قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

العبرة بما قام عليه الدليل من الآراء المختلفة

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله

والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:


قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾، نسمع ونقرأ لمن يقول الاختلاف في الآراء رحمة والآخر يقول الأخذ بالخلاف فيه تيسير على الناس. ونقول لهؤلاء:

  • أولاً: الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ﴾، والرد إلى الله هو الرد إلى القرآن والرد إلى الرسول هو الرد إلى السنة ويتولى ذلك

العلماء المتخصصون، ونقول.

  • ثانياً: إن اليسر والسهولة فيما شرع الله في كتابه وسنة رسوله. وأما الأخذ بالآراء المخالفة للكتاب والسنة فهو مهلكة قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا

فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

يقول بعض العلماء:

وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلاف له حظ من النظر

 

  • ثالثاً: نقول الأخذ بالأقوال التي لا دليل عليها يعتبر من اتخاذ الأرباب من دون الله - قال تعالى عن النصارى ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ

ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، ولما سمع عدي بن حاتم رضي الله عنه هذه الآية قال يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم قال ﷺ:

(أليسوا يحلّون ما حرَّم الله فتحلّونه ويحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه قال: بلى. قال فتلك عبادتهم).

وهناك من يقول إن الوقت الآن قد اختلف فلا يناسبه إلا الأخذ بالآراء التي توافق أهواء أهل هذا العصر - وهذا القول معناه أن الشريعة غير صالحة لكل زمان ومكان ولا

أن شريعة الله عامة للأولين وللآخرين إلى أن تقوم الساعة والرسول ﷺ يقول: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من

بعدي). ونسمع من يقول: إن الخلاف رحمة - فنقول الرحمة هي بالاجتماع وليست في الاختلاف والله تعالى يقول: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) ، ويقول ﴿وَلاَ

تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ، ويقول جلَّ وعلا: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾، وهم الذين لم يختلفوا فإن الله قد

رحمهم.

قال الإمام مالك: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها)، فلا نجاة إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة في كل زمان ومكان، وفَّق الله الجميع لما فيه

الخير والصلاح.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.



كتبة
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
27 / المحرم / 1436 هـ