قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

ضوابط الإقامة في بلد الكفر وحكم المستضعف فيها

السـؤال: هل الإقامة في ديار الكفر مرتبطةٌ بالقدرة على إقامة المسلم دينَه وإظهار شعائر الإسلام فقط، أم هناك ضوابط أخرى؟ وهل في حالة وجوب الهجرة يلزم المسلمين من أصلٍ فرنسي الهجرةُ، أخذًا بعين الاعتبار صعوبةَ التنقُّل بين البلدان وما يتبعها من تعقيداتٍ إداريةٍ؟ وشكرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالسفر إلى بلاد الكفر والإقامةُ بها مؤقَّتٌ مقرونٌ بالحاجة، سواءً كان من أجل الدعوة إلى الله تعالى أو للتجارة أو لأغراضٍ أخرى مباحةٍ، يُشترط فيه الأمن على الدين، والقدرة على الجهر بشعائر الإسلام على وجه الكمال وبدون خوفٍ ولا معارضةٍ، ويدخل ضمن الشعائر: الهديُ الظاهريُّ من هيئةٍ وملبسٍ ونحو ذلك، كما يُشترط القدرة على الولاء والبراء من بغض الشرك والكفر وأهله بغضًا لا محبَّةَ فيه، وعدمِ اتِّخاذهم أولياءَ، وعدمِ مودَّتهم والتشبُّه بهم فيما هو من خصائصهم، ولا مشاركتِهم في أعيادهم وأفراحهم، ولا تهنئتِهم عليها، وعدمِ تعظيمهم ونحو ذلك، وبعبارةٍ أوجز: عدم موافقتهم في الباطن والظاهر.
أمَّا المستضعف -سواءً كان مسلمًا أصليًّا أو كافرًا أسلم، ذكرًا كان أو أنثى، حال بينه وبين هجرته ظروفٌ صحِّيَّةٌ أو إداريةٌ أو سياسيةٌ أو جغرافيةٌ تعذَّرت معها الهجرة وعَجَزَ عن القيام بها لضعفه- فهؤلاء استثناهم الله تعالى فلا يلحقهم الوعيد الواقع على من لا يأمن على نفسه الفتنة أو كانت إقامته في بلاد الكفَّار موالاةً لهم في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51] وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء: 97-99].
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.


أبو المعز محمد علي فركوس الجزائري

الجزائر في: 27 من المحرَّم 1433ﻫ

الموافق ﻟ: 22 ديسمبر 2011م