قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

خَطرُ التَّعصُّب المَقِيت المُهلك على الفَرْدِ والأُمَّة ! للشيخ ربيع بن هادي المدخلي


قال العلامة المجاهد ربيع السنَّة -زاده الله توفيقا وسداداً وهدى ورشاداً – في كتابه الماتع البديع النافع " جماعة واحدة لا جماعات وصراط واحد لا عشرات" (ص75) :
"
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه- في التحزب الذي يتضاءل أمام تحزب ما يسمى بالجماعات الإسلامية القائمة اليوم :
((
وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء بل يكونون مثل الأخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى :
{
وَتَعَاونوا عَلَى البرِ والتَّقوَى ولا تَعَاوَنُوا عَلى الإثم والعدوَان}
وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهداً بموافقته على كل ما يريده وموالاة من يواليه ومعاداة من يعاديه ، بل من فعل هذا كان من جنس جنكز خان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقاً واليا ، ومن خالفهم عدوا باغيا، بل عليهم وعلى أتباعهم عهد اللَّه ورسوله بأن يطيعوا اللَّه ورسوله ويفعلوا ما أمر اللَّه ورسوله فإن كان أستاذ أحد مظلوماً نصره ، وإن كان ظالماً لم يعاونه على الظلم بل يمنعه منه كما ثبت في الصحيح أنه قال :
(
انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً . قيل : يا رسول اللَّه : أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً ؟. قال تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه) .
وإذا وقع بين مسلم ومسلم أو تلميذ وتلميذ أو معلم وتلميذ خصومة ومشاجرة لم يجز لأحد أن يعين أحدهما حتى يعلم الحق ، فلا يعاونه بجهل ولا بهوى ، بل ينظر في الأمر ، فإذا تبين له الحق أعان المحق منهما على المبطل سواء كان المحق من أصحابه أو أصحاب غيره ، وسواء كان المبطل من أصحابه أو أصحاب غيره ، فيكون المقصود عبادة اللَّه وحده وطاعة رسوله واتباع الحق والقيام بالقسط .
ومن مال مع صاحبه سواء كان الحق له أو عليه فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم اللَّه ورسوله والواجب عليهم جميعا أن يكونوا يداً واحدة مع المحق على المبطل فيكون المعظم عندهم من عظمه اللَّه ورسوله ، والمقدم عندهم من قدمه اللَّه ورسوله ، والمحبوب عندهم من أحبه اللَّه ورسوله، والمهان عندهم من أهانه اللَّه ورسوله؛ بحسب ما يرضي اللَّه ورسوله لا بحسب الأهواء ، فإنه من يطع اللَّه ورسوله فقد رشد ومن يعص اللَّه ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه .
فهذا هو الأصل الذي عليهم اعتماده ، وحينئذ فلا حاجة إلى تفرقهم وتشيعهم ، فإن اللَّه تعالى يقول :
{
إنَّ الذِيْنَ فَرَّقُوا دِيْنَهُم وكَانُوا شِيَعاً لَستَ مِنهُم في شَيء}
وقال تعالى : { ولا تَكونُوا كَالذينَ تَفَرَّقُوا وَاختَلفُوا من بَعد مَاجَاءتهم البَينَات} )) (مجموع الفتاوى (28 / 15ـ17) ).
فإذا كان هذا في حق المعلمين الذين ليس لهم مناهج ولا برامج ولا بدع تقوم لخدمتها والدعوة إليها برامجهم ومناهجهم ثم عليها يوالون وعليها يعادون ويقبلون ويرفضون فكيف بالجماعات أي الفرق والأحزاب القائمة على هذه المناهج والبرامج وما يتبعها مثل جماعات الإخوان والتبليغ وحزب التحرير ، وحزب حكمت يار ، وحزب سياف ، وحزب الجمعية الإسلامية ، وحزب صبغة اللَّه ، وحزب جيلاني، وحزب الترابي ؛ فكم لهذه الأحزاب من الأضرار والأخطار ؟!
وكم ترتب على وجودها وما هي عليه من بدع وتحزب من مضار ومفاسد انعكس ضررها على عقائد الأمة وأخلاقها بل وجهادها ؟!
ثم يأتي من يقحم شيخ الإسلام ابن تيمية ومنهج السلف في خضم هذه الأباطيل المهلكة للأمة في دينها ودنياها ليبررا وجودها واستمرارها وليجعل من ابن تيمية والمنهج السلفي خصمين لمن يستنكر هذا الباطل المخالف لكتاب اللَّه ولسنة رسول اللَّه والمنهج السلفي ولا بن تيمية ومن سبقه ومن تلاه من علماء السنة والحق.
وهل يستطيع أحد اليوم أن يثبت أي جماعة من هذه الجماعات التي يدافع عنها عبد الرحمن تلتزم بما في هذه الفتوى من العدل والإنصاف والموالاة والمعاداة ؟ ونصرة المظلوم على الظالم ؟!
وهل هناك أي عالم يجيز التحزب والتعصب الموجودين بقوة في هذه الجماعات التي تلتزم مذهب الشاعر الجاهلي :
ومَا أنا إلا من غَزيةَ إن غَوت *** غَويت وإن تَرشُد غزيةَ أرشُد " اهـ .

أسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم
وأن يرزقنا التمسَّك بالحقِّ معْ مَن كان
وأن يُجنِّبَنَا التَّعصُّبَ المَقيت المُهلك
إنَّه سبحانه بالإجابة قدير وهو نعم المولى ونعم النَّصير .