قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

رويبضة الإنترنت...!!؟

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه،

أما بعد، فقد صح َّ عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ» ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ»([1]).

وقال أحمد بن فارس في معجم مقاييس اللغة (2/478): “ فَأَمَّا الرُّوَيْبِضَةُ، الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «وَتَنْطِقُ الرُّوَيْبِضَةُ»، فَهُوَ الرَّجُلُ التَّافِهُ الْحَقِيرُ. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَرْبِضُ بِالْأَرْضِ; لِقِلَّتِهِ وَحَقَارَتِهِ، لَا يُؤْبَهُ لَهُ”.

وقال الأزهري في تهذيب اللغة (12/22): “الرُّوَيْبضة تصغيرُ الرابضةُ، كَأَنَّهُ جَعَل الرابضة راعِيَ الرَّبض، وأدخَل فِيهِ الْهَاء مُبَالغَة فِي وَصفه، كَمَا يُقَال: رجل داهِية.

وَقيل: إِنَّه قيل للتافه من النّاس: رابِضة ورُوَيْبِضة، لرُبوضِه فِي بَيْته، وقلّة انبعاثِه فِي الْأُمُور الجسيمة، وَمِنْه يُقَال: رجل رُبُض عَن الْحَاجَات والأسفار: إِذا كَانَ يَنهَض فِيهَا”.

وقال ابن الأثير في النهاية (2/185): “الرُّوَيْبَضَةُ، تَصْغِيرُ الرَّابِضَةُ وَهُوَ الْعَاجِزُ الَّذِي رَبَضَ عَنْ مَعَالي الأمُور وقعَد عَنْ طَلَبها، وَزِيَادَةُ التَّاء للمبالغَة. والتَّافه: الخَسِيس الحَقِير”.

قلت: وقد تحقّق ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وظهرت الرويبضة، وهم موجودون متغلغلون في ربوع الحياة على مستوى الدول والأفراد، وقد رددت على طوائف وأفراد منهم من قبل، وأرد في هذا المقال على إحدى طوائفهم وهم رويبضة الإنترنت.

وأعني برويبضة النت: الكاتبين والمتحدثين في العلوم الشرعية في مواقعه وصفحاته نحو: “الفيس بوك، والواتس أب، والتويتر، والماسنجر ...إلخ”، ممن هم ليسوا علماء -بلا شك-، ولا يصدق على بعضهم أنهم طلبة علم.

فصارت هذه الصفحات منابر تبث منها الفتن والجهالات، وينشر هؤلاء الرويبضة من خلالها الغثّ من صور التعالم التي أضرت بالمسلمين أيّما ضرر.

وبعضهم ينشر حقًّا، إلا أن هذا الحق يضيع في وسط غثاء تعبيراتهم المبنية على التشبع والتعالم.

ولا يشك عالم أن هذه الظاهرة بها تحقّق ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من فشو القلم بين يدي الساعة، وهذا من علامات النبوة.

ورويبضة النت أصناف شتى، إلا أنه تجمعهم صفات منها:

1.    الجهل –الكبير- المركب، والتعالم المزري الفادح والتشبع بما لم يعطوا مع العجب الكبير بأنفسهم التي تؤزهم على الاستمرار في جهالاتهم، وأغلبهم يعانون من الفراغ العلمي.

2.    القول على الله بغير علم دون تقوى أو ورع، والخوض –بالجهل والهوى- في النوازل ومسائل الجرح والتعديل مِمّا قد لا يستطيع خوض غماره إلا العلماء الأفذاذ، ثم إذ بهؤلاء الأصاغر ينفثون سموم جهلهم في آتون الفتن يشعلونها، متسربلين برداء العلماء.

3.    حبُّ الظهور والتصدر الذي يكاد أن يهلكهم، مع مراءاة الناس.

4.    الخصومات واللّدد في الخصومة والمناظرات مع المخالفين دون الضوابط الشرعية.

5.    التنطع الشديد والمبالغة في الأمور.

6.    العداوة الشديدة بين بعضهم البعض، والتنابز بالألقاب.

7.    السفاهة والسطحية والحداثة في معالجة الأمور.

8.    الكبر وعدم التواضع للحقّ إذا بُيّن لهم.

9.    الفحش في القول، مع استخدام السّباب المقذع مع مخالفيهم.

10.  الجبن في مواطن الإقدام لبيان الحق، مع دعوى الشجاعة في مواطن الإحجام.

11.   ركاكة الأسلوب، فأغلب عباراتهم التي يتناقلونها في هذه الصفحات مكتوبة بلغة ركيكة لا تستقيم على لسان العرب.

وهذه السمات استنبطتها من اطلاعي على النزر اليسير من كلامهم وأحوالهم، فكيف إذا اطلعت على مقالاتهم كلها؟!

وقد توجد بعض هذه الصفات في بعضهم دون البعض، فلا يلزم أن تجتمع كلُّها في واحد بعينه، بل يتفاوتون فيها.

ويترتب على هذه الصفات الممقوتة الإصرار على السير في جهالاتهم إذا نُصحوا أن يتركوا التصدر والكتابة في هذه الصفحات، وأن يسلكوا سبيل من سبقهم في العلم والتعلّم إن أرادوا أن ينفعوا المسلمين.

وللأسف أن هذه الصفات قد لحقت بعض مَن يدّعي بلسان مقاله أنه متّبع لمنهج السلف الصالح، وبعضهم ينسب نفسه لبعض العلماء السلفيين ويتشبع بقربه منهم، وهو كاذب في دعواه متسلق عليهم، وهم برآء من صنائعه.

وبعض هؤلاء يتملق علماءً بأعيانهم ويبالغ في مدحهم؛ لأنه يرجو منهم أن يرفعوه أو على أقل الأحوال أن يسكتوا عنه إذا ظلّ سادرًا في سكرة جهله المركب مغترًا بحلمهم وصبرهم عليه.

والفرق بين رويبضة المبتدعة الحزبيين والرويبضة المنتسبين إلى منهج السلف: أن الأُوَل يدعون صراحة إلى بدع ظاهرة مع التصريح بالطعن في العلماء السلفيين، وأما الأُخَر فإنهم يعيشون في وهم كبير أنهم منافحون عن منهج السلف ذابّون عن أهله، وهم في معزل ومنأى عن هدي السلف في صنائعهم التي يسيئون بها إلى منهج السلف شعروا أم لم يشعروا.

وهم “نمط صعب.. ونمط مخيف”، كما قال العلامة الأديب محمود شاكر –رحمه الله-.

وهؤلاء الأُخر أمرهم أخطر لخفائهم وتسترهم بالسلفية والعلماء، فيتمكنون من التوغل بين السلفيين و إثارة الفتن بينهم، ومنشأ كثير من الفتن من هذا الصنف.

وهم أهل الطبقة المتوسطة الذين عناهم (علي بن قاسم حنش)([2])  -أحد شيوخ الشوكاني رحمه الله-، حيث قال الشوكاني في ترجمته من “البدر الطالع في أعيان ما بعد القرن السابع” (1/472) قال: “ومن محاسن كلامه الذي سمعته منه: الناس على طبقات ثلاث:

فالطبقة العالية: العلماء الأكابر وهم يعرفون الحق والباطل، وإن اختلفوا لم ينشأ عن اختلافهم الفتن، لعلمهم بما عند بعضهم بعضًا.

والطبقة السافلة: عامة على الفطرة لا ينفرون عن الحق وهم أتباع من يقتدون به إن كان محقًّا كانوا مثله ، وإن كان مبطلاً كانوا كذلك.

والطبقة الـمتوسطة: هي منشأ الشر وأصل الفتن الناشئة في الدين، وهم الذين لم يمعنوا في العلم حتى يرتقوا إلى رتبة الطبقة الأولى، ولا تركوه حتى يكونوا من أهل الطبقة السافلة.

فإنهم إذا رأوا أحدًا من أهل الطبقة العليا يقول ما لا يعرفونه مما يخالف عقائدهم التي أوقعهم فيها القصور فَوّقُوا إليه سهام التقريع ونسبوه إلى كل قول شنيع وغيَّروا فطر أهل الطبقة السفلى عن قبول الحق بتمويهات باطلة، فعند ذلك تقوم الفتن الدينية على ساق، هذا معنى كلامه الذي سمعناه منه.

وقد صدق، فإن من تأمل ذلك وجده كذلك”. اهـ

قلت: ورويبضة النت من هذه الطبقة المتوسطة بلا ريب.

وأقول: إن هؤلاء الرويبضة خالفوا أصلاً من أصول منهج السلف الصالح طالما دندن حوله السلف، ألا وهو ترك الخصومات والجدل بالباطل والمناظرة.

ويصدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما ضلَّ قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل”، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ﴿  وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [الزخرف: 58]([3]).

قال المناوي في شرح هذا الحديث كما في فيض القدير (5/453): “أي ما ضلَّ قوم مهديون كائنين على حال من الأحوال إلا أوتوا الجدل يعني من ترك سبيل الهدى وركب سنن الضلالة، والمراد لم يمش حاله إلا بالجدل أي الخصومة بالباطل”.

وقال النووي في “تهذيب الأسماء” (3/45): “وقد ذكر الخطيب في كتابه كتاب الفقيه والمتفقة جميع ما جاء في الجدل...وبَّين ذلك أحسن بيان، وكذلك ذكره غيره وقد صار الجدل علمًا مستقلاً، وصنفت فيه كتب لا تحصى”.

قلت: وصدق النووي رحمه الله، فقد قال الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/556): “فتضمن الكتاب: ذمّ الجدال والأمر به، فعلمنا يقينًا أن الذي ذمَّه غير الذي أمر به، وأن من الجال ما هو محمود مأمور به، ومنه مذموم منهي عنه”.

* ثم شرع يبين أن الـجدال الـمذموم على وجهين:

أحدهـمـا: الجدال بغير علم، ويدل على ذمِّه قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: 35]، وقال سبحانه: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 66].

وقال سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ﴾ [الحج: 3]، وقال سبحانه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾ [الحج: 8].

الثاني: الجدل بالشَّغَب والتمويه؛ نُصرة للباطل بعد ظهور الحق وبيانه، كما قال تعالى: ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ  ﴾ [غافر: 5]، ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ [الأنفال: 6].

وقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الشورى: 16]([4]).

ويدخل في القسم الثاني الجدال لمجرد المجادلة والمعاندة والمخاصمة والمراء، كما قال الله سبحانه: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [الزخرف: 57، 58].

- ويضاف إلى هذين القسمين قسمان:

الثالث: الجدال لإظهار العلم وقوة الحجة والفطنة والذكاء: مراءاة للناس وطلبًا للدنيا وحب الظهور والرئاسة.

وقسم رابع: وهو الجدال بالمتشابه، والتعالم والحداثة في هذا الجدال.

وعلى هذه الأقسام الأربع تتنزل الأحاديث والآثار التالية في ذم الجدل.

قال البخاري في صحيحـه: كـتاب المظالم تحــت باب قول الله تعالى: ﴿ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ﴾: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن أبغض الرجال إلى الله الألد الـخصم” ([5]).

قلت: وهذا حال رويبضة النت، حيث يظل أحدهم ساهرًا طوال ليله يجادل فلانًا جدلاً عقيمًا عن إنتاج الحق أو تولد الهداية والتوفيق، ليس فيه إلا المغالبة والمراء.

ولو مضى عُشر في هذا الوقت في التفقه والتعلّم والدعوة إلى الله على بصيرة، لنفع وانتفع.

وقال أيضًا في الكتاب نفسه: باب: إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن زينب بنت أم سلمة أخبرته أن أمها أم سلمة -رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم فقال: “إنمـا أنا بشر، وإنه يأتيني الـخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صدق، فأقضي له بذلك فمن قضيت له بحق مسلم فإنمـا هي قطعة من النار فليأخذها أو فليتركها”([6]).

وقال عبد الرزاق في تفسيره (1/116): حدثنا معمر عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها -أي قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 7]، فقال: “إذا رأيتم الذين يـجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم”([7]).

قلت: ولأجل هذا جرى أئمة السنة على تخصيص باب ثابت في كتب الاعتقاد يروون فيه الأحاديث والآثار التي تحذر من الجدال مع أهل البدع وتحذر من مخاصمتهم ومماراتهم، فقال اللاكائي في “شرح أصول الاعتقاد” (1/191)، ط المكتبة الإسلامية): “سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع، وجدالهم، والمكالمة معهم، والاستماع إلى أقوالهم المحدثة، وآرائهم الخبيثة”.

وقال الآجري في الشريعة (1/185)، ط قرطبة): “باب: ذم الجدال والخصومات في الدين”.

وقال ابن بطة في “الإبانة الكبرى” (2/429): “باب: التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب ويفسدون الإيمان”، ثم عقد بابًا في (2/483) بعنوان: “باب: ذم المراء والخصومات في الدين، والتحذير من أهل الجدال والكلام”.

وقال -رحمه الله- في “الإبانة الكبرى” (1/390): “بَابُ تَرْكِ السُّؤَالِ عَمَّا لَا يُغْنِي وَالْبَحْثِ وَالتَّنْقِيرِ عَمَّا لَا يَضُرُّ جَهْلُهُ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ قَوْمٍ يَتَعَمَّقُونَ فِي الْمَسَائِلِ وَيَتَعَمَّدُونَ إِدْخَالَ الشُّكُوكِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ الشَّيْخُ: “اعْلَمُوا إِخْوَانِي أَنِّي فَكَّرْتُ فِي السَّبَبِ الَّذِي أَخْرَجَ أَقْوَامًا مِنَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَاضْطَرَّهُمْ إِلَى الْبِدْعَةِ وَالشَّنَاعَةِ، وَفَتَحَ بَابَ الْبَلِيَّةِ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ وَحَجَبَ نُورَ الْحَقِّ عَنْ بَصِيرَتِهِمْ، فَوَجَدْتُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْبَحْثُ وَالتَّنْقِيرُ، وَكَثْرَةُ السُّؤَالِ عَمَّا لَا يُغْنِي، وَلَا يَضُرُّ الْعَاقِلَ جَهْلُهُ، وَلَا يَنْفَعُ الْمُؤْمِنَ فَهْمُهُ. وَالْآخَرُ: مُجَالَسَةُ مَنْ لَا تُؤْمَنُ فِتْنَتُهُ، وَتُفْسِدُ الْقُلُوبَ صُحْبَتُهُ”.

وروى -رحمه الله- في الإبانة (2/469) حديث عِمْرَانَ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ مِنْكُمْ بِخُرُوجِ الدَّجَّالِ , فَلْيَنْأَ عَنْهُ مَا اسْتَطَاعَ , فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ , فَمَا يَزَالُ بِهِ حَتَّى يَتْبَعُهُ لِمَا يَرَى مِنَ الشُّبُهَاتِ»([8])، ثم  قَالَ: “هَذَا قَوْلُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ , فَاللَّهَ اللَّهَ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ , لَا يَحْمِلَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ حُسْنُ ظَنِّهِ بِنَفْسِهِ , وَمَا عَهِدَهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِصِحَّةِ مَذْهَبِهِ عَلَى الْمُخَاطَرَةِ بِدِينِهِ فِي مُجَالَسَةِ بَعْضِ أَهْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ , فَيَقُولُ: أُدَاخِلُهُ لِأُنَاظِرَهُ , أَوْ لِأَسْتَخْرِجَ مِنْهُ مَذْهَبَهُ , فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنَ الدَّجَّالِ , وَكَلَامُهُمْ أَلْصَقُ مِنَ الْجَرَبِ , وَأَحْرَقُ لِلْقُلُوبِ مِنَ اللَّهَبِ , وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ كَانُوا يَلْعَنُونَهُمْ , وَيَسُبُّونَهُمْ , فَجَالَسُوهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ , وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ , فَمَا زَالَتْ بِهِمُ الْمُبَاسَطَةُ وَخَفْيُ الْمَكْرِ , وَدَقِيقُ الْكُفْرِ حَتَّى صَبَوْا إِلَيْهِمْ”.

وقال أبو إسماعيل الهروي في “ذمِّ الكلام وأهله” (2/5): “باب ذمِّ الجدال والتغليظ فيه وذكر شؤمه”، ثم أردفه باب: “فضل ترك المراء، وإن كان المماري محقًّا”، ثم بباب: “تغليظ المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجدال في القرآن وتحذيره أهله”.

وقال أبو بكر الآجري في الشريعة في الباب المشار إليه (1/195): “فإن قال قائل: فإن كان رجل قد علمه الله تعالى علمًا، فجاءه رجل يسأله عن مسألة في الدين؛ ينازعه فيها ويخاصمه، ترى له أن يناظره؛ حتى تثبت عليه الحجة، ويرد عليه قوله؟

قيل له: هذا الذي نُهينا عنه؛ وهو الذي حذَرناه من تقدم من أئمة المسلمين.

فإن قال قائل: فماذا نصنع؟

قيل له: إن كان الذي يسألك مسألته: مسألة مسترشد إلى طريق الحق لا مناظرة، فأرشده بألطف ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة، وقول الصحابة، وقول أئمة المسلمين -رضي الله عنهم- وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك، فهذا الذي كره العلماء، فلا تناظره، واحذره على دينك، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين إن كنت لهم متَّبعًا.

فإن قال قائل: فندعهم يتكلَّمون بالباطل، ونسكت عنهم؟

قيل له: سكوتك عنهم وهجرتك لما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم كذا قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين.

حدثنا أبو بكر بن عبدالحميد قال: حدثنا زهير بن محمد قال: أنا منصور عن سفيان قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب([9]) أنه قال: “لست برآدٍ عليهم أشدَّ من السكوت”.اهـ

قال سعيد بن منصور في سننه (723): نا هُشيم، نا العوام -أي: ابن حوشب- عن أبي إياس -أي: قُرة بن معاوية- قال: “الـخصومات في الدين تُـحبط الأعمـال”([10]).

وقال الدارمي في سننه (397): أخبرنا سعيد بن عامر، عن أسماء بن عبيد قال: دخل رجلان من أصحاب الأهواء على ابن سيرين فقالا: يا أبا بكر نحدثك بحديث؟ قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله، قال: لا لتقومان عني أو لأقومن، قال: فخرجَا، فقال بعض القوم: يا أبا بكر وما كان عليك أن يقرأ عليك آية من كتاب الله تعالى؟ قال: إني خشيت أن يقرأا علي آية فيحرفانها فيقر ذلك في قلبي([11]).

وقال الدارمي في سننه -أيضًا- (398): أخبرنا سعيد عن سلام بن أبي مطيع أن رجلاً من أهل الأهواء قال لأيوب: يا أبا بكر، أسألك عن كلمة؟ قال: -فولَّى وهو يشير بأصبعه-: ولا نصف كلمة، وأشار لنا سعيد بخنصره اليمنى ([12]) .

وقال الآجري في الشريعة (125) حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال: ثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا حماد بن مسعدة قال: كان عمران القصير يقول: “إياكم والـمنازعة والـخصومة، وإياكم وهؤلاء الذين يقولون: أرأيت أرأيت”([13]).

وقال أيضًا برقم (130) حدثنا ابن عبد الحميد قال: حدثنا زهير قال: أخبرنا أبو خالد قال: حدثنا سفيان عن عمرو -يعني ابن قيس- قال: قلت للحكم: ما اضطر الناس إلى الأهواء؟ قال: الـخصومات ([14]).

وقال الفريابي في القدر (380): حدثنا محمد بن داود، حدثني محمد بن عيسى، حدثني محمد، عن هشام قال: جاء رجل إلى الحسن فقال: يا أبا سعيد تعالَ حتى أخاصمك في الدين، فقال الحسن: أما أنا فقد أبصرت ديني فإن كنت أضللت دينك فالتمسه.

 

قلت: فأين هؤلاء الرويبضة – من المتمسحين بمنهج السلف- من هذه الآثار السلفية؟!

لا شك أنهم مضيّعون لهم تائهون عن سبيل الرشد، حيث أمضوا أعمارهم في هذا المستنقع من الخصومات والمراء والسّباب والشتم وفحش القول وتأجيج الفتن والتعالم والتشغيب.

فمن سمات الرويبضة التي أشرنا إليها الفحش في القول والسباب والشتم لمخالفيهم، والأخطر أن يصدر هذا ممن يدّعي السلفية، فقد راعني ما وقفت عليه من بعض ألفاظهم التي يتنزه اللسان العفيف عن ذكرها.

يقول أحد الرويبضة: حكاية قلة الأدب صحيحة مع المبتدعة !!

ويقول آخر سابًّا لأحد المتصدرين للدعوة –وإن كان عنده أخطاء- لكن لم نعلم أحدًا من العلماء سبّه بهذا السبّ أو بدّعه: “دوج” –أي كلب بالإنجليزية-، والثور الهائج، جهول، متعالم ..إلخ.

وآخر يسب أحد المبتدعة قائلاً: أنت دسيسة وبسيسة !

ورويبضة آخر يقول عن هذا المبتدع: بقرة لها قرون، ثم يرسم بقرة لها قرنان !

ورابع يقول: فلان دلدول فلان ...إلخ هذه الألفاظ السمجة التي أساءت أيّما إساءة إلى هذا العلم الجليل، وصوّرت أهله كأنهم لا خلق عندهم ولا أدب.

وقد بوّب البخاري رحمه الله في صحيحه: كتاب الأدب: بَابُ «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا»، وأخرج تحته ما يلي من الأحاديث:

عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الكُوفَةِ، فَذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا».

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. قَالَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ وَالفُحْشَ» قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ».

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا، وَلاَ فَحَّاشًا، وَلاَ لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ».

وعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: «بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ» فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ».

وبوّب بعده: بَابُ حُسْنِ الخُلُقِ وَالسَّخَاءِ، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ البُخْلِ... وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ، لَمَّا بَلَغَهُ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الوَادِي فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، فَرَجَعَ فَقَالَ: «رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ».

قلت: وإمام الرويبضة فيما يصدر منهم من فحش وبذاءة في اللّسان أحيانًا ليس أصول هذا العلم، إنما إمامهم: الجهل والتعالم وسوء الخلق، وعلم الجرح والتعديل يكاد أن يضيع إذا استلم قيادته هؤلاء المتعالمون، ولكن الله سبحانه يحفظ دينه بغير هؤلاء.

إن خوض هؤلاء الأحداث في مسائل هذا العلم الجليل أساءت إليه أيّما إساءة بسبب رعونتهم وعدم تأدبهم بآداب السلف الصالح، وعدم تقيدهم بأصول علم الجرح والتعديل لجهلهم بها.

فليس من المستنكر أن تحذِّر من أهل البدع بأسمائهم ولا أن تغلّظ عليهم القول بنقل كلام العلماء في التحذير من بدعهم، لكن العيب أن يقوم هؤلاء باستخدام السباب والشتم ضد مَن صدرت منه مخالفات، وهو في أعين الناس –شاءوا أم أبوا- عالم يدافع عن السنة والسلفية، وقد يكون العلماء ساكتين عن التحذير منه نظرًا لما يرجونه من مصلحة رجوعه إلى الحق بالنصح والحلم، وبعضهم يرى أن السكوت عنه –على علاّته- فيه مصلحة ونفع للمسلمين أعظم من التحذير من هذه المخالفات.

لكن الرويبضة هم أشجع وأجسر من العلماء على البيان والتحذير !!

وآخرون هم على بدعة وضلالة، لكن الرويبضة قد تجاوزوا الحد في التحذير من هؤلاء المبتدعة باستخدام ألفاظ ركيكة وفاحشة لم يتفوه بها العلماء، والشدة على أهل البدع لا تقتضي الفحش في القول.

وقد يحتّج هؤلاء الرويبضة –مع علمي أنهم لا يستطيع أحدهم أن يصل إلى هذا وحده- ببعض ألفاظ أئمة الجرح والتعديل الشديدة في بعض المبتدعة، نحو ما يلي:

جاء في ترجمة “عبد السلام بن صالح الهروي”: قال إبراهيم بن يعقوب الجوزاجاني فيه: “كان زائغًا عن الحق، مائلاً عن القصد سمعت من حدثني عن بعض الائمة أنه قال فيه: هو أكذب من روث حمار الدجال، وكان قديمًا متلوثًا في الأقذار) .

 وقال العقيلي في (الضعفاء): وكان رافضيًّا خبيثا.

وقال أبو أحمد الزبيري في حقّ عمران بن مسلم الفزاري: “رَافِضِيٌّ كَأَنَّهُ جَرْوُ كَلْبٍ”.

فعلّق الذهبي في “ميزان الاعتدال” (3/242): “خراء الكلاب كالرافضي”.

قلت: وصنيع الرويبضة في استخدام الفحش من القول في حق المبتدعة أو المخطئين من أهل السنة، لا يحتّج له بمثل هذه المواطن، لما يلي:

أولاً: هذه العبارات الشديدة إنما قيلت في الغالب في حق الرافضة ومن شابههم؛ لأن بدعتهم غليظة، وأقوالهم في الصحابة شنيعة، ومن ثَمّ استحقوا هذا التشنيع.

وثانيًا: قائل هذه العبارات هم من أئمة الجرح والتعديل، ليسوا رويبضة متعالمين لا يحسنون وضع الكلام في موضعه.

وكذلك ليس علم الجرح والتعديل مبنيًّا على التشهي والانتقام للنفس، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم كما قال عائشة: “مَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».

وإن احترام كبير السن أدب شرعي ثبت في نصوص صحيحة، وعمل به السلف، فإذا تحايد الشباب هذا الأدب، فلا جرم أن يُساء الظن بهم، ويُقال في حقهم: أهؤلاء سلفيون؟ أهكذا كان أدب السلف الصالح؟!

وقد سمعت شيخنا العلامة ربيع بن هادي يقول: "إن احترام الكبار من الإسلام".
ومشكلة هؤلاء الرويبضة أنهم لا يفرقون في التعامل بين المخاصم المبتدع، والسلفي المخطئ الذي لم يُبدع، فبلا شك أن المخاصم المبتدع لا كرامة له، ولا يوقر ولا يُحترم، لكن مع توخي أمرين:

الأول: تفاوت البدع، فليست كلها على مرتبة واحدة من الخطورة، وإن كنا ننكر البدع كلها صغيرها وكبيرها، لكن البحث في طريقة الإنكار، والحكم على صاحبها.

والثاني: المصلحة والمفسدة في مسألة إظهار الإنكار عليه من عدمه، ومراعاة حال الناس حتى لا يتهم أصحاب الدعوة السلفية بالغلظة والتنفير، ونحن في زمن صار علم الجرح والتعديل غريبًا على عامة المسلمين.
أما السلفي –خاصة الكبير في السن والعلم- فإنه ينبغي أن يُراعى معه هذا الأدب الشرعي، بأن يُحترم ويوَّقر إذا نُصح ويُبَين له خطؤه برفق وحكمة، لا بغلظة وتنفير، ومخالفة هذا السمت يظهر هؤلاء الشباب بمظهر الحدادية، بل يفتح طريقًا مُمهدًا إلى منهج الحدادية.

وقد أخرج البخاري في صحيحه باب: دفع السواك إلى الأكبر معلَّقًا: قال عفان حدثنا صخر بن جويرية عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أراني أتسوك بسواك فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر”، فناولت السواك الأصغر منهما فقيل لي: كبِّر؛ فدفعته إلى الأكبر منهما.

وصحَّح العلامة الألباني –رحمه الله- في السلسلة الصحيحة (2196) بمجموع الطرق حديث: “ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوِّقر كبيرنا”.

وأخرج ابن سعد في الطبقات (6/308) بإسناد صحيح عن مالك بن مغول عن طلحة قال: انتهيت أنا وهو إلى زقاق فتقدَّمني فيه ثم التفت إلي فقال: لو أعلم أنك أكبر مني بساعة -أو قال: بيوم- ما تقدمتك([15]).

 وطلحة هو ابن مصرف: من صغار التابعين وكان أقرأ أهل الكوفة، توفي سنة 112، ومالك بن مغول أحد أئمة أتباع التابعين ت 159.

قلت: هكذا يكون الأدب السلفي العالي في حفظ مكانة ذوي الأسنان، والأقران، والخلان.

فعلى الشباب الذين خالطت السلفية شغاف قلوبهم أن يتعاهدوا هذه النبتة الغضة الطرية بتعلُّم حميد الأخلاق وسامي الآداب السلفية مع اعتنائهم بدراسة أصول العقيدة والمنهج، وأن لا يخوضوا غمار الاجتهاد في جمع ضلالات أهل الأهواء المعاصرين وإسقاط أحكام التبديع والتضليل عليهم، بغير أهلية لخوض هذه الغمار؛ حيث إن هذا الأمر يحتاج إلى رسوخ في العلم، خاصة أنهم يطلعون على شبهات هؤلاء المبتدعة بما قد يعود بالضرر عليهم ولو علىالمدى البعيد، ولذلك نهى أئمة السلف الصالح عن النظر في كتب أهل البدع.

 بله أن يتتبعوا عثرات السلفيين الذين سبقوهم في السن والعلم، تحت دعوى بيان الحق، وهم لا قدرة لهم على سبر المسائل خاصة في المسائل الخفية، ويكفيهم اجتهاد أعلام هذا العلم الذين كفوهم مؤنة هذه المباحث الشاقة التي تحتاج إلى علم وحلم وحسن فهم لا تتوفر إلا للعالم الرباني الذي مارس صغار العلم وكباره، أما الشببة في السن والعلم فليس لهم الآن خوض هذه الغمار بغير عُدَّة ولا عتاد.

وقد سئل العلامة أحمد النجمي –رحمه الله- كما في الفتاوى الجلية (الجزء الثاني-ص142): “هل لطالب العلم المبتدئ أن يَجرح ويعدل الرجال، ويبدع الناس دون الاستناد إلى قرينة؟
ج: “لا ينبغي لطالب العلم المبتدئ أن يجرح أو يبدع من قبل نفسه، ولكن يأخذ بقول أهل العلم المعتبرين، ولا بأس أن يحكي عن أحد العلماء إذا تأكد من قولهم في التجريح، وبالله التوفيق”.اهـ
ولا ريب أن أصحاب البدع الكبرى لا يخفى أمرهم نحو الدعاة إلى الاستغاثة بغير الله، أو التوسل بالأموات، أو سب الصحابة وتكفيرهم، أو القائلين بخلق القرآن، أو إنكار فوقية الله، أو تعطيل صفات الله تبارك وتعالى، ونحو ذلك مِمَّا لا يخفى أمره على الطالب المبتدئ.

ويُرجع إلى فتوى العلامة ربيع بن هادي -حفظه الله- في شأن إقامة الحجة في التبديع، لمعرفة تفصيل السلف في هذا الباب.

* وإليكم نماذج من تعالم رويبضة النت، وهي غيض من فيض:

يقول أحدهم –متعالمًا- في صفحته على الفيس بوك: “أيام –إن شاء الله وقدر- وبعدها أستعد مع بعض إخواني في جمع ضلالات المدعو فلان العقدية والمنهجية للردّ عليها”.

قلت: وتعالم كاتب هذه الكلمات ظاهر لا يحتاج إلى تعليق! فما عهدنا أحدًا من العلماء إذا عزم أن يرد على مخالف، أن يقوم بعمل إعلان عن هذا الأمر!

ثم قال مسترسلاً في تعالمه: “فقد طلب مني شيخنا العلامة ربيع بن هادي بمحضر من طلاّب العلم ... أن أجمع له كل ما يتعلّق بالمومئ إليه ..حتى يعطيها ولده محمدًا حتى يناصحه فيها!”.

قلت: وقائل هذا فيه من التشبع بما لم يعط ما فيه !!

فأقول أولاً له: متى تتلمذت على العلامة ربيع بن هادي؟ فوالله ما علمناك تتلمذت عليه ساعةً من الدهر، فهذا من التدليس إلا أن تقصد التلمذة العامة بمعنى أنك تتلمذت على كتبه –على التسليم أنك قرأت كتبه ودرستها، وما أخالك فعلت هذا إلا قليلاً- وعلى هذا التقدير يكون الآلاف الذين قرءوا كتب أي عالم من العلماء تلامذة له، وهذا توسع في الاصطلاح لا يسوغ.

لذلك لو سألت الشيخ ربيعًا عنه وعن غيره مِمّن يدّعي الانتساب إليه فإنه لا يكاد يعرفهم، فضلاً أن يثبت دعوى تتلمذهم له!

ثانيًا: إذا طلب منك الشيخ ربيع –على التسليم بهذا- أن تجمع أخطاء المدعو فلان في مجلس خاص؛ كي يسلمها لولده كي يناصحه فيها، هل يسوغ لك أن تنشر هذا الكلام على الملأ؟ وهل أذن لك الشيخ ربيع في هذا؟! وهل طلب منك أن ترد أنت وإخوانك عليها، أم أنه طلب –على حدّ دعواك- أن تجمعها فقط كي يناصَح فيها المدعو فلان، لا أن تقوم أنت ومن معك من المجاهيل بالرد عليها؟!

ثم توالت تعليقات المغرّر بهم في الثناء على هذا التعالم، فقال أحدهم: كم تمنيت هذا الأمر منكم من فترة ولكن قلت لنفسي: لعل فلانًا (صاحب الصفحة) يصبر عليه (وكأنه يشبهه بالشيخ ربيع في صبره على المخالفين) أسأل الله – عز و جل – يا شيخ ... أن يجعلك من ناصري السنة!!

ويقول آخر: لقد قمت بواجبك أخونا ...!!

وثالث يقول: كم كنت أنتظر هذه اللحظة !!

ورابع يقول: كنت قد هممت بذلك فأسأل الله لك التوفيق !!

وهذه التعليقات تنبئك عن خطورة ما نتحدث عنه في هذه المقالة، وهو تصدر الرويبضة المتعالمين هذه المحافل في النت، مما يغرّر بعامة المسلمين خاصة ممن كان حديث عهد بالسلفية !!

ويسأل أحدهم صاحب الصفحة: فيقول ممكن سؤال يا شيخ: لما عملت هذا قبل جمعكم أنكرتم علي ... فهل كنت مصيبًا أم مخطئًا؟ أم كان طغيانًا للعلم كما قلت لي من قبل؟ فرد عليه صاحب الصفحة قائلا: هل أنا تكلمت من كيسي؟ أم أنني رجعت لإمام فذ فأنا ما تكلمت إلا بعد رجوعي للكبار؟!

قلت: هكذا تعالم وتدليس دون تقوى أو ورع! وهل أذِن لك الكبار أن تنشر جهلك على الناس بهذا الأسلوب المضحك.

والعجيب أن كاتب هذه الكلمات لا يُعلَم له قدرة علمية تؤهله للخوض في غمار الردود، والتي لا يخوض فيها كلُّ أحد، كما قال شيخنا العلامة ربيع بن هادي: لا يرد كلُّ أحد.. ليس كلُّ أحد يحسن الردود العلمية.

فأقول لهذا الكاتب وأمثاله: أرأيتم كيف أضحكتم عليكم العقلاء بهذا التعالم الظاهر؟! وكيف أنكم أسأتم إلى الشيخ ربيع شعرتم بهذا أم لم تشعروا؟!

وأقول له ولمَن معه: اتقوا الله في هذا العالم الرباني؟ ولا تتمسحوا به وتسيئوا إليه بتعالمكم الظاهر وجهلكم الفادح الذي يعطي الفرصة لأعداء المنهج السلفي للنيل من علمه!

وأني أنصح هؤلاء أن يسلكوا الطريق الذي سلكه أئمة الجرح والتعديل حتى يكونوا أهلاً لهذا العلم الجليل، ولينظروا في تراجم هؤلاء الأئمة العظام؛ ليدركوا البون الشاسع بينهم.

قال ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل (ص314): "ومن العلماء الجهابذة النقاد من الطبقة الثالثة ببغداد يحيى بن معين أبو زكريا: ما ذكر من علم يحيى بن معين رحمه الله بناقلة الآثار ورواة الأخبار وعلل الحديث".

ثم قال: "نا العباس بن محمد الدوري قال: رأيت أحمد بن حنبل يسأل يحيى بن معين عند روح بن عبادة: من فلان؟ ما اسم فلان؟

وقال: "سمعت محمد بن مسلم بن وارة وسئل عن علي ابن المديني ويحيى بن معين أيهما كان أحفظ؟ قال: كان علي أسرد وأتقن، وكان يحيى بن معين أفهم بصحيح الحديث وسقيمه".

وقال: نا الوليد بن أبان الأصبهاني قال سمعت يعقوب ابن سفيان الفسوي قال سمعت سليمان بن حرب يقول: كان يحيى بن معين يقول في الحديث: هذا خطأ، فأقول: كيف صوابه؟ فلا أدري فأنظر في الأصل فأجده كما قال".

ثم قال في ترجمة أبيه (ص349): "باب ما ذكر من معرفة أبي رحمه الله بصحة الحديث وسقيمه"، قال: "سمعت أبي رحمه الله يقول: جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي من أهل الفهم منهم ومعه دفتر فعرضه علي فقلت في بعضها: هذا حديث خطأ قد دخل لصاحبه حديث في حديث، وقلت في بعضه: هذا حديث باطل، وقلت في بعضه: هذا حديث منكر، وقلت في بعضه: هذا حديث كذب، وسائر ذلك احاديث صحاح.

فقال لي: من أين علمت أن هذا خطأ، وإن هذا باطل، وإن هذا كذب؟ أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت وإني كذبت في حديث كذا؟ فقلت: لا، ما أدري هذا الجزء من رواية من هو؟ غير أني اعلم ان هذا خطأ، وإن هذا الحديث باطل، وإن هذا الحديث كذب، فقال تدعي الغيب؟ قال: قلت: ما هذا ادعاء الغيب، قال: فما الدليل على ما تقول؟ قلت: سل عما قلت من يحسن مئل ما أحسن، فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم.

قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبو زرعة، قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلت؟ قلت: نعم، قال: هذا عجب، فأخذ فكتب في كاغد ألفاظي في تلك الأحاديث ثم رجل إلى وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث، فما قلت أنه باطل قال أبو زرعة: هو كذب، قلت: الكذب والباطل واحد، وما قلت أنه كذب قال أبو زرعة: هو باطل، وما قلت أنه منكر قال: هو منكر، كما قلت، وما قلت أنه صحاح قال: أبو زرعة: هو صحاح: فقال: ما أعجب هذا، تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما، فقلت فقد ذلك أنا لم نجازف وإنما قلناه بعلم ومعرفة قد أوتينا...".

قلت: هكذا علم ومعرفة بأصول هذا العلم، فأين الثرى من الثريا؟!!

لكن المشكلة أن هؤلاء –شعروا أم لم يشعروا- لم يجدوا منفذًا للرئاسة والتصدر وإعجابهم بأنفسهم إلا على صفحات الفيس بوك ومجاميع  الواتس آب، وإن كان بعضهم يتظاهر بالتواضع وعدم حب التصدر، لكن أفعالهم تدل على خلاف دعواهم.

وقد ذكر ابن عبد البر في "الجامع" (1/457) فصلاً  فِي مَدْحِ التَّوَاضُعِ وَذَمِّ الْعُجْبِ وَطَلَبِ الرِّئَاسَةِ"، فقال -رحمه الله-: "وَمِنْ أَفْضَلِ آدَابِ الْعَالِمِ تَوَاضُعُهُ وَتَرْكُ الْإِعْجَابِ لِعِلْمِهِ وَنَبْذُ حُبِّ الرِّئَاسَةِ عَنْهُ.

ثم ذكر عدة أقوال -غير معزُوَّة إلى أحد بعينه-، فقال:

"وَقَالُوا: الْمُتَوَاضِعُ مِنْ طُلَّابِ الْعِلْمِ أَكْثَرُ عِلْمًا كَمَا أَنَّ الْمَكَانَ الْمُنْخَفِضَ أَكْثَرُ الْبِقَاعِ مَاءً".

وَقَالُوا: "الْعُجْبُ يَهْدِمُ الْمَحَاسِنَ".

وَقَالَ غَيْرُهُ: «إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى ضِعْفِ عَقْلِهِ».

وَقَالُوا: لَا تَرَى الْمُعْجَبَ إِلَّا طَالِبًا لِلرِّئَاسَةِ".

ثم قال: "وَقَالَ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: «مَا مِنْ أَحَدٍ أَحَبَّ الرِّئَاسَةَ إِلَّا حَسَدَ وَبَغَى وَتَتَبَّعَ عُيُوبَ النَّاسِ وَكَرِهَ أَنْ يُذْكَرَ أَحَدٌ بِخَيْرٍ».

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: «وَاللَّهِ مَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ إِلَّا بِحُبِّ الرِّئَاسَةِ».

وقال ابن الجوزي في " تعظيم الفتيا " (130): "فليسمع هذه النصيحة من يخاف على دينه،  ويعرض عن طلب الرئاسة في غير وقتها،  فقد قال الحكماء: من تصَّدر وهو صغير فاته علم كثير ".

وفي الوقت الذي يتظاهر فيه الرويبضة بالشجاعة في بيان الحق، لا تجد أحدهم في مواطن الشجعان الفرسان، الذين ثبَّت الله قلوبهم بالعلم النافع، وأمضوا أعمارهم بين الكتب ومجالس العلم متفقهين متواضعين للحق وأهله، بل إذا فتشت عنهم وجدتهم في المستنقع السابق ذكره.

وهم لا يعرفون معنى الشجاعة الحقيقي، ولا مراتب الشجاعة، فليقرءوا ما سطره الإمام ابن القيم رحمه الله في هذا الشأن ليعرفوا أين مواقعهم !

قال –رحمه الله- في الفصل الذي عقده في خاتمة كتابه الفريد الفروسية (ص466/عالم الفوائد): “وَكثير من النَّاس تشتبه عَلَيْهِ الشجَاعَة بِالْقُوَّةِ وهما متغايران فَإِن الشجَاعَة هِيَ ثبات الْقلب عِنْد النَّوَازِل وَإِن كَانَ ضَعِيف الْبَطْش؛ وَكَانَ الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَشْجَع الْأمة بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ عمر وَغَيره أقوى مِنْهُ وَلَكِن برز على الصَّحَابَة كلهم بثبات قلبه فِي كل موطن من المواطن الَّتِي تزلزل الْجبَال وَهُوَ فِي ذَلِك ثَابت الْقلب ربيط الجاش يلوذ بِهِ شجعان الصَّحَابَة وأبطالهم فيثبتهم ويشجعهم وَلَو لم يكن لَهُ إلا ثبات قلبه يَوْم الْغَار وَلَيْلَته.

وثبات قلبه يَوْم بدر وَهُوَ يَقُول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا رَسُول الله كَفاك بعض مُنَاشَدَتك رَبك فَإِنَّهُ منجر لَك مَا وَعدك.

وثبات قلبه يَوْم أُحُد، وَقد صرخَ الشَّيْطَان فِي النَّاس بِأَن مُحَمَّدًا قد قتل وَلم يبْق أحد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الا دون عشْرين فِي أُحُد وَهُوَ مَعَ ذَلِك ثَابت الْقلب سَاكن الجأش.

 وثبات قلب