قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

رد فرية أن الغرب أحسن أخلاقاً من المسلمين

 

يورد كثير من الناس أن أهل الغرب أحسن أخلاقاً منا في تعاملهم وبيعهم وشرائهم بينما تجد الغش والكذب وإنفاق السلعة بالحلف الكاذب منتشراً بين صفوفنا نحن المسلمين.

وللرد على هذه الفرية نقول: "قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (البينة على المدعي). وما كان مشهوراً بين الناس من أن الغرب عندهم حسن الخلق في المعاملة فهذا ليس بصحيح، فإن عندهم من سوء المعاملة ما يعرفه من ذهب إليهم ونظر إليهم بعين العدل والإنصاف دون النظر إليهم بعين الإجلال، والإكبار فقد قال الشاعر:

وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ  كما أن عين السخط تبدي المساويا

ولقد حدثني كثير من الشباب الثقات الذين ذهبوا إلى الغرب عن أفعال من أسوأ الأخلاق، لكنهم هم إذا نصحوا فيما ينصحون فيه من البيع والشراء، فليس لإنهم ذوو أخلاق، وإنما لإنهم عباد مادة، والإنسان كلما كان أنصح في معاملة من هذه المعاملات الدنيوية كان الناس إليه أقبل وإلى شراء سلعته وترويجها أسرع.

فهم لا يفعلون ذلك لإنهم كاملوا الأخلاق، لكن لإنهم أصحاب مادة، ويرون من أكبر الدعايات لتنمية أموالهم أن يحسنوا المعاملة، من أجل أن يجذبوا إليهم الأعداد الكبيرة. وإلا فهم كما وصفهم اللّٰه -عز وجل-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}، ولا أظن أحداً أصدق وصفاً من اللّٰه -عز وجل- للكافرين، فإنهم شر البرية، وكيف يرجىٰ خيرٌ مقصود لذاته من قوم وصفهم اللّٰه بأنهم شر البرية، لا أعتقد أن ذلك يكون أبداً، لكن ما يوجد فيهم من الصدق والبيان، والنصح في بعض المعاملات، إنما هو مقصود لغيره عندهم، وهو الحصول على المادة والكسب، وإلا فمن رأىٰ ظلمهم وغُشمهم واستطالتهم على الخلق في مواطن كثيرة، عرف مصداق قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}.

وأما بالنسبة لما وقع من كثير من المسلمين، من الغش والكذب والخيانة في المعاملات فإن هؤلاء المسلمين نقصوا من إسلامهم وإيمانهم بقدر ما خالفوا الشريعة فيه من هذه المعاملات.

فلا يعني أن مخالفة بعض المسلمين وخروجهم عن إطار الشريعة في مثل هذه الأمور، لا يعني ذلك النقص في الشريعة نفسها، فالشريعة كاملة، وهؤلاء الذين أساءوا إلى شريعة الإسلام، ثم إلى إخوانهم المسلمين، هؤلاء أساءوا إلى أنفسهم فقط، والعاقل لا يجعل إساءة العامل سوءاً في الشريعة التي ينتمي إليها هذا العامل".

 

 المصدر:

كتاب مكارم الأخلاق للشيخ/ محمد بن صالح العثيمين -رحمه اللّٰه تعالى-، ج: (١). ص: (٥٠ - ٥٢