قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

[سلسلة] [التخويف من الشرك وبيان أنواعة وصوره]2
بسم الله الرحمن الرحيم

[سلسلة] [2]
[ التخويف من الشرك وبيان أنواعة وصوره]
شرك الدعاء وقول بعضهم رحمك الله يا أبي

متى يكون الدعاء شركا أكبرا وللعمل محبطا
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الأمين
الذي بعثه الله رحمة للعالمين أما بعد
فإن ممايخفونا من الشرك ان العبد مهما جاء بالأعمال الصالحة من صيام وصلاة وقيام وبر وصلة فإنه لايغفر الله له مع الشرك شيئا حتى يتوب منه بل يحبط عمله ولايعبأ به بل ويخلده في ناره ويحرمه جنته أبدا سرمدا
قال تعالى : إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لم يشاء
وقال ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك
فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر الله أنه سبحانه يحبط عمله كله مع الشرك فكيف بغيره ممن هو دونه
قال تعالى إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وماللظالمين من أنصار
ومن أعظم أنواعه وأفظعها وأشدها إثما شرك الدعاء لأنه يقترن به انواعا أخرى من الشرك في الباطن كشرك الرجاء والتذلل والخضوع والمحبة
وهو أساس شرك كل مشرك في الأرض فكل من ساوى غير الله بالله فإنه يرجوه ويدعوه لقيام مصالحه الدينية والدنيوية
وضابط الدعاء الشركي الأكبر أنه نداء لغائب كجني أو ميت مقرون مع طلب فيطلب من غير الله شيء لايقدر عليه إلا الله ويقصد صفة في المطلوب كالعلم والسمع لايتصف بها إلا الله وكذا في الفعل
كقوله ياولي الله (للميت) اشفع لي عند الله كما قرره السهسواني في كتاب صيانة الانسان
فلو كان النداء غير مقرون بطلب كقول من مات عنه ابوه رحمك الله ياأبي وهو لايعتقد انه يسمعه بل كأنه حاضر يقولها شوقا ولشخصه مستحضرا فليس ذلك بشرك
وهذا كان معروفا عند العرب ينادون غائبا مستحضرين له كأن حاضر ولايقرنون نداءهم بطلب كما قال شيخ الاسلام رحمه الله
ويدل على أنه ليس بشرك قول النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد التحيات لله والصلوات والطيبات
السلام عليك أيها النبي
فهذا ظاهره أن خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بكاف الخطاب وهو غائب ميت في قبره وإن كان حيا حياة برزخية تليق به ولكنه لايسمع الدعاء وليس ذلك قطعا بشرك فإنه لم يقل يانبي الله اشفع لي فيقرن الخطاب والنداء بطلب
فان القرن بالطلب كقولهم اشفع لي ونحوه يدل على اعتقاد فاسد وهو أن له سمع كسمع الله وعلم كعلم الله فيدعوه على معنى الخضوع والتذلل والمساواة في صفة رب الأرض والسموات فيكون شركا أكبرا في الدعاء
فالدعاء عباده قال تعالى وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين
وروى الترمذي عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدعاء هو العبادة
فإذا كان عبادة فصرفه لغير الله شرك اكبر
وهو أعظم الذنوب عند الله يفإن المشرك بالله به يجعل لله ندا يدعوه مع كونه لم يخلقه إلا الله ولم يرزقه إلا الله ولم ينعم عليه بالصحة وسلامة الالآت إلا الله ولو أن الذباب سلبهم شيئا لايستنقذه منه إلا الله ولايستطيعون إلا ذلك سبيلا ضعف الطالب والمطلوب ماقدروا الله حق قدره
وقولهم في دعوة الأولياء كالبدوي وزينب والحسين ودعاء الرافضة لآل البيت ليس شركا بل توسل فإننا لاندعوهم لينزلوا المطر بل نعتقد أنه لايضر ولاينفع إلا الله فندعوهم ليشفعوا لنا فذنوبنا تقصر بدعائنا عن الاجابة فلابد من وسيلة وشفيع باطل
لأن هذا هو عين شرك كفار قريش تشابهت قلوبهم وقد بين الله الايات لقوم يعقلون الحق وبه يوقنون
حيث قالوا كما قال الله عنهم والذين اتخذوا من دون الله أولياء مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا
ومع ذلك حكم الله عليهم بالشرك فقال وإن أحد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله
وقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقبل اعترافهم أن الله الخالق الرازق المدبر ولم يدخلهم ذلك في الاسلام بل قاتلهم ليكون الدعاء كله لله والنذر كله لله والذبح كله لله
قال تعالى وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا
أي لادعاء عبادة كقولهم ياولي الله المدد أو اشفع لي عند الله ولادعاء عبادة كالثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم عند قبره اعتقادا أن يسمع الثناء عليه ويرفع بذلك الثناء حوائج العبد لله عياذا بالله
كما يفعل ربما العامة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيثون على النبي صلى الله عليه وسلم قائلين اشد أنك بلغت الرسال وأديت الأمانة ثناءا على النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع الثناء في الحاجة والطلب لرب الارض والسماء
فمن الدعاء ماهو بدعي وهو كالدعاء للنفس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم على اعتقاد أنه مكان مبارك الدعاء عنده مستجب فقد قال الامام مالك الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بدعة وفي رواية أكره الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم
لأن تخصيص تلك البقعة بالدعاء لم يثبت في أفضليته حديث صحيح أو أثر معتمد عن صحابي
ومن الدعاء ماهو شركي كما تقدم وليس في دعاء الميت شرك أصغر بل هو أكبر سواءا عند قبره أو بعيدا منه ومن فرق فعليه الدليل
فإن بعض الناس كتب أن دعاء صاحب القبر عند قبره بدعة وبعيدا عن قبره شرك وهو خطأ لأن الدعاء مطلقا عباده وصرفه لغير الله شرك وماجاء عن ابن تيمية في تسمية ذلك بدعة وهو من دعى الميت بقرب القبر فيعني البدعة الشركية المكفرة كما نقول التوسل بالميت تقربا لله بدعة ونعني بدعة شركية
قال تعالى إن تدعوهم لايسمعوا دعاءكم ولو سمعوا مااستجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبأك مثل خبير
ثم أن الميت لايسمع ودعاءه لاينفع كما أخبرت عائشة كما في صحيح البخاري عنها واستدلت بقوله تعالى إنك لاتسمع الموتى
وليس لها مخالف من الصحابة وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم لأهل قليب بدر من موتى المشركين هل وجدتم ماعدكم الله حقا فإني وجدت ماوعدني الله حقا
فذلك خاص بهم ولذلك قال قتادة راوي الحديث أحياهم الله إذلالا وتبكيتا وتحقيرا لهم وكذا كل موضع آخر جاء فيه مثل هذا مثل رد السلام من الميت لو ثبت وليس لأحد تعميم الخاص وقد دل الدليل على التخصيص والاستثناء والحمدلله رب العالمين
 
الشيخ ماهر بن ظافر القحطاني
 
 
منقول