قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

احذروا الشرك وحَذِّروا منه غَيْرَكم


إنَّ الله سبحانه وتعالى بعث الرسل بالدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك، قال جل وعلا: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) النحل:36.
ومن المعلوم أن الإنسان إذا عرف الحق وجب عليه معرفة ما يضاده من الباطل ليجتنبه ، وهذا هو دأب السلف ، ففي الصحيحين عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ). فالواجب على المسلم أن يتعلم التوحيد والعقيدة لكي يعبد الله على بصيرة ، وعليه أيضاً معرفة الشرك ووسائله وخطورته لكي لا يقع فيه .

عَرَفْتُ الشَّرَّ لا للشَّرِّ لكِنْ لِتَوَقِّيهِ *** ومَنْ لا يَعْرِفُ الشَّرَّ مِنَ الخَيْرِ يَقَعُ فيهِ
والمتأمل في حال أغلب الخلق يجدهم يعبدون الله وفي نفس الوقت يشركون به ، فَهُم يُوحِّدون الله في جانب ويُشركون به في جانب آخر، قال جل جلاله : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) يوسف:106.

الشرك : هو تسوية غير الله بالله في شئ من خصائص الله. - وهو أيضاً - : صَرْفُ شيء من العبادة لغير الله عز وجل -.

الشرك ينقسم إلى قسمين :

شرك أكبر : مثل الإستغاثة بالنبي والأولياء والصالحين في شيء لا يقدر عليه إلا الله ، والذبح والنذر تَقَرُّباً للجن ، وطاعة العلماء في تحليل الحرام وتحريم الحلال...
وشرك أصغر : هو كل شرك يُفضي إلى الشرك الأكبر ، مثل:-
* لُبْسُ الحلق والخيط وتعليق التمائم لِدَفْعِ شَرٍّ – كالإصابة بالعين مثلاً – أو جَلْبِ نَفْعٍ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الرقى والتمائم والتِّوَلَة شرك ) رواه أحمد وأبو داود.
* الحلف بغير الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حلف بغير الله ؛ فقد كفر أو أشرك ) رواه الترمذي وحسنه.
* الرياء : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، مَن عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ معي فيه غيري تركته وشركه ) رواه مسلم.
* قول : ( ما شاء اللهُ وشِئْتَ ) : عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله و شِئْتَ ، فقال صلى الله عليه وسلم :( أَجَعَلْتَني لله نِداً ؟ ما شاء الله وحده ) رواه النسائي.
* الطِّيَرَةُ - أي التشاؤم - : قال رسول الله صلى الله وسلم : ( الطِّيَرَةُ شرك ) رواه أبو داود.

من الفروق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر:

- الشرك الأكبر مُخْرِج من ملة الإسلام ، بينما الأصغر لا.
- الشرك الأكبر صاحبه لا يُسمى مسلماً ، بينما الأصغر صاحبه مسلم فاسق .
- الشرك الأكبر يُسبب حبوط كل أعمال الإنسان ، بينما الأصغر لا يحبط كل الأعمال .
- الشرك الأكبر يُسبب الخلود في النار ، بينما الأصغر لا.
ولا يُفهم من بيان الفروق بين الشرك الأكبر والأصغر التهوين من خطورة الشرك الأصغر ، حاشا وكلا.
بل إنَّ الشرك الأصغر خطره كبير وشنيع ، ولعل هذا يتضح بذكر ترتيب الذنوب بحسب إثمها من الأشد إثماً حتى الأخف :
* الشرك الأكبر.
* الشرك الأصغر.
* البدع غير الكفرية.
* كبائر الذنوب كالزنى وشرب الخمر والربا....
* صغائر الذنوب .
فَجِنْسُ الشرك الأصغر أعظم خطراً وإثماً من جنس كبائر الذنوب لذلك قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه - فيما صحَّ عنه : ( لأَنْ أَحْلُفَ بالله كاذباً أَحَبّ إليّ مِنْ أَنْ أَحْلُفَ بغيره صادقاً ) ، وماذا ذاك إلاَّ لأنَّ الحلف بالله كَذِباً كبيرة من كبائر الذنوب ، بينما الحلف بغير الله – وإن كان صدقاً – من الشرك الأصغر الذي عقوبته أشد.

و الشرك أعظم الذنوب لأسباب كثيرة ، منها :

1- الشرك فيه تسوية المخلوق الضعيف الظلوم الجهول بالخالق القوي العادل العليم ، وهذا من أعظم الظلم ، قال جل وعلا: ( إنَّ الشَّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ ) لقمان:13.
2- الشرك ذنب لا يُغفر أبداً - إنْ مات عليه الإنسان - قال جل وعلا:( إنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ) النساء:48.
3- الشرك يُحرِّم على الإنسان دخول الجنَّة ، قال جل وعلا: ( إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) المائدة: 72 ، وفي البخاري :[ يَلْقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قَتَرَة وغَبَرَة ، فيقول له إبراهيم : ( أَلَمْ أَقُلْ لك لا تعصني ؟ ) فيقول أبوه : ( فاليوم لا أعصيك ) ، فيقول إبراهيم : ( يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون ، فأيُّ خِزْيٍ أخزى من أبي الأبعد ؟ ) فيقول الله تعالى : ( إني حرمت الجنة على الكافرين ) ثم يقال : يا إبراهيم ، ما تحت رجليك ؟
فينظر ، فإذا هو بِذيخٍ مُتَلَطِّخٍ [1] ، فيؤخذ بقوائمه فَيُلْقى في النار ] .
4- الشرك يُحبط الأعمال كلها ، قال جل وعلا: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ؛ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ ) الزمر: 65،66.
5- الشرك سببُ الخلود في النار ، قال جل وعلا: ( إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا. خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ) الأحزاب:64-65.
6- الشرك سببٌ في استحلال دماء وأموال وأعراض المشركين حال الحرب ، قال جل وعلا: ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ) البقرة:191.
7- الشرك سببُ دوام عذاب القبر إلى يوم القيامة ، قال جل وعلا: (...وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) غافر:45-46.
8- الشرك أكبر الكبائر [2]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: ( ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال الشرك بالله...) رواه البخاري .
9- الشرك سبب في حُرْمَةِ التَّرحُّم على صاحبه ، قال جل وعلا : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم ) التوبة:113.

ولكن كيف ظهر الشرك؟ و متى ؟

" قال ابن عباس رضي الله عنهما :( كان بين آدم ونوحٍ عشرة قرونٍ؛ كلهم على الإسلام ).
وأول ما حدث الشرك في الأرض في قوم نوح حين غَلَوْا في الصالحين : ( وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ) نوح:23 .
روى البخاري في ( صحيحه ) عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( هذا أسماء رجال صالحون من قوم نوح ، فلما هلكوا ؛ أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً ، وسموها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ونُسي العلم ؛ عُبدت ) .
قال ابن القيم : " قال غير واحد من السلف : لما ماتوا ؛ عكفوا على قبورهم ، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد ، فعبدوهم " . من كتاب : الإرشاد إلى صحيح الإعتقاد ص 49 للعلامة صالح الفوزان حفظه الله.

هل تعلم أنَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم أخبر بعودة الشرك إلى هذه الأمة ؟!!!

* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى تَلْحَقَ قَبائِلُ من أمتي بالمشركين ، وحتى يعبدوا الأوثان ، وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم : أنه نبي ، وأنا خاتم النبيين ، لا نبي بعدي ) صحيح الترمذي للعلامة الألباني رحمه الله .
* وقال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏: ( ‏‏لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ ) متفق عليه ، وذو الخلصة صنم عُبِدَ في الجاهلية ، وقد هَدَمَه الصحابة في اليمن ، ومن علامات الساعة الرجوع إلى عبادته وطواف النساء حوله ، والله المستعان.
* و عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم : ( لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى ) فقلت : يا رسول الله ! إن كنت لأظن حين أنزل الله : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )التوبة:33 ، أن ذلك تاماً . قال صلى الله عليه وسلم: ( إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ، ثم يبعث الله ريحا طيبة ، فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم ) رواه مسلم

أخي وأختي
قد اتضح أنَّ الشرك خطره عظيم ، وأنَّ أُناساً من هذه الأمة سيقعون فيه والعياذ بالله ، وهذا يستلزم منا الخوف من الوقوع في الشرك .
كيف لا نخاف من الوقوع في الشرك وقد قال ربنا عن إبراهيم : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ ) إبراهيم:35 ؟
إبراهيم إمام من أئمة الموحدين ونبي معصوم يخشى على نفسه من الوقوع في الشرك ! فَمَنْ يَأْمَنْ البَلاءَ بعد إبراهيم ؟ والله المستعان.
كيف لا نخاف من الوقوع في الشرك وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمجيء زمان يرتدُّ فيه بعض المسلمين عن الإسلام فقال : ( يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، يبيع دينه بعرض من الدنيا ) رواه مسلم.

ختاماً

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا بكر ، للشركُ فيكُمْ أَخْفى من دَبيبِ النمل والذي نفسي بيده ، للشركُ فيكُمْ أَخْفى من دَبيبِ النمل ، ألا أَدُلُّكَ على شيءٍ إذا فَعَلْتَهُ ذَهَبَ عنك قَليلُهُ وكَثيرُهُ ؟
قُلْ : اللهُمَّ إني أَعوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ و أنا أَعْلَمُ ، و اسْتَغْفِرُكَ لِما لا أَعَلَمُ ) صحيح الأدب المفرد.

منقول من شبكة سحاب السلفية

----------------------------------------------------------------

[1] الذيخُ : هو الذكرُ من الضّباع الكثير الشعر. متلطخ إما برَجيعه – أي الرَّوَث – أو بالطين . والمعنى أنَّ الله سَيَمْسَخُ آزر في صورة ذلكم الحيوان المُتَّسِخِ بالروث أو الطين.

[2] إذا قُسِّمَتِ الذنوب إلى كبائر وصغائر ، فالشرك أكبر الكبائر.