قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

مصاب الأمة بفقد علماء السنة
أما بعد:
فإن للعلماء مكانة عظمى، ومنزلة كبرى، فهم ورثة الأنبياء، وخلفاء الرسل , نوه الله بشأنهم ورفع من مقامهم فقال تعالى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].) وقال تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) واستشهد بهم في أعظم شهادة فقال تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو  العزيز الحكيم) وأمر بالرجوع  إليهم فقال (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) 
وجعلهم النبي صلى الله عليه وسلم ورثة للأنبياء لأنهم يحملون ميراث النبوة من العلم والهدى فيقومون به ويدعون إليه ويبثونه في الأمة فيكون سبباً لفلاح من أخذ به ونجاة لمن عض بالنواجذ عليه. فقال صلى الله عليه وسلم (إن العلماء ورثة الأنبياء) 
إن علماء السنة لأهل الأرض بمثابة الشمس التي تكشف الظلمات وبمثابة النجوم التي يهتدى بها في المتاهات لأنهم يميزون لهم الحق من الباطل والهدى من الضلال والعلم من الجهل فيحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة فما أعظم نفعهم وما أكثر بركتهم وما أكبر النعمة بوجودهم 
وإذا كانوا بتلك المنزلة العالية في الكتاب وفي السنة وفي قلوب أهل الإيمان من الأمة فإن ذهابهم مصاب عظيم لأن العالم يموت فيدع من بعده فراغاً كبيراً لا يسد 
إذ الخير المتعدد المتعدي الذي اجتمع فيه لا يكاد يجتمع في غيره ، كنشر العلم والفتيا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكشف المعضلات والرد على أهل  الضلالات والنصح للراعي والرعية وغير ذلك من وجوه الخير، وفي هذا يقول الحسن البصري رحمه الله: "موت العالم ثلمة في الإسلام، لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار". وفسر ابن عباس قوله تعالى (أولم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها) بموت العلماء لما في موتهم من النقص الكبير الذي يطرأ على أهل الأرض. 
أيه الإخوة في الله :
لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من خطورة موت العلماء منبهاً بذلك إلى ضرورة الأخذ عن العلماء وحمل الميراث عنهم قبل ذهابهم فلا يموت العالم إلا و وعلمه وهديه الحسن قد أخذه عنه ثلة يقومون به فالعلم بحمد الله لا يرفع بمحوه من الصدور ولكن يقبض العلم العلم بقبض أهله يقول صلى الله عليه وسلم (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً؛ اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا }.                       
 وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "عليكم بالعلم قبل أن يُقبض، وقبضه ذهاب أهله"
وقيل لـسعيد بن جبير رحمه الله: "ما علامة الساعة وهلاك الناس؟ قال: إذا ذهب علماؤهم".
ولما مات زيد بن ثابت رضي الله عنه قال ابن عباس رضي الله عنهما: من سرَّه أن ينظر كيف ذهاب العلم فهكذا ذهابه
وقال رضي الله عنه: "لا يزال عالم يموت وأثر للحق يدرس حتى يكثر أهل الجهل، ويذهب أهل العلم، فيعمل الناس بالجهل، ويدينون بغير الحق، ويضلون عن سواء السبيل" 
 فيا معشر الشباب خاصة  ويا معشر الأمة عامة الله الله في توقير العلماء والحرص عليهم والأخذ عنهم والسير على طريقتهم في العلم النافع والعمل الصالح والدعوة إليهما فها نحن نودع علماءنا واحدا بعد أخر في زمن نرى فيه عزوف كثير من الناس عن علوم الشريعة إلى علوم الدنيا وكثير ممن يدرس علم الشريعة لا يقوم بحق العلم كما ينبغي وإنما يدرسه لشهادة ومنصب فقلّ لذلك نفعهم وقلّت بركتهم.
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم؟
الخطبة الثانية
أما بعد:
 فإن من الضروري أن يدرك المسلم أن العالم الذي يصدق عليه اسم العالم هو العالم بالكتاب والسنة المتمسك بعقيدة السلف الصالح الذي يبين للناس أحكام دينهم منطلقاً من قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة ومن سلك سبيلهم. فليس العلم بكثرة الكلام ولا بتسنم المناصب والمسؤليات ولا بعلو الرتب و الشهادات ولا بوفرة البرامج والمؤلفات
إن العلماء حقا هم  علماء السنة العاملون بها الداعون إليها المجانبون لأهل البدع وطرائقهم 
أولئك هم الذين يجب الأخذ عنهم والانتفاع بهم والرجوع إليهم. وهم الذين يفرح بوجودهم ويبكى على فقدهم ،أما علماء السوء أو علماء البدعة فهؤلاء يجب الحذر منهم والبعد عنهم وعدم الاغترار بهم ولو حسنت صورهم  وجذب الأسماع أسلوبهم فليست بالعبرة بذلك إنما العبرة بما تقدم ذكره أنفاً فقد حذر الله من حَسَن اللسان خبيثِ المنهج فقال عن المنافقين (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ).
وما أحسن ما قال بعض السلف (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخون دينكم) أي لا تأخذوه إلا ممن يوثق بدينه وعقيدته وعلمه. 
 

موقع علي بن يحي الحدادي