قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

كلام نفيس للشيخ ابن عثيمين عن الثورات

[كلام نفيس للشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – الثورات في شرحه على كتاب الصيام من كتاب الكافي شريط رقم 2 الوجه الأول] :

 

و (شقّ العصا) ليس معناه: حمل السلاح؛ بل مخالفة مَن له الأمر يُعتبر من (شقّ العصا)، أو ابتداء شق العصا؛ لأنّ الشَّقَّ عندما تَشقُّه هل ينشق جميعاً؟ واللا شيئا فشيئاً؟ حتى القميص ما تَشُقُّه جميعاً، تشقّه شيئا فشيئا، فإذا بلغت المخالفة والمبارزة لأولياء الأمور في مثل هذا: معناه أنّ الأمور ستكون فوضى.

ولهذا [أي من شق العصا أن] بعض الناس مثلاً في الدول الأخرى إذا سمعوا أنّ المملكة صاموا، ولكن ولاة أمورهم لم يَحْكُموا بدخول الشهر بعضهم يصوم! هذا غلط، نقول: موافقة الجماعة هي السنة، والمطالع تختلف، وسيأتينا إن شاء الله في الفصل الذي يليه أنّ المسألة محل خلاف بين العلماء، ولكن الراجح أن من كان تحت ولاية؛ فإنه لا يتعدّى ما تقول هذه الولاية، إن أخطئوا فعلى أنفسهم، وإن أصابوا فللجميع.

إذا ثبت عندهم [ أي ولاة الأمور] دخول الشهر بأي طريق رأوه وجب علينا الإتباع، لأننا لا نشقّ عصا المسلمين، وذلك لأنّ الشارع له نظر عظيم في عدم الاختلاف.

أرأيتم المصلي إذا كان مسبوقاً ودخل مع الإمام في الركعة الثانية، تختلف صلاته اختلافا عظيما، بسبب وجوب متابعة الإمام.

فالدِّين الإسلامي له نظر عظيم في اجتماع الكلمة، لأنّ الأمة إذا تفرّقت انشقّ العصا، وكما قلنا لكم في الليلة الماضية انشقاق العصا ليس يأتي دفعة واحدة، وإنما يكون شيئاً فشيئاً، يكون [في]الأول بالكلام، ثم يكون بالسنان.

وكم من كلمة أوقدت سعيراً عظيماً، وهذا هو المشاهد، والواقع يشهد له، وراقبوا البلدان لتنظروا فيها كيف تكون الكلمة توقد نيراناً عظيمة، ثم تجد الذين انغمسوا في ذلك الآن يتمنّون الخلاص.

إنسانٌ يكلمني بالهاتف قبل المغرب بخمس دقائق من بلادٍ ما، يقول: حرية المسلمين في أسبانيا أحسن من حريتهم في بلادهم!؟ بلادنا [يلزموننا أن نلبس] ثوبا معيناً، وأن لا نلبس القميص، وأن لا نتخذ اللحى، وفي أسبانيا إِلْبِس ما شئتَ، واعفِ لحيتك، وأذِّن بالصلاة، ويجتمع الناس لها!؟

كل ذلك من أجل الخلاف على ولاة الأمور، لأنّ ولاة الأمور في الواقع هم الذين بيدهم السلطة، وهل من المعقول أنّ بيضاً تلاطم حجراً!!؟؟ أو أنّ شخصاً يقابل القنابل بسكّين المطبخ!!؟؟ ما هو [بـ]صحيح هذا.

والإنسان لا يحكم على الشيء بمقتضى نار الغيرة، لكن ينظر للمصالح والمفاسد، وما يترتب على ذلك من أذى له ولغيره في المستقبل؛ بل وأذى للدعوة التي كان ينشدها، وللدين الذي كان يريد أن يقيمه، ما هي المسألة [بـ]هيّنة!؟

لكن لو أتى الأمرَ على وجهه لحصل الخير والهدوء، وطابت نفوس الولاة، وقالوا: نعم، هؤلاء يروننا شيئاً، ويروننا سلطة، وتنازلوا عن بعض ما يريدون، وهذا شيء مجرب؛ لذلك نرى أن مقابلة الشيء بالعنف لا يزيد الأمر إلا شدة، وأنّ أول الشيء يكون بكلمة، كلمة يظنّ الإنسان أنها بسيطة، ويقول: هذا من الصدع بالحق؟ وهذا من إنكار المنكر المُعلَن، يجب إنكاره علناً، وما أشبه ذلك، دون أن ينظر في العواقب، وكما قال الله عز وجلّ في القرآن الكريم: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به}.

ثم فسدت الأمور، إذا جاءهم أمر من الأمن قالوا: يا ناس اطمئنوا ما عندهم شيء، ولا عندهم خلاف، ولا في خوف، ولا شيء.

ثم أفسدوا استعداد الناس لمواجهة عدوهم؛ لأنهم أذاعوا أنّ الأمر أمْنٌ، وأنّ الأمر هيّنٌ، بينما ولاة الأمور يستعدون للأمر، وعندهم خوف من العدو؛ لكن هؤلاء ثبطوا الناس، أو الخوف كذلك، جعلوا يذيعونه، قال الله تعالى: {ولو ردوه إلى الرسول} في حياته عليه الصلاة والسلام، {وإلى أولي الأمر منهم} حتى هنا أتى بحرف الجر، يعني لم يجعله تابعا محضا، {إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم} بخلاف الطاعة، يعني هنا مسألة سياسية، قد يكون عند ولاة الأمور ما ليس عند هؤلاء، {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} وأصل الاستنباط: استخراج الماء من باطن الأرض، والباطن ليس ظاهرا، فعند هؤلاء الذين يستنبطون ما ليس عند هؤلاء الذين يأخذون بالظاهر...

[ مداخلة ] :

شيخ بارك الله فيكم؛ تكلمت في مسألة ساخنة جدا، وهو أن بعض الناس مَن له باع في العلم لكنهم من الصغار، يقولون: نحن لا نتبع الذين [ كلام غير مفهوم ]؛ لأن المسألة فيها أدلة، والله سبحانه وتعالى يقول: {ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين}، ويقولون: نحن لدينا أدلة واضحة من القرآن والسنة على إنكار المنكر، وهذا أمر يتعلق بديننا، ونحن لا نتبع الناس ولا نكون مقلدين، إنما نتبع الأدلة، فإن أتونا بأدلة واضحة، وإلا لدينا أدلة على إنكار المنكر، وعلى الصدع بالحق، والأمر متعلق بالدين وليس متعلق بالدنيا، الدنيا هيّنة.

[ قال الشيخ – رحمه الله – ] :

نقول: بارك الله لهم في نيتكم؛ لكن أخطئوا المنهج، الآن لو وضعت يدك على عينك، تشوف  الناس كلهم أم نصفهم؟ نصفهم.

هؤلاء: نظروا النصوص من جانب، وتركوها من جانب آخر.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طبقات، إذا نهيت عن المنكر فلا يخرج من أحوال: إما أن ينتقل الناس إلى منكر أعظم، فهذا بالإجماع أنه لا يجوز، يجب إقرار المنكر هذا دفعا لما هو أنكر منه وأعظم منه، وهذا بنص كتاب الله {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} مع أن سب آلهة المشركين واجب أو على الأقل مطلوب، وإذا كان سبهم يقتضي سب إلهنا عز وجل المنزه عن كل نقص وعيب فإنه يحرم؛ لأنه يترتب هنا على سب آلهتهم سب الله وهو أعظم.

لو أنك نهيت إنسان عن شرب الدخان، شرب الدخان محرم .......... [ كلام عير مفهوم ]

شيخ الإسلام – رحمه الله – مرّ بقوم من التتر يشربون الخمر، ربما يلعبون القمار، ومعه صاحب له فقال له: ليش ما نهيته؟ قال: هؤلاء لو نهيناهم لذهبوا يفسدون الناس، ويخوضون في أعراضهم، وتَلَهِّيهم بما هم عليه من المنكر أهون من كونهم يذهبون إلى ........ ، ولهذا لو تراجع كلام ابن القيم – رحمه الله – في (إعلام الموقعين) يكون جيدا.

إن المنكر إذا كان يزول إلى أنكر منه فإنه لا يجوز إنكاره درءاً لأعلى المفسدتين بأدناهما، ونحن لا نقول لا تنكر المنكر، لكن لا تهاجم ولاة الأمور؛ لأن هذا ما ينفع، ولاة الأمور لا ينفع فيهم المهاجمة؛ لأن الشيطان يدخل في مُخَيِّلاتهم أشياء قد لا تكون طرأت على بالك، أو أنها طرأت على بالك، لأن بعض الناس الذين ينكرون المنكر – والله أعلم بالنيات – قد يكون مقصودهم أن يتولوا السلطة، ما ندري، الله أعلم، نبرأ إلى الله من هذا الشيء، لكن أنكِر المنكرَ .......

مثلا: البنوك حرام، هل من العقل أن تهاجم الدولة، لماذا تسمح لها وهي حرام؟ أم من العقل أن تقول: يا أيها الناس احذروا هذه البنوك، لا تعاملوها، اهجروها، قاطعوها، أيهما أنفع للمجتمع؟ الثاني: أنفع للمجتمع.

الأغاني مثلا في الإذاعات وغير الإذاعات موجود، هل من الحكمة أن تهاجم وزارة الإعلام، تقول فعلت وتركت، ما أشبه ذلك؟ أو أن تقول: يا أيها الناس احذروا هذه المعازف فإنها حرام، ولا يغرنكم انتهاك الناس لها، ولا كثرة استعمالها، ولا كثرة بثها في الإذاعات، فإن هذا يوجب تحليل ما حرّم الله، وتحذرهم، وتبيّن لهم الأدلة الدالة على المنع، أيهما أنفع للناس؟ لا شك أنه الثاني.

وأنا لست أقول في هذا اسكتوا عن الجهات المسئولة، ناصحوها إما بطريق مباشر أو غير مباشر، فإن حصل الهدى فهو للجميع، وإن لم يحصل فأنت سَلِمْت وبرئت ذمتك، ومن زعم أننا نريد بذلك أننا نريد أن يبقى المنكر منكرا ويُسكت عنه فهذا ليس بصحيح.

[مداخلة] :

شيخ [ما هي] الإجابة عما ورد عن بعض السلف من إنكار المنكر بخلاف [هذه الطريقة؟]

[قال الشيخ – رحمه الله – ] :

نقول – بارك الله فيك – : بعض السلف الذي يدندن الناس حولهم الآن ...يقول لي بعضهم: هذا الرجل الذي يدندنون حوله إمام في العقيدة الأشعرية، حتى وصفه لي بعضهم بأنَّه: أشعري جلد!! ولم نرَ أحدا تكلم عن عقيدته وقال هذا أشعري، أبدا، [الشيخ – رحمه الله تعالى – يقصد العز بن عبد السلام]  ولكن لأنه قال كلمة ربما تكون في صالح بعض الدعاة صار يدندنون حوله.

ثم نقول: السلف لهم اجتهادات في العبادات وفي غيرها، أليس بعض السلف يقوم الليل كله؟ وهل هذا مصيب؟ غير مصيب.

أليس بعض السلف يقول إذا دخلت في صلاتي فاقطعوا رجلي حتى لا أحس بها؟ يعني أنه يعجز أن يتصور الواقع مع إقباله على الصلاة، وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول أنا أجهز الجيش وأنا في الصلاة، أَوَلَيس النبي – عليه الصلاة والسلام – في صلاته يسمع بكاء الصبي ويتصور ويعرف كيف يحصل لأُمّه ثم يُنجز في صلاته؟! والله ليسوا خيرا من رسول الله – عليه الصلاة والسلام – .

هؤلاء مجتهدون، يخطئون ويصيبون، ولعلك قد مرّ بك في صحيح البخاري قصة أسامة مع الذين يتكلمون في شأن عثمان ماذا قال لهم؟ وهم في عهد الصحابة.

المهم يا إخواني الحق لا يقاس بالرجال إطلاقا، عندنا نصوص من القرآن والسنة مبيّنة وموضحة والحمد لله، الشريعة الإسلامية كلها مبنية على شيئين: تحصيل المصالح أو بعضها بقدر الإمكان، [و] إعدام المفاسد أو تقليلها بقدر الإمكان، هذا هو الأساس الذي بُنيت عليه الشريعة الإسلامية، ما بعث الله الرسل إلا [كلمة غير مفهومة] الناس في دين الله وفي معاملة عباد الله، فيجب أن يكون لدينا عقول لنوازن به الأشياء.

الآن لو فرضنا أن لك ابنا أخطأ عليك [كلمة غير مفهومة] وانتهت القضية، هل من المصلحة أن تداويه وتطرده من البيت والأمر قد انقضى؟! ولا سيّما في هذا الزمن، أنك إذا طردته وين يروح [أين يذهب] ؟ هل يأتي ويبكي عند رأسك ويقبل رأسك وقدميك ويقول يا أبي اسمح لي؟! بل يذهب مع صاحبه – والله أعلم وين يروحون [أين يذهبون] – .

فالإنسان يجب أن ينظر إلى المصالح، أنت لا تريد أن تشفي غليلك من هذا الأمر المنكر، أو أن تبرد هذه الغيرة الفائضة [أو الفائرة] ، أنت تريد إصلاح عباد الله، امشِ على شرع الله.

[ثم قال الشيخ – رحمه الله – بعد مداخلة أحد الحضور] :

المصالح والمفاسد تكون بالنتيجة، الإنسان ينظر للنتيجة، هي التي تزن الأشياء، وإلا قد أقول: هذه مصلحة، والثاني يقول: هذه ليست مصلحة، ربما يقع النزاع، ما في إشكال، ولا سيّما إذا كان الإنسان يدين الله بهذا الشيء، وعازم عليه، ولا عنده إشكال، ولكن انظر للنتيجة.

هات لي أي ثورة من الثورات صار الناس فيها أصلح من قبل، تستطيع؟ ما تستطيع أبدا، انظر إلى المصالح والمفاسد، الأمة الإسلامية قبل أن تختلف كانت مهيبة، يهابها الناس من كل جانب، ونُصروا بالرعب مسيرة شهر، لما تفرقوا صار بعضهم يقتل بعضاً، يعني انشغلوا بقتل بعضهم بعضا عن قتال الكفار، أنا ما أقول وأدعي بأن الحاكم على المصالح أو المفاسد، أنا أقول انظر إلى الواقع.

[مداخلة] :

ذكرنا يا شيخ أن هذه الطريقة ليست صحيحة في الإنكار، فما موقفنا يا شيخ ممن تبنى هذا الرأي؟

[قال الشيخ – رحمه الله – ] :

على كل حال: موقفنا ممن يتبنون هذا الرأي أن نسأل الله لهم الهداية والبصيرة، ولكن لا يجوز أن يكون بيننا وبينهم العداء، العداوة ليست بين المسلمين، لكن يُناصحون، ونُبيّن للناس أن هذه الطريقة غير صحيحة، حتى لا يغتر الناس بهم، لأن العامة عندهم غيرة عارمة، لا سيّما في الوقت الحاضر، والحمد لله، فيظنون أن مثل هذه الطرق أنها سليمة، نبيّن أنها غير سليمة، ونُبيّن النتائج التي حصلت، حصلت مفاسد كثيرة ولم يصير [يحصل] شيء على ما يريد هؤلاء، لكن لو كانت المسألة بهدوء ومشورة وسلوك الطرق التي توصل إلى المقصود؛ حصل خير كثير.

المهم: أوصيكم باعتباركم طلبة علم، وباعتباركم شباب مقبل على خير إن شاء الله؛ أن تلتزموا دائما بالحكمة، وأن لا تَخْطوا خطوة مثل هذه الخطوة العظيمة إلا وأنتم تعرفون أين موطئ قدمكم، حتى لا تزلّ قدم بعد ثبوتها.

وأنا أجزم والعلم –عند الله– أن الذين تورطوا في هذه المسألة في بلادٍ مَّا يتمنَّون أن الأمر لم يكن، بكل [كلمة غير مفهومة] ؛ لأنهم تجرؤوا على محارم واضحة، قتلوا الأبرياء، قتلوا المعاهدين، قتلوا المستأمنين، بأي طريقة!!؟ مَنْ أحلّ هذا؟! سبحان الله!! بيننا وبينكم كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – .