبهة ممن يظن به الخير والصلاح فأن المصيبة تكبر ، والخطب يعظم .

ولو أني بليت بهاشمي خؤولته عبد المداني
لهان علي ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني
وظلم ذوي القربى أشد على الفؤاد من الحسام المهندِ

نسمع اليوم من بعض الشباب من يقول إن التوحيد يفرق الناس .. عجيب !!
الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بهذا التوحيد ..

والجواب على هذه الشبهه من وجهين:

الأول : لا نسلم أن التوحيد يفرق بل إنه يجمع الأمة على اخوة الدين ، قال تعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً } .

أصبحت الأمة بالتوحيد إخواناً .. لا بالأموال ولا بالأراضي .. ولا بالعقارات ؛ بل قال الله سبحانه وتعالى لمحمد – صلى الله عليه وسلم - : { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم } .

ولن تأتلف هذه الأمة ولن تجتمع ولن يصلح حالها إلا بهذا التوحيد كما قال الإمام مالك – رحمه الله - : (( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها )) .

الجواب الثاني: سلمنا لكم أن التوحيد يفرق .. أتدرون يفرق بين ماذا ؟
يفرق بين الكفر والشرك .. يفرق بين الكفر والإيمان .. يفرق بين الشرك والتوحيد .. يفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان .

ونضيف وجهاً ثالثاً: فإن الملائكة – عليهم السلام – كانوا يتحدثون في السماء كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه ، ويقولون : ومحمد – يعني الرسول صلى الله عليه وسلم – ومحمد فرق بين الناس .

الشبهة الثالثة : ( أن التوحيد فهمناه ) التوحيد بسيط .. التوحيد يعلم فيه الناس في عشر دقائق .. تتعلم الأمة التوحيد في عشر دقائق .

والجواب : يرد عليهم الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في رسالته العظيمة ( كشف الشبهات ) قال – رحمه الله – بعد أن سرد حديث أبي واقد الليثي ، قال : (( ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العلم قد يقع في أنواع الشرك لكن لا يدري عنها ، فتفيد التعلم والتحرز ، ومعرفة أن قول الجاهل : التوحيد فهمناه ، أن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان)) .

الشبهة الرابعة: سمعنا من يقول((إلى متى وأنتم تدرسون الأصول الثلاثة ، والقواعد الأربع ، وكشف الشبهات )).

والجواب على هذا :
يا مسكين ! ما قامت هذه البلاد إلا على القواعد الأربع ، ولا قامت هذه البلاد إلا على الأصول الثلاثة ، وكتاب التوحيد ، وكشف الشبهات .. يا مسكين ما سمع شخيرك وغطيطك وهنأ نومك وطاب طعامك إلا بهذا التوحيد الذي قامت عليه هذه البلاد ولله الحمد ولله المنة.

أيضاً من هذه الشبه التي ابتلنا بها ويطعن بها قلب التوحيد :التقليل من أهمية كتب العقيدة.. التقليل من أهمية كتب العقيدة .. فقد جاء في كتاب ( منهج الأنبياء ) لمحمد بن سرور زين العابدين ، اسمع هذا الكلام قال : (( نظرت في كتب العقيدة فرأيت أنها كتبت في غير عصرنا ، وكانت حلولاً وقضايا لمشكلات العصر الذي كتبت فيه رغم أهميتها ورغم تشابه المشكلات أحياناً ولعصرنا مشكلاته التي تحتاج إلى حلول جديدة ومن ثم فأسلوب كتب العقيدة – اسمع هذه العبارة الخطيرة – ومن ثم فأسلوب كتب العقيدة فيه كثير من الجفاف لأنه نصوص وأحكام ولهذا أعرض عنه معظم الشباب عنها وزهدوا بها ))

اسمع كلام العلامة ابن باز – رحمه الله- وجعل الفردوس الأعلى مثواه عندما قرأ عليه هذه العبارة ، سئل عن هذه العبارة– رحمه الله – في محاضرة له بعنوان ( آفات اللسان ) ألقاها في مدينة الطائف في التاسع والعشرين من شهر ذي الحجة في العام الثالث عشر بعد الأربعمائة وألف للهجرة قال فيها : (( هذا غلط عظيم .. كتب العقيدة الصحيح أنها ليست جفاء قال الله قال الرسول فإذا كان يصف القرآن والسنة بأنها جفاء فهذه ردة عن الإسلام ؛ هذه عبارة سقيمة خبيثة )) انتهى كلامه رحمه الله .

وسئل أيضاً عن جواز بيعها من عدمه فأجاب – رحمه الله – قال : (( فلا يجوز بيعه ويجب تمزيقه )) .

وللعلامة الفوزان حفظه الله جوابٌ مطابق لهذا الجواب الذي أفتى به العلامة ابن باز رحمه الله .

من الشبه أيضاً : التقليل من أهمية علم الأسماء والصفات العلم العظيم الذي هو من أصول أهل السنة والجماعة ، قال محمد نوح في كتابه ( آفات على الطريق ) والذي قد امتلأ بالآفات الحقيقية قال في الجزء الثالث والرابع ص140 : (( من مظاهر التنطع والغلو في الدين إحياء الكلام في المسائل التي فرضتها ظروف معينة ثم انتهت بانتهاء هذه الظروف ، مثل الكلام في مسائل الصفات وخلق القرآن والخلاف الذي نجم بين الصحابة ونحو ذلك )) يقول إن هذا من مظاهر التنطع والغلو إحياء الكلام في مثل هذه المسائل .

الجواب على هذه الشبهة : صدق في جزء منها وهو أنه لا يجوز الكلام في أعراض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، وأنه يجب علينا السكوت عما شجر بينهم وعدم الكلام في ذلك ، ووجوب الترضي عليهم – رضوان الله عليهم أجمعين - .

أما المسألتين الاثنتين التي ألحقها بهذه الشبهة فلا ..
وأنظر بارك الله فيك كيف يلبس الباطل بالحق حتى ينطلي على كثير من المسلمين ، فيما سجن وجلد الإمام أحمد ؟ حتى تقيح ظهره صديداً وقيحاً ؟!

أليس من أجل الدفاع عن كتاب الله وعن صفات الله ؟ يوم أن فتن بالفتنة العظيمة وهي( القول بخلق القرآن ) فصبر فجازاه الله عما جزا دعاة عن أمتهم