قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

تناقضات ومغالطات القباج في تحذيره ممن يلقبهم بالمداخلة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، نبينا محمد وآله وصحبه ومَن بِسنته اهتدى.

قال الله عَزَّ وجَلّ في سورة التوبة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (الآية 119).

 

يأمرنا ربنا عز وجل في هذه الآية الكريم بأن نقوم بما يقتضيه منا إيماننا بأن نكون مع الصادقين في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم كلها. فنسأل الله أن يجعلنا جميعا من أهل الصدق وأن يجعلنا مع الصادقين.

 

(القباج وأصحابه هم من بدؤوا بالبغي علينا)

أما بعد:

فقبل أيامٍ؛ بدأ المدعو (حَمَّادُ القَبَّاج) وصاحبُه (عبدُالله مخُلص) حملةً شرسة ضد أهلِ الحديثِ السلفيين الذين يُصِرُ القباج وأمثاله على تلقيبهم بـ(المداخلة!)، فَكَتَباَ –أصلحهما الله- مَقَالَيْنِ هَزيلين يطعنان فيهما في أهل الحديث ويُنفران الناسَ عن نشاطاتهم الدعوية ودوراتهم الشرعية العلمية بأكاذيبَ فاضحةٍ واتهاماتٍ جائرةٍ، فرددتُ عليهما بمقال متواضع مُفيد بَيَّنَتُ فيه مَدى الحقد الناضح والتناقض الفاضح الذي غرق فيه الكاتبان وأنصارُهما، وذلك أن آل  القباج (أعني القباج وأنصاره) يقررون دائماً بأن الحق يؤخذ مِن كل شخص ولو مِن الشيطان، وأنه ليس مِن الحكمة الاشتغال بالطعن والتحذير مِن الدعاة الإسلاميين مهما اخْتُلِفَ مَعهم، وأنه يجب علينا تكثيفَ الجهودِ ضدَ الكفار والعلمانيين إلى غيرها مِن التقعيدات التي سَرعان ما يتناساها آل القباج ويُعَطِّلُونَها عند كلامهم على مَن يلقبونهم زوراً وبهتاناً بالجامية والمداخلة!

وكَأَنَّ هؤلاء المتناقضون قد أجمعوا على أنَّ أهل الحديث -علماءَ وطلبةَ علم- ليس فيهم داعية مُعتبر، ولا عندهم عِلمٌ يُذكر ولا مَعهم خَير يُشكر ولا زلة لهم تُغتفر!!

 

ولم يكتف آل القباج بَبخس أهلِ الحديث أدنى حقوقهم حتى زادونا مِن التهم الجائرة فجعلونا مِن أهل التطرف والغلو الفاحش، بل وشبهنا بعضهم بالخوارج الدواعش! وهذا والله عين الجور والظلم. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

ثم لما رأى المدعو (عبدالله مخلص) أنَّ العقلاء لم يتفاعلوا مَع مقاله الأول، لافتقاره للأدلة الشرعية والعقلية، عَقَّبَ بمقالة ثانية أو قُل بصرخة ثانية فارغة –كأختها- مِن أدلة الوحيين النيرة، ملأها بالتهم الجزافية التي استفادها كما صرح بنفسه مِن وكالات الدراسات الأمريكية!

 

ولأن (مخلص) أحس بِضَعفه أمام شهبِ أهلِ الحق، ختم مقالته بالاستغاثة بصاحبه القباج! لِيشد مِن أزره في هذه الحرب الظالمة، وما دَرَى المسكين أنَّ القول والشخص المنكر لا يَعْتَضد بِمُنكرٍ مِثله لا في المتابعات ولا الشواهد.

 

والحمد لله أني رددتُ عليه مرة أخرى بمقال متواضع بعُنوان (تبصير القاصي والداني إلى حقيقة صُراخ عبدالله مُخلص الجاني) وضحتُ فيه أن ما يزعمه مِن النصيحةِ للمغاربة وخوفه عليهم ممن يلقبهم بالمداخلة – أُسلوب فاشل يستخدمه الفارغون للتنفير مِن أهل الحق، وبينتُ أنَّ نصيحته هذه أشبه ما تكون بنصيحة فرعون لقومه حين حذرهم مِن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام وقال لهم: (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)!! وتبين لجميع القراء أنَّ مقالة مخلص مُجرد لَغَطٍ وهُرَاء لا يَقبلها أحدٌ مِن العقلاء فنفثتُ فيها بأدلةٍ مِن القران والسنة الغَرَّاء فاضمحلت كلها –بحمد لله- وتَبخرت في الهواء.

 

فانصرف بعدَ ذلك كلُ عاقل زَكِيٍّ إلى سعيه، واشتغل كل رجل ذكيٍّ بما يَعنيه، وعاد كل مُبْطِلٍ طَعَّانٍ إلى جُحره، فهدأت المواقع والتعليقات إلى أنْ خرج علينا مًرة أخرى المُفكر العَجَّاج المدعو حَمَّاد القباج بمقالة باسلة كالأُجاج لا تصلح للسجال فضلاً عن اعتمادها في الاحتجاج، فمآلها حتماً -بعون الله- أنْ تُمَزق بسلطان الحق لتلحق بالعجاج.

 

وقد سمى القباج مقالته الجديدة بـ(من يقف وراء الترويج لفتنة التيار المدخلي في المغرب؟).

 

(تناقضات واضحة في منهج آل القباج)

وأول ما يظهر لمن تابع هذا المقال هو التناقض العجيب الذي يظهر في منهج القباج وكذا أنصاره مِن خلال تعليقاتهم على مقاله؛ ويتمثل هذا التناقض في مخالفتهم لما يؤصلونه لأتباعهم في كثير مِن تقريراتهم، وتفسير ذلك كالآتي:

 

أولاً: أن آل القباج يَعيبون دائماً على أهل الحديث السلفيين تحذيرهم مِن الدعاة المنحرفين والجماعات الإسلامية المخالفة لمنهج السلف الصالح بزعم أن هذا مِن الغيبة المحرمة والخوض في أعراض العلماء والدعاة وأنَّ لحوم العلماء مسمومة!… الخ

 

وفي نفس الوقت نجد آل القباج لا يتوانون في تسليط أقلامِهم وألسنتهم بالطعن في أهل الحديث -علمائِهم وطلبِتهم وعوامِّهم- ولا يرعون لهم حرمة ولا يرون لهم غيبة! فحُق لنا أن نتساءل؛ هل السلفيون الذين يطعن فيهم القباج ويصفهم بالغلو والتعالم ويُشبههم بالجراد وبأنهم يعيشون في بيئة ملوثة إلى غير ذلك من الأوصاف المشينة – هل هؤلاء السلفيون ليس لهم حرمة في الإسلام؟ وهل الكلام فيهم بالغيبة جائز ومشروع! وهل لحومهم حلال شهية! إنه والله تناقض عجيب.

 

ثاني هذه التناقضات التي وقع فيها القباج أنه يؤكد دائماً على تطبيق “منهج الموازنات” عند الرد على المخالف، ويقصد بذلك أنه لابد مِن ذِكر حسنات المخالف عند الرد عليه لأنَّ هذا –كما يزعم- مِن العدل والإنصاف للمخالف!

 

والحق أن هذا المنهج غير مُلزم ولم يَلتزمه أئمة الإسلام في رُدودهم الكثيرة على أهل البدع قديماً وحديثاً، وإنما أحدثه بعضُ أهلِ البدع في عصرنا للدفاع عن رؤوس الضلال، وقد حكم ببطلانه أئمة هذا الزمان كابن باز والألباني والعثيمين رحمهم الله وانظر غير مأمور شريط بعنوان (من هو حامل لواء الجرح والعديل) والشرط رقم 850 من سلسلة الهدى والنور تجد أن الألباني (يحكم على منهج الموازنات بأنه منهج مبتدع وأن الذين اخترعوه يخالفون الكتاب ويخالفون السنة، السنة القولية والسنة العملية، ويخالفون منهج السلف الصالح).

 

لكن أقول لأخواني العقلاء؛ لو فرضنا جدلاً صواب منهج الموازنات هذا؛ فلماذا لا يطبقه آلُ القباج عند تحذيرهم مِن السلفيين أهل الحديث؟! أليس لنا نحن أيضاً حسناتٌ يحسنُ ذِكرها ويَجِبُ التنويه بها؟ أترك الحكم للعقلاء المنصفين.

 

التناقض الثالث: يُنكر القباج كثيراً تصنيف الناس والجماعات ويحذر مِن التنابز بالألقاب!

 

ولكن –وكعادته في عدم التزام ما يأمر به- نراه هو وأتباعَه يخالفون تأصيلاتِهم فيصنفون السلفيين ويلقبونهم بـ(الجامية والمداخلة) فنتساءل: هل نفهم من تصنيفكم لنا أنكم تعتبروننا ومشايخنا مبتدعة ؟!

 

التناقض الرابع: لا نكاد نجد لآل القباج شيئا صالحاً يطعنون به فينا سوى أننا نحذر من بعض الدعاة والفرق الإسلامية فيعيبون علينا أننا نتكلم في فلان ونجرح علان، وهذا هو عين (الامتحان بالأشخاص) الذي ينكرونه ويقولون أنه بدعة وهذا لجهلهم بمنهج السلف الذين ذكروا منهج (الامتحان بالأشخاص) في كتبهم وطبقوه في مواقفهم، فآل القباج يبغضوننا لاختلاف مواقفنا من بعض الدعاة والفرق.

 

والحق؛ أن الامتحان بالأشخاص أصل سني أصيل مبني على أصل الولاء والبراء،  وهو بكل بساطة ما يعبر عنه المغاربة بالمثل المعروف: (مْعَ مْنْ شْفْتكْ مْعَ مْنْ شْبْهتَكْ!)، وأحسن من ذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. وجاء في صحيح البخاري أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال : (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار).

 

وقال الإمام البربهاري رحمه الله في كتابه شرح السنة: (…وإذا رأيت الرجل يحبُّ أحمدَ بن حنبل والحجاج بن المِنهال وأحمد بن نَصر وذَكرهم بخير، وقال قولهم فاعلم أنه صاحب سنة).

 

وقال أيضاً رحمه الله: (وإذا رأيت الرجل يذكر-(أي بمدح)- المريسي أو ثمامة وأبا الهذيل وهشام الفوطي أو واحداً من أتباعهم وأشياعهم فاحذره فإنه صاحب بدعة).

 

وذكر الحافظ المزي رحمه الله في تهذيب الكمال (18-185) عن سفـيان قال: (امتحنُوا أهل الـمَوْصل بالمُعافـى فَمن ذكره ـ يعنـي بخير ـ قلتَ: هؤلاء أصحابُ سُنَّة وجماعة، ومن عابَهُ قلت: هؤلاء أصحاب بِدَع).

 

وقال الإمام أبو حاتِـم الرَّازي رحمه الله: (إذا رأيتَ البَغْداديَّ يُحِبُّ أحمد بن حنبل فـاعلـم أنه صاحبُ سُنّة، وإذا رأيتَهُ يُبغض يحيـى بن مَعِين فـاعلـم أنَّه كَذَّاب). تهذيب الكمال : (20/220).

 

وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيميّةَ رحمه الله: ( وَمَعْرِفَةُ أَحْوَالِ النَّاسِ: تَارَةً تَكُونُ بِشَهَادَاتِ النَّاسِ، وَتَارَةً تَكُونُ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَتَارَةً تَكُونُ بِالِاخْتِبَارِ وَالِامْتِحَانِ). مجموع الفتاوى (330/15).

 

والنقول في هذا كثيرة عن السلف فارجع إلى كتب أئمة السلف كشرح السنة للبربهاري وعقيدة السلف أصحاب الحديث للإمام أبي عثمان الصابوني وغيرها من كتب الاعقتاد، لتزداد يقيناً يا طالب الحق.

 

خامساً: القباج دائماً يصور لأتباعه أنه متجرد للحق وأنه من دعاة الحوار وأنه ممن يقبل الأخذ والرد وهذا كله مِن ذر الرماد في العيون كما يقال، وإلا فما ننشر رداً علمياً عليه في صفحته إلا ويحذفه ويحجب مَن نشره، وهذا مِن سياسة القمع والاستبداد التي يُنكرها القباج على الحكام الظلمة كما يردد دائماً، وإني أتخيل ما كان فاعلا بنا لو كانت بيده السلطة والقضاء! فاللهم سلم سلم.

 

فهذه أبرز التناقضات التي وقع فيها القباج هداه الله في مقاله الذي تحامل فيه كثيراً على أهلِ الحديث وعلمائِهم وحاولَ جُهده أنْ يَحُطَّ مِن قدرهم ويُنفر الناس منهم. وقد استخرت ربي في الرد عليه مرة أخرى، وأرجو من إخواني أن يعذروني إذا وجدوا بعض القسوة في كلامي فقد رأيتم أنه هو مَن بدأ بالرد علينا وبغى علينا ووصفنا بالجراد وأننا نعيش في بيئة متلوثة ووصف علماءنا بالألغام المفخخة إلخ.. وقد قال ربنا عز وجل في سورة النساء: (لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) (النساء-148).

 

وذَكَر المُفسرون في تفسيرهم لهذه الآية الكريمة أقولاً منها ما نُقل عن ابن عباس رضي الله عنهما والسدي رحمه الله أنه: (لا بأس لمن ظُلم أن ينتصر مِمَّن ظَلَمَهُ بِمثلِ ظُلمه ويَجهر له بالسوء مِن القول).

 

(سبب هجوم القباج على السلفيين أهل الحديث)

 

ولا أخفيكم أيها الإخوة الكرام أني حاولتُ جُهدي أن أتفهم سبب هجوم القباج على السلفيين، مع أننا لم نتعرض لشخصه قط! فقلتُ لعل أحدًا مِن إخواننا طلبة أهل الحديث سَجَّل فيه شريطاً أو كَتَبَ عليه رداً فأغضبه وأثاره علينا! ولكن بعد بحث وتنقيب لم أجد شيئاً مِن ذلك، فأيقنتُ حينها أن سبب ثورته علينا هو أنه أغاظه ما يَراه مِن تكاثر السلفيين في ربوع مملكتنا المغربية الحبيبة وتزايدِ نشاطاتهم ونجاحِ دوراتهم العلمية الشرعية وإقبالِ كثيرٍ من الناس على دعوتهم النقية الصافية، وهذا ما عَبَّر عنه القباج واصفاً منهج أهل الحديث بـ(سرعة الاستنبات).

 

فأقول: كان الأجدر بك أن تفرح بتزايد أهل الاستقامة والتوحيد والإتباع لا أن تتضجر بهم وتتطير بهم، ثم إن ما ذكرتَه مِن سرعة الاستنبات والانتشار هو مِن فضل الله اللطيف القدير، فله الحمد والشكر والمنة، ونسأله سبحانه أن يبارك لنا في ما أعطانا، ولا غرابةَ أنْ يكتبَ الله لصاحبِ الحق القبول في الأرض فهذا مُوافق لما ضربه الله مثلاً للمؤمن حين قال سبحانه: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) فقد ذَكَر أئمة التفسير كالطبريِّ وابنِ كثيرٍ رحمهما الله في تفسير هذه الآية أقوالاً ومنها ما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما والسدي وقتادة ومجاهد رحمهم الله أنه مَثَلٌ ضَربهُ الله  للمؤمن: الذي سَمِع كتاب الله فَوعاه وأخذ بِه وعمل بِه وانتفع به كمثل هذه الأرض أصابها الغيث فأنبتت وأمرعت. انتهى

 

فبلدنا ولله الحمد والمنة فيه خير كثير، ولكن لا ننكر أنه يوجد لدى كثير من إخواننا المغاربة أخطاءٌ في كثير مِن مسائل الدين، ولا ننكر أيضاً أن المغاربة العقلاء لم يعودوا يركنون إلى علماء السوء ودعاة الفتنة -وإن كانوا مغاربة أبا عن جد- وسواء كان أولئك العلماء مِن الذين يُقرُّون الخرافات والطواف بالقبور والاعتقاد في الأموات وتقبيل الأحجار والأشجار أو مِن الذين يرقصون ويتمايلون كالمجانين في ما يزعمون أنه حِلق ذكر وغيرها مِن البدع المنكرة الدخيلة على ديننا الحنيف أو كانوا من دعاة التطرف والتكفير والتفجير والإرهاب فكل هؤلاء علماء ضلال ودعاة شر وفتن نسأل الله أن يهديهم جميعا للحق والصواب.

وفي نفس الوقت نعتقد أنَّ المغاربةَ العقلاء يُحبون ويُجلون الحقَّ وأهلَه ويُحبون العلماء والدعاة المعتدلين الصادقين، ثم المغاربةُ لم يحصروا الحق في يوم مِن الأيام في بَني جلدتهم ولا اختزلوه في علماء قُطرهم فهم -ومِن عهد قديمٍ- يعتزون بعلماء أجلاء ليسوا مغاربة ويعتمدون كتبهم كما هو الحال بالنسبة للإمام مالك بن أنس فهو مِن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاعتماد كتاب الرسالة للإمام السلفي المالكي ابن أبي زيد القيرواني وهو مِن تونس، وتدريسهم لكتاب مختصر خليل للفقيه خليل بن إسحاق الجندي وهو من مصر، إلى غير ذلك.. بل حتى أبو الحسن الأشعري فهو من البصرة، وهكذا الجنيد السالك فهو مِن بغداد..الخ

فالمغاربة الطيبون يحبون العلماء العاملين والدعاة الصادقين الذين يستفيدون منهم ما يجهلونه مِن أمور الدين أو مَا يُصححون به ما اختلطَ عليهم مِنها خصوصاً أمورِ العقيدةِ والتوحيدِ، وأيضًا يفرحون بمن يُعلمهم هدي النبي صلى الله عليه وسلم الشامل لكل مناحي الحياة ليقتدوا به في عبادته وأخلاقه وسلوكه صلى الله عليه وسلم، ويحبون كل من يفيدهم بشيء من الأعمال الصالحة التي تقربهم إلى خالقهم وجنته ومرضاته وتبعدهم عن النار وسخط الله وغضبه.

فنسأل الله لنا ولجميع إخواننا المغاربة الفقه في الدين والعمل الصالح.

 

( بعض الحقائق الصادمة عن شخصية القباج)

 

وقبل الشروع في بيان مغالطات القباج في مقاله الأخير، هناك أمر جد مهم أحب أن أفيد به إخواني الفضلاء، وهذا الأمر كافٍ –بإذن الله- في بيان حقيقة صاحبنا القباج وبيان سبب انفعاله وتوتره وكثرة تخبطه خصوصاً في الآونة الآخرة؛ وهو أنه يعيش في أزمة شديدة لِكَونِه قريبَ عهد بالطرد والإبعاد مِن جماعته الأُم التي تربى فيها ونشأ في ظلالها، كما أنه حديثُ عهدٍ بصفعة قوية وصكة مدوية مِن شيخه ووالده ومُربيه محمد المغراوي الذي صَرَّح في لقاء جَمع غالب أتباعه مِن جميع المغرب أنه جد فرح ومسرور بسبب الانفكاك من بعض أصحابه الذين انفصلوا عنه مؤخراً وأنه لم يأسف على خساراتهم وأنه لم ولنْ يبكي أبداً على فقدهم، بل حَلف المغراوي بالأيمان المغلظة أنه ينبغي له أن يسجد لله ألف سجدة فرحاً وشكراً لهذه النعمة العظيمة مع أن المغراوي كان يشركهم معه في المحاضرات والندوات إلى وقت قريب! وقد أطلق عليهم المغراوي ألقاباً متنوعة بالدارجة المغربية! كـ(الهبيل)! و(المخلخل)! و(الدْرِّي الصْغِير)!

 

ولا أخال المغراوي يقصد بهذا القصف إلا تلميذيه العاقين الآبقين! (حماد القباج وعادل رفوش) وأمثالهما، وهذا الأخير –أعني رفوش- يلقبه القباج بشيخنا العلاَّمة المُجتهد! ويشهد له بأنه توفرت فيه شروط الاجتهاد!! ولا عجب؛ فكيف لمن وصفه شيخُه بـ(المخلخل) و(الهبيل) أن يفرق بين الذهب الصافي والمعدن المغشوش، فضلاً عن أن يميز بين العلماء المجتهدين والشاعر رفوش!

 

المهم، هذه قضية جانبية كما يقال؛ لا أحب أن أتشعب بكم في تفاصيلها؛ لكن يظهر لكل ذي عقل أنها مُجردُ مسرحيةٍ مختلقة، وتصفيةِ حسابات حزبية، ومراعاةٍ لمصالحَ ومفاسدَ شخصيةٍ لا شرعية! خصوصًا أنَّ الجاني والمَجني عليهما يشتركان في ذات التهمة الملفقة ولكن كما يقال: كلٌّ يَلعب بطريقته الخاصة! وعلى أي؛ فهذه بعض أخبار الجمعية التنسيقية ولا يزال في الزوايا خبايا!

 

وحيث أنَّ القباج قد تخلص بدوره مِن ربقة الجمعية وتحرر مِن قيودها الحزبية فقد رأى أنْ يُخرج ما كان يخبئه مِن أفكارهِ المَستورة لأنه –في نظرته الضيقة- لم يَعُدْ عنده شيء يَخسره، ولابد له مِن البحث عن جمهور جديد يَحتضنه، ونَسِيَ الغافل أنَّ رَبَّهُ لا يزالُ يَسمعُه ويُبصره وإن استقال أو أُقيل مِن التنسيقية! ولكن مع الأسف هذه نتائج التربية الحزبية!

 

وبكل مرونة وسهولة؛ تنحنح القباج قليلاً عن وِجهته! ونفض بعض الأصول القديمة مِن جرابه! ليبدأ حياةً جديدةً في مجالسَ مغايرة يقيم فيها جلساتٍ حواريةٍ وندواتٍ سياسية! طافحةٍ بمنكراتٍ شرعيةٍ أدناها ما يظهر لكل أَصمٍ أبكمٍ؛ أعني: جلوسَه وتربعه في مجالسَ مختلطةٍ لم يُراع فيها التفريق بين الكراسي الذكورية والنسوية!

 

كما رأيتُ له مقالاتٍ فكريةٍ عجيبةٍ يُؤصل فيها الدعوة إلى إنصاف أهل الكلام من مُؤوِلي صفاتِ ربِّ البريةِ والتقارب معهم! ورأيتُ له أيضاً قولاً عجيباً في استنباط الأحكام الشرعية، وهو حكمه بمشروعية التصوير المحرم لكونه ظفر بصورة قديمة لبعض العلماء الأفاضل رحمهم الله! وإني أخاف أن يقتدي به أتباعه في هذا الاستباط العجيب فيقرروا هم أيضاً مشروعية الاختلاط بين الجنسين في الدروس العلمية وغيرها استدلالا بما يرونه مِن صور القباج وأفلامه الكثيرة! بل أخاف أكبر مِن ذلك وهو أن يظن أتباعُهُ أنَّ معنى الوسطية في الإسلام هي أن يجلس الداعيةُ بين امرأتين عند إلقاء محاضراته الدينية! ويستدلوا على ذلك بندوة الوسطية التي أدارها القباج مع زميلتيه في آسفي! ليحمل أوزاره ومن أوزار الذين يضلهم بغير علم، ومِن البلاء ما يُضحك! والعياذ بالله مِن كل فتنة وبلية! واللهم لا شماتة.

 

ومع كل هذا التمييع والتخبط والفتن التي يغرق فيها القباج إلا أنه لا يُفوت فرصة إلا ونبز السلفيين السنيين الشرفاء أهلَ الحديث، خصوصاً علماءَهم الأجلاء كالعلامة ربيع المدخلي الذين لا وجه لمقارنته معه بتاتا لا في السن ولا في العلم!

 

فبإطلالة خفيفة في موقع الشيخ العلامة ربيع المدخلي وموقع حماد القباج نجد أنفُسَنا بين شخصيتين متباينتين وترجمتين متناقضتين لا وجه للمقارنة بينهما فضلا عن المقاربة، فالعلامة المُحدث والأستاذ الدكتور ربيع المدخلي قد بلغ مِن عمره (86سنة) اللهم بارك، والقباج مِن مواليد ( 77 من تاريخ النصارى) يعني لم يبلغ أشده بعد!  لأنه دون الأربعين! وأيضاً القباج ذكر مِن شيوخه مَن هم في مرتبة تلاميذ تلاميذ العلامة ربيع المدخلي!

أما عند النظر في المسيرة العلمية لكل منهما والأخذ على الأشياخ الكبار وثني الركب في حلقهم، ناهيك عن المستوى الدراسي والشهادات الأكاديمية؛ فكما يقول أهل مراكش :لا علاقة! وكما قال العرب قبلهم: أين الثرى من الثريا!

 

فنقول للقباج هداه الله:

يا ناطحًا جبلاً يومًا لِيُوهِنَهُ * * * أشفق على الرأس لا تُشفق على الجبل

 

ومع هذه الحقيقة المرة؛ يأبى القباج إلا أن يَتقمص شخصية العلماء الكبار فَيُقحم نفسه في كبار المسائل ويتكلم في كل شيء كأنه ابن تيمية عصره! ويخوض في القضايا السياسية والنوازل الكبيرة التي لو عُرضت على أمير المؤمنين المُلهَم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر!  وهذا والله مِن علامات الساعة أن يتكلم الصغار في الأمور الكبار! فيا ليت القباج يُدركُ نفسه؛ ويُكَسِّرُ قلمه ويُمسكُ عليه لسانه و يَلزمُ بيته ويندمُ على خطيئاته ويَبكي حاله المزرية.

 

وأعتذر مِنكم أيها الفضلاء على هذا الاستطراد في كلامي -الذي لا يخلو من فوائد إن شاء الله- عن شخصية القباج التي لا شك أن مَن كانت تلك حاله لا يوفق للحق في أقواله ولا يسدد في أعماله، وهذا مَا يظهر جليا في مقالات القباج الأخيرة المليئة بالمغالطات المنكرة التي يعرف هو نفسُه بُطلانها وزَيفها، ولكن صدق ربنا عز وجل إذ قال: (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).

 

(ماذا قال أئمة هذا الزمان في العلامة المحدث ربيع المدخلي)

 

من هذه المغالطات أن القباج يعرف يقيناً مكانة العلامة المحدث ربيع المدخلي عند الأئمةِ الثلاثةِ (الألباني وابن باز والعثيمين) وغيرهم رحمهم الله، ووقف على ثنائهم ودفاعهم عنه في غير ما مناسبة. ولكنه أخفى كل هذه التزكيات وحجبها عن متابعيه ليعتمد في طعنه في الشيخ ربيع على كتابٍ لقيطٍ لرجل مجهول لقب نفسه بـ (صالح بن عبداللطيف النجدي) وأتحدى آلَ القباج أن يأتونا بتعريفٍ بهذا النجدي وترجمتِه إن كانوا صادقين، وبينهم وبين ذلك خرطُ القتاد كما يقال!

 

وأطلب منكم أيها العقلاء أن ترجعوا إلى موقع الشيخ ربيع لتنظروا في كلام الأئمة الكبار في الثناء عليه والدفاع عنه والذبِّ عن عِرضِه، وأستسمحكم في نقل بعض تلك التزكيات هنا :

 

فقد قال عنه شيخه الإمام العلامة عبدالعزيز بن باز مفتي الديار السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء رحمه الله: (الشيخ ربيع من خيرة أهل السنّة والجماعة، ومعروفٌ أنّه مِن أهل السنّة، ومعروفٌ كتاباتُه ومقالاته) (شريط بعنوان ثناء العلماء على الشيخ ربيع-تسجيلات منهاج السنة).

 

بل كان الشيخ ابن باز مِن ثقته الكبيرة بالشيخ ربيع يسأله عن بعض الأشخاص وعن مناهِجِهم ويطلب منه الرد على المخالفين، وكان يرسل له الخطابات في هذا الموضوع، ومما جاء فيها بعد السلام والتحية: (…أبعث لفضيلتكم بطية نسخة مِن الأوراق المتعلقة بالأخ في الله …. وأرجو مِن فضيلتكم الاطلاع ثم الإفادة عما تَعلمون مِن حاله حتى نتخذ اللازم على ضوء ذلك إن شاء الله…) وقال ابن باز رحمه الله في خطاب آخر: (فقد أخبرني فضيلة الدكتور محمد بن سعد الشويعر عن سماعكم لحديثِ المدعو نَزيه حَمَّاد المُذاع في إذاعةِ القرآنِ الكريم يوم الثلاثاء 12/6/1415هـ، ما بين الساعة (7-8) صباحاً، وأنَّ حديثه وقع فيه تأويلٌ للحياءِ وصفةِ الغضبِ عندَ الله جل وعلا، لذلك أرجو مِن فضيلتكم احتساب الأجر في الرد عليه وإيضاح الحق للمسلمين لأنني لم أسمع هذا الحديث. وفق الله فضيلتكم لكل خير وضاعف مثوبتكم إنه سميع قريب….)). انتهى.

 

فكما ترى أن الشيخ ابن باز كان يحض الشيخ ربيعاً على الرد على المخالفين لِما يعرفه رحمه الله أنَّ هذا أصل مَعروف مِن أصول أهل السنة والجماعة، ولمعرفته أيضاً بمنهجية الشيخ ربيع في الرد وقد أثنى الشيخ ابن باز على كتاب الشيخ ربيع (منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والطوائف والجماعات) فارجعوا إليه يا إخواني لعلكم تستفيدون.

 

وقال أيضا رحمه الله: (… بخصوص صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن علي آمان الجامي، والشيخ ربيع بن هادي المدخلي كلاهما من أهل السنَّة، ومعروفان لدي بالعلم والفضل والعقيدة الصالحة. قد توفي الشيخ محمد آمان / في ليلة الخميس 27 شعبان من هذا العام، فأوصي بالاستفادة من كتبهما. وأسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه). شريط صوتي.

 

وفي هذا النقل كما ترون ثناء الإمام ابن باز على العلامة محمد أمان الجامي أيضاً، وقد زكاه في مواطن أخرى، ففي خطاب له برقم: 64 في 9/1/1418هـ.، قال عنه رحمه الله: (معروفٌ لديَّ بالعلم والفضل و حسن العقيدة، والنشاط في الدعوة إلى الله سبحانه والتحذير من البدع والخرافات غفر الله له وأسكنه فسيح جناته وأصلح ذريته وجمعنا وإياكم وإياه في دار كرامته إنه سميع قريب).

 

وسئل الإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في شريط سمعي معروف أنه على الرغم مِن موقف فضيلة الشيخين ربيع بن هادي المدخلي ومُقبل بن هادي الوادعي في مُجاهدةِ البدعِ والأقوال المنحرفة، يُشكك بعضُ الشبابِ في الشيخين أنهما على الخط السلفي؟

 

فأجاب -رحمه الله-: (نحن بلا شك نَحمدُ الله -عزّ وجلّ- أنْ سَخَّر لهذه الدعوة الصالحةِ القائمةِ على الكتابِ والسنةِ على منهجِ السلف الصالح، دعاةً عديدين في مختلف البلاد الإسلاميةِ يَقومون بالفرض الكِفائي الذي قَلَّ مَن يقوم به في العالم الإسلامي اليوم، فالحَطُّ على هذين الشيخين الشيخ ربيع والشيخ مقبل الداعيين إلى الكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح ومُحاربةُ الذين يخالفون هذا المنهج الصحيح هو كما لا يخفى على الجميع إنما يَصدر مِن أحد رجلين : إما مِن جاهلٍ أو صاحبِ هوى.

 

الجاهل يُمكن هدايته ؛ لأنه يظن أنه على شيء مِن العلم، فإذا تبين العلم الصحيح اهتدى، أما صاحب الهوى فليس لنا إليه سبيل، إلا أن يهديه الله ـتبارك وتعالى – فهؤلاء الذين ينتقدون الشيخين ـكما ذكرناـ إما جاهلٌ فيُعلّم، وإما  صاحبُ هوى فيُستعاذ بالله مِن شره، ونطلبُ مِن اللهِ -عز وجل- إما أن يَهديه وإما أن يَقصم ظَهره).

 

ثم قال الشيخ الألباني: (فأريد أن أقول إن الذي رأيته في كتابات الشيخ الدكتور ربيع أنها مفيدة ولا أذكر أني رأيتُ له خطأً وخروجاً عن المنهج الذي نحن نلتقي معه ويلتقي معنا فيه).

 

وقال –أيضاً- في شريط (الموازنات بدعة العصر) بَعد كلامٍ له في هذه البدعة العصرية :

(وباختصار أقول: إن حامل راية الجرح والتعديل اليوم في العصر الحاضر وبحق هو أخونا الدكتور ربيع، والذين يَردون عليه لا يردون عليه بعلم أبداً، والعلمُ معه، وإن كنت أقول دائماً وقلتُ هذا الكلام له هاتفياً أكثر مِن مرة أنه لو يتلطف في أسلوبه يكونُ أنفعَ للجمهورِ مِن الناس سواءً كانوا معه أو عليه، أما مِن حيث العلم فليس هناك مجالٌ لنقد الرجل إطلاقاً، إلا ما أشرتُ إليه آنفاً مِن شيء مِن الشدة في الأسلوب، أما أنه لا يوازن فهذا كلام هزيل جداً لا يقوله إلا أحد رجلين: إما رجل جاهل فينبغي أنْ يتعلم، وإلا رجل مغرض، وهذا لا سبيل لنا عليه إلا أن ندعو الله له أن يهديه سواء الصراط).

 

وقد طار بعض الحساد بنصف كلام الشيخ الألباني هذا والذي تكلم فيه عن شدة الشيخ ربيع في بعض ردوده وفرحوا به ولم يلتفتوا إلى بقية كلامه الرزين لأنه خالف هواهم، مع أن الشدة لا تُذم دائماً خصوصاً إذا كانت في محلها، وانظر في تراجم السلف الكثيرة تجدهم يثنون على العالم السني بشدته على أهلِ الأهواء، بل العلامةُ الألبانيُّ رحمه الله أيضاً يلجأ إلى هذه الشدةِ في كثيرٍ مِن أشرطته وكتاباته، ولا يجهل هذا إلا مَن لا يعرف الألباني رحمه الله. ومن أراد أن يقف على بعض ذلك فليَكتب فقط كلمة (الشدة والبوطي في برنامج بحث سلسلة الهدى والنور للألباني يجد ما يشفي ويكفي).

 

وسئل الإمام العثيمين رحمه الله في لقائه مع العلامة ربيع السؤال التالي :

(إننا نعلم الكثير عن تجاوزات سيد قطب لكن الشيء الوحيد الذي لم أسمعه عنه وقد سمعته مِن أحد طلبة العلم ولم أقتنع بذلك، فقد قال: بأن سيد قطب ممن يقولون بوحدة الوجود، وطبعاً هذا كُفر صَريح؛ فهل كان سيد قطب ممن يقولون بوحدة الوجود؟ أرجو الإجابة وجزاكم الله خيراً.

 

فأجاب العثيمين –رحمه الله-: (مطالعاتي لكتبِ سيد قطب قليلة، ولا أعلم عن حال الرجل، ولكن قد كتب العلماء فيما يتعلق بمؤلفه في التفسير “في ظلال القرآن”، قد كتبوا عليه ملاحظاتٍ على كتابِه في التفسير مِثلما كتب الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله، وكتب أخونا الشيخ ربيع المدخلي ملاحظاتٍ على سيد قطب في تفسيره وفي غيره فَمن أحبَّ أن يُراجعها فليراجعها).

 

وقال العثيمين أيضاً في شريط “إتحاف الكرام” وهو شريط سُجّل في عُنيزة بعد محاضرة الشيخ ربيع فيها بعنوان “الاعتصام بالكتاب والسنّة”:

(إننا نحمد الله سبحانه وتعالى أنْ يَسَّرَ لأخينا الدكتور ربيع بن هادي المدخلي أن يزور هذه المنطقة حتى يَعلم مَن يَخفى عليه بَعض الأمور أنَّ أخانا وفقنا الله وإياه على جانبِ السلفيةِ طريقِ السلف، ولستُ أعني بالسلفية أنها حزب قائم يُضاد لغيره مِن المسلمين، لكني أريد بالسلفية أنه على طريقِ السلف في منهجه ولاسيما في تحقيق التوحيد ومنابذة مَن يُضاده، ونحن نعلم جميعاً أن التوحيـد هو أصل البعثة التي بعث الله بها رُسُلَه عليهم الصلاة والسلام.. زِيارةُ أخينا الشيخ ربيـع بن هادي إلى هذه المنطقة وبالأخص إلى بلدنا عُنيزة لا شك أنه سيكون له أثرٌ، ويتبين لكثيرٍ مِن الناسِ ما كان خافياً بواسطةِ التهويل والترويج وإطلاق العنان للسان، وما أكثر الذين يندمون على ما قالوا في العلماء إذا تبين لهم أنهم على صواب).

ثم سئل: ها هنا سؤالٌ حول كتب الشيخ ربيع؟

فأجاب -رحمه الله تعالى-: (الظاهر أن هذا السؤال لا حاجة إليه، وكما سئل الإمام أحمد عن إسحاق بن راهويه -رحمهم الله جميعاً- فقال: مِثلي يُسأل عن إسحاق! بل إسحاق يُسأل عني، وأنا تكلمتُ في أول كلامي عن الذي أعلمه عن الشيخ ربيع -وفقه الله-، ومازال ما ذكرتهُ في نفسي حتى الآن، ومجيئُه إلى هنا، وكَلمَتُه التي بَلغني عنها ما بلغني لاشك أنه مِما يزيد الإنسانَ محبةً له ودعاءً له). انتهى.

 

فيا ليت القباج وكل الطاعنين في الشيخ ربيع يستفيدون مِن نصيحة العلامة العثيمين فيتركوا عنهم التهويل والترويج للفتن وإطلاق العنان للسان في عِرض الشيخ ربيع ويندموا على ما سلف منهم، ويرجعوا إلى ما أحالهم عليه الشيخ العثيمين من ردوده على سيد قطب، وأنصح الجميع أن يسمعوا لهذا اللقاء المميز الذين جمع بين الشيخين العثيمين والمدخلي فهو مِن أنفس اللقاءات التي تُظهر مكانة الشيخ ربيع وقوة شخصيته حفظه الله وثبته.

 

فهذا غيض مِن فيض من ثناءِ الأئمةِ السلفيين على الشيخ الجليل ربيع المدخلي، فبالله عليكم مَن نصدق ومن نأخذ بكلامه: القباج الجاهل وصاحبُه المجهول (صالح النجدي) أم هؤلاء الأئمةِ الربانيين رحمهم الله أجمعين.

 

وإني والله أشفق على هذا القباج وأصحابِه وأخاف عليهم جميعاً أن ينتهي بهم هذا الطريق المظلم الذي يركضون فيه إلى ما لا تُحمد عقباه، فالطعن في العلماء بالباطل ذنب عظيم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب..) وقال ابن عساكر رحمه الله: (واعلم يا أخي -وفقنا الله وإياك- لِمَرضاته، وجَعلنا مِمَّن يَخشاهُ ويَتقيه حقّ تُقاته؛ أنّ لحومَ العلماءِ رحمةُ الله عليهم مسمومةٌ وعادةَ الله في هَتكِ أستارِ مُنتقصيهم مَعلومة، لأنّ الوقيعةَ فيهم بما هُم مِنه بَراء أَمرٌ عظيم، والتناولَ لأعراضهم بالزور والافتراء مَرْتَعٌ وَخِيم، والاختلافَ على مَن اختاره الله مِنهم لِنَعش العِلم خُلُق ذَميم)، وقال: (ومَن أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قَبل مَوته بموت القلب) (تبين كذب المفتري-ص 28).

(تراث سيد قطب هو منبع الفتن الذي يجب على الأمة ردمه)

 

عوداً أيها الإخوة إلى مقال القباج، فأقول وبالله وحده أصول وأجول:

مِن المسائل التي غالط فيها القباج قضية سيد قطب! هذا الرجل الذي جمع ضلالاتٍ كثيرةٍ بل كفرياتٍ صَريحةٍ. كاتهامه لنبيِّ الله موسى عليه السلام  بالتعصب القومي وأنه (نموذج للزعيم المندفع العصبي المزاج كما في كتابه السيء (التصور الفني في القرآن). وكقوله بوحدة الوجود عند تفسيره لسورة الإخلاص، هي عقيدة كفرية، وكطعنِه في الصحابة وعلى رأسهم الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي زعم سيد قطب أن الذين قتلوه كانوا أقرب إلى روح الإسلام منه! وزعم أيضاً أنَّ خلافته رضي الله عنه كانت فجوة بين الخلافتين! حيث قال في كتابه: (العدالة الاجتماعية): (ونحن نميل إلى اعتبار خلافةِ عليٍّ امتداداً طبيعياً لخلافةِ الشيخين قَبلَه، وأنَّ عهدَ عثمان كان فجوةً بينهما)، وكذا تكفيرُه للصحابي الجليل أبو سفيان وزوجه هند الذين قال عنهما قطب أن إيمانهما مجرد إيمان شفة ولم يدخل إلى القلب، واتهامُه أيضاً للصحابيين الجليلين معاوية وعمرو بن العاص بالكذب والنفاق والخديعة حيث قال في كتابه (كتب وشخصيات): (وحين يَركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك عليٌّ أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل. فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف مِن كل نجاح).

 

وقد رد على سيد قطب وحذر منه بشدة وقوة العلماءُ السلفيون الكبار كالعلامة عبدالله الدويش رحمه الله والعلامة ابن باز رحمه الله الذي عُرض عليه كلام قطب في نبي الله موسى فقال أن هذا ردة مستقلة، وأمر بتمزيق كتبه ومنع تداولها حينما عُرض عليه بعض ما فيها مِن الضلالات، وأيضاً العلامة العثيمين الذي كان يحيل على كتب العلامة ربيع المدخلي عندما يُسأل عن سيد قطب وكتبه، وصرح العثيمين أن سيد قطب قال بوحدة الوجود كما مر معنا قريباً بل نقل عن ابن العثيمين رحمه الله أنه قال: لولا الورع لكفرنا سيد قطب، وهكذا الإمام الألباني رحمه الله حذر منه وصَرح بموقفه مِنه بأوضح بيان عندما اطلع على كتابات الشيخ ربيع فكتب بخط يده يخاطب الشيخ المدخلي ما يلي: (كل ما رَدَدْتَهُ على سيد قطب حقٌ وصواب، ومنه يتبين لكل قارئ مسلم على شيء مِن الثقافة الإسلامية أن سيد قطب لم يكن على معرفة بالإسلام بأصوله وفروعه. فجزاك الله خيراً أيها الأخ الربيع على قيامك بواجب البيان والكشف عن جهله وانحرافه عن الإسلام). وحذر مِن سيد قطب غير هؤلاء كثير وكثير.

 

ويُعتبر سيد قطب مِن أكبرِ المنظرين للتكفير والتفجير وأهمِ مراجع الخوارج الإرهابيين في كل العالم، وقد اعترف بهذا الإخواني المعروف القرضاوي مشيراً إلى أن توجه قطب إلى التكفير ظَهر في كتاباته المتأخرة، خاصة في تفسيرِهِ الشهير “في ظلال القرآن” وكتابِه “معالم في الطريق” وأنقل كلامه هنا من باب: (وشهد شاهد من أهلها) قال القرضاوي: (في هذه المرحلة ظهرت كتب الأستاذ سيد قطب التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره، والتي تنضح بتكفير المجتمع، وتعجيل الدعوة إلى النظام الإسلامي بفكرة تجديد الفقه وتطويره، وإحياء الاجتهاد وتدعو إلى العزلةِ الشعورية عن المجتمع، وقطعِ العلاقة مع الآخرين وإعلانِ الجهاد الهجومي على الناس كافة..) (من كتاب القرضاوي -أولويات الحركة الإسلامية ص- 110).

 

فهذه حقيقة سيد قطب الذي يدافع عنه القباج وأمثاله ممن يشيدون بقطب الخوارج وكتبه الملغومة في كل مناسبة، كما فعل المدعو محمد زحل في المؤتمر الأخير الذي جعله هو لتدبر في ظلال القرآن حيث أشار فيه إلى تفضيله تفسير قطب على تفاسير السلف (كابن جرير والطبري وابن كثير) وأعرب للجميع عن شدة انبهاره بكتاب الظلال لأنه يربط القرآن بالواقع ويتعلم منه الدعوة والصبر!! وذكر لهم أبياتاً في الثناء على كتاب الظلال ومعالم في الطريق .. فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ ويا حسرة على قلب الحقائق.

 

وكما رأيتم أيها الأفاضل؛ فالعلماء المحققون نصروا الشيخ ربيعًا المدخلي في ردوده العلمية القوية على سيد قطب لأنه تعامل معه بكل أمانة علمية، حيث ينقل كلام سيد قطب مِن كتبه ويحيل على الجزء والصفحة والطبعة، ثم يَكِرُ على تلك الضلالات بأدلة الوحيين وكلام أئمة الدين فيزهقها ويدحضها بنور الحق.

 

وهذا هو المنهج الحق في الرد على الأخطاء والمخالفين! قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ( 4-186): ( فإن الرد بمجرد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد، والإنسان لو أنه يناظر المشركين وأهل الكتاب: لكان عليه أن يَذكر مِن الحجة ما يبين به الحق الذي معه والباطل الذي معهم). انتهى، فلابد لمن أراد أن ينتقد شخصاً أيا كان أن يذكر أوجه خطئه بالأدلة الدامغة من الوحيين وكلام أئمة السلف.

 

وتأييدُ هؤلاء الأئمة الكبار لأخيهم العلامة المجاهد ربيع المدخلي ردٌّ على كل مَن خالف الحق في هذه القضية الجلية، لذلك أدعو إخواني العقلاء إلى قراءة كتاب الشيخ ربيع المسمى (الحد الفاصل بين الحق والباطل) فهو نقاش علمي رصين مع الشيخ بكر أبو زيد –رحمه الله و