قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

مسائل في المسح على الخفين

حكم المسح على الجوربين

في المسح على الجوربين في الوضوء خلاف بين الفقهاء فمنهم من منعه ومنهم من أجازه، والصحيح أنه جائز إذا لبسهما على طهارة وكانا ساترين للقدمين والكعبين لمدة يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر، إلى غير ذلك من شروط المسح التي دلت عليها الأحاديث الصحيحة، لما ثبت عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: سنن أبو داود الطهارة (159),مسند أحمد بن حنبل (4/252). توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الجوربين والنعلين رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي : حديث حسن صحيح، وقد عمل بذلك كثير من الصحابة.

قال أبو داود : ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم . وهو قول جماعة من أهل العلم.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

فتاوى اللجنة الدائمة رقم1946

شروط المسح على الخفين:

من نعمة الله وتيسيره في هذا الوضوء أنه إذا كان على الرجلين ما يسترهما من جوارب أو خفين وهما (الكنادر) فإن الإنسان يمسح عليهما؛ لكن في مدة محددة كما سيُبَيَّن وبشروط:

1 - أن يلبسهما على طهارة:

لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة لما أهوى لينزع خفيه، قال: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) فمسح عليهما. فإن لبسهما على غير طهارة لم يجز المسح، ولو نسي فمسح فإنه يلزمه إعادة الوضوء، وغسل الرجلين، وإعادة الصلاة؛ لأنه صلى على غير طهارة.

2 - أن يكون المسح في الحَدَث الأصغر لا في الأكبر:

ودليله حديث صفوان بن عسال ، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سَفْراً -يعني: مسافرين- ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة؛ ولكن من غائط، وبول، ونوم) فإذا حصل على الإنسان جنابة وعليه جوارب وَجَبَ عليه أن يخلعهما، وأن يغسل قدميه؛ وذلك لأن الطهارة الكبرى وهي الغسل من الجنابة ليس فيها مسح إلا إذا كانت هناك جبيرة، ولهذا لا يُمسح الرأس فيها، بل يجب أن يُغسل غسلاً تاماً.

3 - أن تكون الجوارب أو الخفاف طاهرة:

فلا يصح المسح على النجس؛ لأن النجس لا يزيد بالمسح عليه إلا خبثاً وتلويثاً لليد التي باشرت النجاسة؛ ولأن الإنسان في الغالب يمسح ليُصَلي، ولا صلاة في الشيء النجس، والدليل على أنه لا صلاة في الشيء النجس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم يصلي بأصحابه، فخلع نعليه، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم سألهم: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً) أي: أنه خلعها من أجل ذلك، وهذا يدل على أنه لا بد أن يكون الملبوس طاهراً.

4 - أن يكون في الوقت المحدد شرعاً:

الوقت المحدد شرعاً هو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وتبتدئ هذه المدة من أول مرة مَسَحَ بعد الحدث، فإذا لَبِسها من صلاة الفجر مثلاً، وتوضأ لصلاة الظهر ومسحها، فابتداء المدة من الظهر، أي: من الوقت الذي مسح فيه، حتى يأتي مثله من اليوم التالي إذا كان مقيماً، أو في اليوم الثالث إذا كان مسافراً، فهي ثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ويوم وليلة للمقيم. والحكمة في هذا واضحة؛ لأن المسافر أحوج إلى ستر قدمه من المقيم. هذه هي شروط المسح على الجوربين، أو على الخفين، وما عدا ذلك من الشروط التي ذكرها بعض الفقهاء فإنه ليس عليها دليل، وإنما هي تعاليم استنبطها الفقهاء تُسَلَّم لهم أو لا تُسَلَّم؛ لكن هذه هي الشروط التي يطمئن إليها الإنسان، وأنه لا بد من أن تتوفر في جواز المسح على الخفين أو الجوربين.


لقاءات الباب المفتوح الجزء 4 ص الشيخ بن عثيمين

خلع الممسوح عليه لا ينقض الوضوء

لموافقته للنظر الصحيح فإنه لو مسح على رأسه ثم حلق لم يجب عليه أن يعيد المسح بله الوضوء وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية فقال في ( اختياراته ) ( ص 15 ) :

( ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما ولا بانقضاء المدة ولا يجب عليه مسح رأسه ولا غسل قدميه وهو مذهب الحسن البصري . كإزالة الشعر الممسوح على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور ) .

المسح على الجوربين تحقيق الإمام الألباني رحمه ص 91

انتهاء مدة المسح لا ينقض الوضوء

وهو الذي اختاره النووي خلافا لمذهبه أيضا فقال رحمه الله ( 1 / 527 ) :

( وهذا المذهب حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وقتادة وسليمان بن حرب واختاره ابن المنذر وهو المختار الأقوى وحكاه أصحابنا عن داود )

قلت : وحكاه الشعراني في ( الميزان ) ( 1 / 150 ) عن الإمام مالك وحكى النووي عنه غيره فليحقق . وهو الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية كما تراه في كلامه السابق في المسألة الثالثة ( ص 92 ) تبعا لابن حزم .

المسح على الجوربين تحقيق الإمام الألباني رحمه ص97

*****

بحوث و فتاوى في المسح على الخفين

الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ،أما بعد:

فهذه مسائل في المسح على الخفين اقتصرت فيها على ما رأيته صواباً بمقتضى الأدلة الشرعية ، أسأل الله تعالى أن تكون خالصة لله صواباً على شريعة الله .

1–اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جواز المسح على الخف المخرق . والصحيح جوازه مادام اسم الخف باقياً ، وهو قول ابن المنذر ، وحكاه عن الثوري ، وإسحاق ، ويزيد بن هارون ، وأبي ثور ، وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية مادام اسم الخف باقياً والمشي به ممكناً .

2–ويجوز المسح على الخف الرقيق على القول الصحيح . قال النووي : حكى أصحابنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقاً ، وحكوه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود . وقال الصحيح بل الصواب ما ذكره القاضي أبو الطيب والقفال وجماعات من المحققين أنه إن أمكن متابعة المشي عليه جاز كيف كان وإلا فلا .

3–مدة المسح يوم وليلة للمقيم ، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر. وابتداء المدة من أول مرة مسح بعد الحدث على القول الصحيح وهو إحدى الروايتين عن احمد ، وبه قال الأوزاعي وأبوثور ، واختاره ابن المنذر وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال النووي : وهو المختار الراجح دليلاً .

4–إذا لبس في الحضر ثم سافر قبل أن يحدث فمسحه مسح مسافر .

5–إذا لبس في السفر ثم أقام قبل أن يحدث فمسحه مسح مقيم .

6–إذا لبس في الحضر فأحدث ثم سافر قبل ان يمسح فمسحه مسح مسافر.

7–إذا لبس في السفر فأحدث ثم أقام قبل أن يمسح فمسحه مسح مقيم .

8–إذا لبس في الحضر فأحدث ومسح ثم سافر قبل أن تنتهي مدة المسح أتم مسح مسافر على القول الصحيح ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والرواية التي رجع إليها أحمد عن قوله يتم مسح مقيم . قال في الفائق : وهو النص المتأخر – يعني عن أحمد – وهو المختار . أ.هـ .

وإن انتهت مدة المسح قبل أن يسافر وجب عليه عند الوضوء خلعهما وغسل الرجلين .

9–إذا لبس في السفر فأحدث ومسح ثم أقام أتم مسح مقيم إن بقي من المدة شيء وإلا خلع . قال في المغني : لا أعلم فيه مخالفاً .

10–إذا لبس جورباً أو خفاً ثم لبس عليه آخر قبل أن يحدث فله مسح أيهما شاء .

11–إذا لبس جورباً أو خفاً ثم أحدث ثم لبس عليه آخر قبل أن يتوضأ فالحكم للأول .

12–إذا لبس جورباً أو خفاً ثم أحدث ومسحه ، ثم لبس عليه آخر فله مسح الثاني على القول الصحيح .

قال في الفروع : ويتوجه الجواز وفاقاً .أ.هـ.

وقال النووي : إن هذا هو الأظهر المختار ، لأنه لبس على طهارة وقولهم إنها طهارة ناقصة غير مقبول .أ.هـ. وإذا قلنا بذلك كان ابتداء المدة من مسح الأول .

13–إذا لبس خفاً على خف أو جورب ومسح الأعلى ثم خلعه ، فهل يمسح بقية المدة على الأسفل ؟

لم أر من صرح به لكن ذكر النووي عن أبي العباس بن سريج فيما إذا لبس الجرموق على الخف ثلاثة معان : منها أنهما يكونان كخف واحد ، الأعلى ظهارة والأسفل بطانة .

قلت : وبناء عليه يجوز أن يمسح على الأسفل حتى تنتهي المدة من مسحه على الأعلى كما لوكشطت ظهارة الخف فإنه يمسح على بطانته .

14–إذا خلع الخف أو الجورب بعد مسحه لم تنتقض طهارته بذلك ، فيصلي ما شاء حتى يحدث على القول الصحيح ، حكاه ابن المنذر عن جماعة من التابعين ، واختاره وحكاه ابن حزم عن طائفة من السلف . قال النووي : وهو المختار الأقوى واختاره أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية .

15–إذا تمت مدة المسح لم تنتقض طهارته بذلك فيصلي ما شاء حتى يحدث على القول الصحيح واختاره من اختار عدم النقض في المسألة التي قبلها قال ابن حزم : وهو القول الذي لا يجوز غيره . وقال أيضاً : لو مسح قبل انقضاء أحد الأمدين – يعني أمدي المسافر والمقيم – بدقيقة فإن له أن يصلي به ما لم يحدث أ.هـ.

والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .

حرر في 7 من ربيع الثاني عام أحد عشر وأربعمائة وألف 7/4/1411 هـ على يد محرره

 محمد الصالح العثيمين ، والحمد لله رب العالمين .

*   *    *

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد .

فقد سمعت جواب هذه الأسئلة التي وُجِّهت إليَّ في باب مسح الخفين والعمائم والجبيرة ، وكانت مطابقة للجواب الذي صدر مني على المسجل ، وأدخلت عليها شيئاً يسيراً من التعديلات ، وقد أذنت بطبعها لمن أراد أن يطبعها بشرط العناية بالتصحيح وأن لا يحتفظ بحقوق الطبع لنفسه ولا لغيره.

وأسال الله للجميع التوفيق والقبول .

قال ذلك كاتبه محمد الصالح العثيمين

في 19/5/1410 هـ