قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

مناهج الجماعات و الأحزاب المعاصرة



إن الأمة الإسلامية أمة واحدة، كما قال تعالى:{ إن هذه أمتكم أمة واحد و أنا ربكم فاعبدون}[ الأنبياء:٩٢].

و سبيلها و طريقها واحد كما قال تعالى: { و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}[الأنعام:١٥٤].

و إننا نرى في الساحة الإسلامية جماعات و أحزابا معاصرة متعددة، كل جماعة جعلت لنفسها اسما، و خطت لها منهجا، و تدعو عن طريقه و في حدود معالمه إلى الإسلام.

و في نفس الوقت تجد هذه الجماعات و الأحزاب متفرقة متخاصمة تفرق و تخاصم تلك الجماعات و الطوائف السابقة.

ثم إن هذه الجماعات و الأحزاب توالي و تعادي في نطاق ذلك المنهج الذي رسمته لأتباعها، و تلزم المنتمي إليها بعدم الخروج على منهجها، فهو محجور عليه، فلا يأخذ و لا يعطي إلا في حدوده المرسومة و تحت شعارها،لأن في نظر زعمائها و منظريها أن الإسلام و جميع تعاليمه محصورة في هذا المنهج، و قد نتج عن ذلك الأفق الضيق البعيد عن منهاج الطائفة المنصورة بدع كثيرة ممقوتة، نذكر بعضا منها:

التعصب الحزبي: للأفكار أو الاشخاص أو الشيوخ، الذي جاءت تعاليم الاسلام للقضاء عليه، فليس في الاسلام تعصب لحزب، أو قبيلة، أو بلد، و إنما ذلك من أعمال الجاهلية، فقد جعلت هذه الجماعات أو الأحزاب الولاء و البراء هو الإنتساب إليها؛ و على ذلك فإن المنتمي للحزب او الجماعة يبجل و يعظم و يرفع شأنه، فالمؤهل لذلك كله هو الانتماء - لا العلم و التقوى.

و نتج عن ذلك: أن المخالف لهذه الجماعة و منهجها - غير المنزل - و إن كان على الحق، فيحط من قدره، و يشاع عنه بأنه ضيق الأفق، قاصر الثقافة، لا يعرف واقع الأمة و الاخطار التي تحيط بها، حتى ينفر الشباب عنه، فلا يستفيدون من علمه و تجاربه و لو كان عالما تجاوز عمره السبعين.

و معلوم: أن الميزان الشرعي لتقويم الأشخاص هو العلم و التقوى: { إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. و ليس الانتماء او عدمه.

و الميزان للأفكار و المناهج: هو الكتاب و السنة:{ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنو بالله}. و ليس الرد لرأي فلان، أو قول فلان، أو منهجه.

و من نتائج هذا التحزب: التفرق، و الخصام، و العداء، و الخلاف المستمر، و الفشل المحقق على الساحة الدعوية.

أما دعوى أن الجميع يعملون للإسلام، و سيلتقون عند حصول الثمرة.
فهذه الدعوى تبطلها الخلافات القائمة بين هذه الجماعات لاختلاف مناهجها و اهدافها، و الانشقاقات الحاصلة بين بعضها، و أعتقد أن هذه الامور لا تحتاج إلى دليل؛ لظهورها في كل مكان.

و على ذلك: فهل يوجد فرق حقيقي بين مناهج تلك الفرق السابقة التي ذكرنا نموذجا مما ذكره شيخ الاسلام- عن المعتزلة- و بين المناهج المعاصرة غير الأسماء؟ و الاسماء لا تغير الحقائق.

إن هذا مصداق قوله صلى الله عليه و سلم في افتراق الأمة إلى تلك الفرق المتعددة في الأهواء.

فهل من تعاون على البر و التقوى و اعتصام بحبل الله جميعا كما قال تعالى:{ يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن الا و انتم مسلمون و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا و اذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آيته لعلكم تهتدون}[آل عمران: ١٠٢-١٠٣]

 



البدعة ضوابطها و أترها السيء في الأمة - الشيخ علي الفقيهي