قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

عقيدة أهل السنة والجماعة فيما يجب لولي الأمر على الرعية من البيعة والنصيحة والسمع والطاعة

 


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه والتابعين.. أما بعد..
فهذه ورقات، تصلح أن تكون رسالة صغيرة جداً، يمكن طباعتها على ورقتين من مقاس a4 (كلا الوجهين) ، تناسب ما يجري في مصر من تنصيب رئيس جديد، وما يترتب على ذلك من واجبات وحقوق لولي الأمر الجديد على المصريين، ولا شك أن ما جرى ويجري على أرض مصر من فتن أثارها ويثيرها أهل البدع من الحزبيين والتكفريين يجعل كثيراً من الناس سواء من أتباع هؤلاء أو غيرهم من عوام أو حتى خواص الناس، يجعلهم ينصبون العداء ويضمرون الكره والبغضاء للرئيس الجديد، جاهلين بحكم ذلك ومخالفته لمنهج أهل السنة والجماعة المجمع عليه في معاملة الحكام وولاة الأمور -أبراراً كانوا أو فجاراً-. فيقع هؤلاء إثم شرعي كبير ومخالفة ظاهرة لمنهج أهل السنة والجماعة.

وقد اجتهدت قدر استطاعتي في جمع هذه المادة من مصادر مختلفة وقمت ببعض التصرف فيها، وسميتها :
عقيدة أهل السنة والجماعة فيما يجب لولي الأمر على الرعية من البيعة والنصيحة والسمع والطاعة

وهذا هو محتواها، وسأرفقه في ملف نصي لتسهيل طباعته لمن شاء، والله أسأل أن ينفع بها، وأن يغفر لي ويتقبل مني، وأن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم.

عقيدة أهل السنة والجماعة فيما يجب لولي الأمر على الرعية
من البيعة والنصيحة والسمع والطاعة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..

أولاً: اعلم أخي الكريم -رحمني الله وإياك- أنني ما سطرت هذه الكلمات التي بين يديك إلا لبيان حق عظيم وواجب شرعي أصيل من الحقوق التي أوجبها الله -تعالى- علينا -كرعية- تجاه من ولاه الله تعالى أمرنا -براً كان أو فاجراً- ، من النصح له والسمع والطاعة له في غير معصية. ولكن -مع الأسف- فإن هذا الحق الأصيل ضاع بين أفراد الأمة وتبدد حتى صارت معاداة ولاة الأمور والخروج عليهم ديناً يُتقرب به إلى الله تعالى! ومنهجاً أصيلاً تأسست عليه أكثر الدعوات والجماعات المعاصرة التي انحرفت انحرافاً ظاهراً -كما سيأتي- عن منهج أهل السنة والجماعة -الذي تنتسب إليه- خاصة في هذا الباب. ولم أقصد بهذا البيان سوى النصح لإخواني المسلمين وبيان منهج أهل السنة والجماعة، والدفاع عن منهج سلفنا الصالح الذي أساء إليه من ينتسب إليه زوراً وبهتاناً.

ثانياً: اعلم أخي الكريم -رحمني الله وإياك- أن الله تعالى أمرنا بطاعة ولاة الأمور في كتابه الكريم أمراً صريحاً واضحاً فقال جل وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ..} [النساء: 59].

قال الإمام الطبري ـ رحمه الله ـ في " تفسيره " ( 5/150 ) : ( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هم الأمراء والولاة لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان طاعةً ، وللمسلمين مصلحة ... إلخ ). وقال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في "شرح صحيح مسلم" ( 12/223 ) : ( المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء ، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم ، وقيل: هم العلماء ، وقيل : هم الأمراء والعلماء .. ) اهـ .

هكذا جاء الأمر بطاعة ولاة الأمور في القرآن الكريم أمراً مجملاً ، ثم جاءت سنة النبي صلى الله عليه وسلم المطهرة بتفصيل هذا الإجمال، وبيان حقوق ولاة الأمور على رعيتهم تفصيلاً، وأن هذه الحقوق يجب عليهم مراعاتها، والقيام بها، ويحرم عليهم أن يفرطوا في شيء منها.

فأول هذه الحقوق: إعتقاد ولاية من ولاه الله أمر المسلمين:
عن عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً))، رواه مسلم (1851).
فلا يحل لمسلم أن يبيت ليلة ولا يرى في عنقه بيعة لولي أمر، براً كان أو فاجراً، فهذا وعيد شديد لمن أنكر ولاية ولي الأمر، ونزع يده من طاعته، فلتتأمل ذلك جيداً حفظك الله.

الثاني: طاعته في المعروف ظاهرًا وباطنًا:
عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قال: دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: «أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا.. الحديث)، البخاري (7056) ومسلم (1709).
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ»، رواه البخاري (2955)،
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ»، البخاري (7142)،
وقال صلى الله عليه وسلم: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ » رواه مسلم (1847).

الثالث: بذل النصح له وتبيين الحق بلطف:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا، يَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، .. الحديث "، [أخرجه البخاري في الأدب المفرد:442، ومالك في الموطأ:2/990، وأخرج مسلم نحوه: 1715]، [وانظر صحيح الأدب المفرد ص: 170]،

وعن تميم الداري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدين النصيحة))، قلنا لمن؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم))، أخرجه البخاري معلقًا، ومسلم برقم (55)،

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما استُخلِف خليفةٌ إلا له بِطانتان: بِطانة تأمره بالخير، وتحضُّه عليه، وبِطانة تأمره بالشر وتحضُّه عليه، والمعصوم مَن عصم الله))؛ أخرجه البخاري.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث لا يَغِلُّ عليهم قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم))؛ أخرجه أحمد (16738)، وابن ماجه (231).

والنصيحة تكون سرًّا بين الناصح الصادق وبين الوالي؛ لتكون أخلص عند الله، وعلى هذا سار السلَفُ الصالح.


الرابع: توقيره، وإجلاله، واحترامه:
أخرج الإمام أحمد - وصحَّحه الألباني - عن أبي بكرة، قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن أكرم سلطان الله - تبارك وتعالى - في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومَن أهان سلطان الله - تبارك وتعالى - في الدنيا أهانه الله يوم القيامة)).
وأخرج الترمذي عن زياد بن كُسَيب العدوي قال: "كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب، وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفسَّاق؛ فقال أبو بكرة: اسكت؛ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله)).

الخامس: التعاون معه على البر والتقوى:
وذلك عملاً بقول - تعالى -: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2[، وعن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق إن نسي ذكَّره، وإن ذكَر أعانه، وإذا أراد له غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكِّره، وإن ذكَر لم يُعِنْه))؛ رواه أبو داود، والنسائي، وسنده صحيح.

السادس: الدعاء له:
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: «لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ». [صحيح مسلم: 1855]. .
قال القاضي عياض: "لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لجعلتها في الإمام"، وروي عن الإمام أحمد مثل ذلك.

السابع: الصبر على جوره إن جار أو ظلم:
أخرج مسلم - برقم (1854) - عن أم سلمة - رضي الله عنها -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ستكون أمراء، فتَعرِفون وتُنكِرون، فمن عَرَف بَرِئ، ومن أنكر سَلِم، ولكن من رَضِي وتابع))، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: ((لا ما صلَّوْا))،
وأخرج البخاري (7052) عن زيد بن وهب قال: سمعت عبدالله قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ((إنكم سترون بعدي أثرةً، وأمورًا تنكرونها))، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: ((أدُّوا إليهم حقَّهم، وسَلُوا الله حقَّكم))، وأخرج البخاري (7142) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمِل عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زَبِيبة)).
وأخرج البخاري (7053) (7054) (7143)، ومسلم (1849)، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن كَرِه من أميره شيئًا، فليصبر؛ فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية)).

الثامن: عدم الخروج عليه:
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: «لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ». [صحيح مسلم: 1855].
وجاء في الحديث الصحيح - الذي رواه البخاري ومسلم - عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قال: دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: «أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»،
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ». [صحيح مسلم:1848، سنن النسائي: 4114].
وعن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا»، البخاري (6874)، ومسلم (98).

ثالثاً: أقوال علماء الأمة من سلفنا الصالح في حقوق ولي الأمر كما فهموها من هذه الأحاديث وغيرها وصارت عقيدة للأمة يذكرونها في كتبهم:

1- قال الإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة: 241هـ. -رحمه الله- في رسالة شرح السنة: والسمع وَالطَّاعَة للأئمة وأمير الْمُؤمنِينَ الْبر والفاجر وَمن ولي الْخلَافَة وَاجْتمعَ النَّاس عَلَيْهِ وَرَضوا بِهِ وَمن عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ حَتَّى صَار خَليفَة وَسمي أَمِير الْمُؤمنِينَ...
وقال: وَمن خرج على إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين وَقد كَانُوا اجْتَمعُوا عَلَيْهِ وأقروا بالخلافة بِأَيّ وَجه كَانَ بِالرِّضَا أَو الْغَلَبَة فقد شقّ هَذَا الْخَارِج عَصا الْمُسلمين وَخَالف الْآثَار عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن مَاتَ الْخَارِج عَلَيْهِ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة،.. وقال: لَا يحل قتال السُّلْطَان وَلَا الْخُرُوج عَلَيْهِ لأحد من النَّاس فَمن فعل ذَلِك فَهُوَ مُبْتَدع على غير السّنة وَالطَّرِيق. [أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل ص: 47]

2- قال الإمام أبو إبراهيم المزني، المتوفى سنة: 264هـ. -رحمه الله تعالى-: وَالطَّاعَة لأولي الْأَمر فِيمَا كَانَ عِنْد الله عز وَجل مرضيا وَاجْتنَاب مَا كَانَ عِنْد الله مسخطا، وَترك الْخُرُوج عِنْد تعديهم وجورهم وَالتَّوْبَة إِلَى الله عز وَجل كَيْمَا يعْطف بهم على رعيتهم،اهـ [شرح السنة للمزني ص: 84].

3- قال الإمام أبو جعفر الطحاوي المصري المتوفى سنة: 321هـ -رحمه الله تعالى-: وَلَا نَرَى الْخُرُوجَ عَلَى أَئِمَّتِنَا وَوُلَاةِ أُمُورِنَا وإن جاروا، ولا ندعوا عَلَيْهِمْ وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِمْ ، وَنَرَى طَاعَتَهُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرِيضَةً، مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةٍ وَنَدْعُو لَهُمْ بِالصَّلَاحِ والمعافاة، ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة،.. اهـ [متن الطحاوية بتعليق الألباني ص: 69].

4- قال الإمام ابو الحسن الأشعري، المتوفى سنة: 324هـ. -رحمه الله تعالى-: وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى أن كل من ولي شيئاً من أمورهم عن رضى أو غلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أو عدل، وعلى أن يغزوا معهم العدو، ويحج معهم البيت، وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها ويصلى خلفهم الجمع والأعياد، اهـ. [رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب ص: 169].

5- قال الإمام البربهاري، المتوفى سنة: 329هـ. -رحمه الله تعالى-: وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله. لقول فضيل: لو كانت لي دعوة ما جعلتها الا في السلطان. [شرح السنة للبربهاري ص: 113].
- وقال أيضاً: والسمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى.
- ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين، لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن عليه إماما، برا كان أو فاجرا. [شرح السنة للبربهاري ص: 56]
- ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي، وقد شق عصا المسلمين، وخالف الآثار، وميتته ميتة جاهلية.
- ولا يحل قتال السلطان والخروج عليه وإن جاروا، وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: «اصبر، وإن كان عبدا حبشيا» .وقوله للأنصار: «اصبروا حتى تلقوني على [الحوض] » .
- وليس من السنة قتال السلطان؛ فإن فيه فساد الدين والدنيا. [شرح السنة للبربهاري ص: 58]

6- قال الحافظ النووي، المتوفى سنة: 676هـ. -رحمه الله تعالى- : وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَمُعَاوَنَتُهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَطَاعَتُهُمْ فِيهِ وأمرهم به وتنبيهم وَتَذْكِيرُهُمْ بِرِفْقٍ وَلُطْفٍ وَإِعْلَامُهُمْ بِمَا غَفَلُوا عَنْهُ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَتَرْكُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَتَأَلُّفُ قُلُوبِ النَّاسِ لِطَاعَتِهِمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنَ النَّصِيحَةِ لَهُمُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُمْ وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ وَأَدَاءُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ وَتَرْكُ الْخُرُوجِ بِالسَّيْفِ عَلَيْهِمْ إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ حَيْفٌ أَوْ سُوءُ عِشْرَةٍ وَأَنْ لَا يُغَرُّوا بِالثَّنَاءِ الْكَاذِبِ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يُدْعَى لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْخُلَفَاءُ وَغَيْرُهُمْ ممن يقوم بأمور المسملين مِنْ أَصْحَابِ الْوِلَايَاتِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَاهُ أَيْضًا الْخَطَّابِيُّ [شرح النووي على مسلم 2/ 39].

وقال أيضاً: وَأَمَّا الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ وَقِتَالُهُمْ فَحَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمِينَ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ السُّلْطَانُ بِالْفِسْقِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَزِلُ وَحُكِيَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا فَغَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ عَدَمِ انْعِزَالِهِ وَتَحْرِيمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَتَكُونُ الْمَفْسَدَةُ فِي عَزْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي بَقَائِه. اهـ. [شرح النووي على مسلم 12/ 229- كتاب : الإمارة باب : وجوب طاعة الأمراء].

7- قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مُشيراً إلى شيءٍ من التلازم بين الخروج والمفسدة ( المنهاج 3/391): « ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته » انتهى .

هذا ما تيسر جمعه ونقله،
والله أسأل أن يرزقنا جميعاً الاستقامة على نهج سلفنا الصالح رضى الله عنهم أجمعين،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


جمعه ورتبه/ الفقير إلى الله: أبو لقمان عصام بن مسعد الكسباني،
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.
في يوم الخميس 7 شعبان 1435 هـ - 5 يونيو 2014م
 
منقول من البيضاء العلمية