قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

كيف يصبح دين وأخلاق المرأة إن تزوج عليها زوجها بثانية

 

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.

 

أما بعد، أيها المسلمة – جعلك الله قائمة بالعدل عاملة بالحق -:

 فإن الرجل إذا تزوج بامرأة ثانية أو ثالثة أو رابعة لم يقع في خطأ على زوجته، ولم يتعد على حق من حقوقها عليه، ولا يعتبر ظالماً لها، ولا مسيئاً لعشرتها، ولا ينبغي أن يلام ويعاب ويثرب، حتى ولو كانت محسنة إليه، ومتفضلة عليه، وقائمة به خير قيام، إذ معه الإذن من ربه وربها على ما فعل، وكفى بذلك، فقد قال سبحانه له ولسائر الرجال في أول سورة النساء:

 { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }.

 إلا إذا كانت قد اشترطت عليه قبل الزواج بها أن لا يتزوج بأخرى، فهنا يفي لها بما اشترطت.

 وكون المرأة لا ترغب أن يتزوج عليها زوجها، وتحب أن تنفرد به وحدها، فهذا أمر معروف ومشهور، لا جدال فيه ولا عيب ولا تثريب.

 وكون أهلها يحبون لها مثل ذلك، أمر مسلم لا ينكر عليهم فيه.

 لكن إن حصل وتزوج زوجها بثانية أو أكثر فكيف تتعامل معه، أتتعامل وفق دين الله وشرعه، وفق ما أمرها الله ورسوله به، أم وفق ما تمليه نفسها الأمارة ومزاجها وهواها، وما يمليه بعض أهلها وقريناتها؟ وما يريده الشيطان وجنده؟.

 للأسف الشديد أن بعض النساء إن لم أقل كثيرات لا يتعاملن مع هذا الأمر وفق شرع الله ودينه، بل بالظلم والتعدي، والبغي والعدوان، والسيئات والذنوب، والأوزار والإثم، وكأنهن لم يقرأن الآيات والأحاديث الواردة في ذلك، بل ولم يسمعن النصوص في تعظيم حق الزوج.

 تراها إذا تزوج زوجها بأخرى تجاوزت حدود ما أنزل الله فأخلت بحقوق الزوج، ولم تقم بها أو بأكثرها أو ببعضها، وربما هجرته وقاطعته وتركت بيت الزوجية.

 تراها إذا تزوج زوجها بأخرى أبدت له وجهاً غير الوجه الذي كان يعرف منها، فضعفت العشرة الحسنة، وقلَّ التبعل والتجمل، وذهب الانبساط وطلاقة الوجه، وخشن الكلام وقلّ.

 تراها إذا تزوج زوجها بأخرى ذهب التسامح والتجاوز والتغافل والعفو والصفح معه، وأدخلت عليه الضيق والكدر، وجلبت الوحشة والنفرة فدققت معه على الصغير قبل الكبير، ووقفت مع حقوقها ولا أقول الواجبة بل الكمالية المستحبة وقفة المحاسب المدقق المثرِّب كثير التشكِّي، وأثقلت عليه في الطلبات، ولم تكن كذلك من قبل، وما كان لها من خلق ولا طبع، بل كانت سهلة سمحة، مُيسِّرة لا معسِّرة.

 تراها إذا تزوج زوجها بأخرى ضعف دينها وإيمانها فبدأت تغتابه وتنال منه وكأن عرضه قد أصبح حلالاً لها بسبب تزوجه، فأصبحت تذكر عيوبه وأخطاءه، وتنشر تقصيره وإهماله، وتظهر لمن حولها من أهله وأهلها وصاحباتها ما وقع من سيء عشرته.

 تراها إذا تزوج زوجها بأخرى بدأت ترفع من نفسها وتخفضه، فتذكر أفضالها عليه، وتعدد ما فعلته له، وتشيد بوقوفها ومواقفها معه، وكأنه لا فضل له عليها، ولا إحسان جرى منه إليها، ولا خطأ ولا تقصير وقع منها معه.

 تراها إذا تزوج زوجها بأخرى تعدت على حقوق أبنائها وبناتها فدفعت بهم إليه، وجعلت رِعايتهم عليه وحده، وذهبت إلى بيت أهلها، وقد يكون بعضهم لا يزال يرضع أو لا يقوم على نفسه بعد، وكأنها تعاقبه على زواجه، وتؤدبه حتى يطلق ولا يفكر في العودة إلى مثل ذلك.

 ولا ريب أن هذا وزر وسفه، وحمق ونقص دين، وإثم وقبح، وإلا فحقوق الأولاد لم يوجبها الله على الأب وحده أو الأم وحدها بل عليهما جميعاً، ومن أخل منهما بشيء لَحِقَه من لإثم بقدر ما وقع منه من خلل وتقصير.

 وترك الأولاد بسب ذلك من مظاهر ضعف الأمومة، وضعف الرحمة والشفقة أو ما يسمى بالإنسانية.

 ولا يجوز معاقبة أحد فَعَل ما أحلَّ الله له، والتضييق عليه وأذيته حتى يدعه.

 تراها إذا تزوج زوجها بأخرى قاطعت وهجرت وتكلمت في كل من لم يقف معها ضده من نساء أو رجال من أهلها أو أهله، ناهيك عن موقفها ممن ساعده أو أعانه في زواجه برأي أو خدمة أو عمل أو مال أو أضافه وزوجته الأخرى ودعاهم لزيارة أو وليمة.

 بل إن بعض النساء يتصلن بأهل العلم فتذكر عن زوجها من الفظائع ما لا يجوز لها أن تبقى معه ولا ليلة واحدة، وما يدل على أنه من شرار الناس وعتاتهم وغلاظهم وظُلَّامِهم الذين لا يُصبر عليهم، وإذا به يفاجئ بأن لها معه على هذه الحال السنين الكثيرة جداً، وأن الباعث لها على إخراج هذا الكلام وعدم مواصلتها الحياة مع الزوج هو زواجه بثانية.

 فحينها يعلم أن ميزان العدل عندها قد اختل وانحدر، حيث تصبر عليه وتبقى معه مع أنه لا يجوز لها البقاء أو لا يستحسن، وتفارقه وتهجره ولا تصبر عليه إذا فعل ما أحلَّ الله له.

 

 

وفي الختام:

 هذه الكلمة مجتزأة من محاضرة بعنوان:

 إشارات تخص المرأة”.

 لعبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.