قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله
*لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُها*
منهاج النبوة

الألفاظ العربية الغريبة الوحشية. للشيخ محمد سعيد رسلان.



كلمة "مُسْتَشْزِرَات" بمعنى منفتلات، وقد جاءت في شِعْر امرئ القيس، إذْ قال:
وَفَرْع يَزِينُ الْمَتْنَ أَسْوَدَ فَاحِمٍ ** أَثِيثٍ كَقِنْوِ النَّخْلَةِ الْمُتَعَثْكِلِ
غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إِلَى الْعُلاَ ** تَضِلُّ الْمَدَارى فِي مُثَنَّى وَمُرْسَلِ
الْفَرْعُ: الشَّعَرُ التَّامُّ الَّذى لا نقص فيه. الْمَتْنُ: الظَّهْرُ. الفاحِمُ: الشّدِيدُ السَّواد. الأَثِيثُ: الكثير. قِنْوُ النَّخْلة: عِذْقُها بما فيه من الرُّطب. الْمُتَعَثْكِل: الكَثِيرُ الشَّمَاريخ، وهي العيدان الحاملةُ للثّمر. غَدَائِرُهُ: أي: ذُؤاباتُه الْمَضْفُورة، مُفْردُها غديرة. مُسْتَشْزِرَات: أي: مُنْفَتِلاَتٌ، يقالُ: اسْتَشْزَرَ الحبلُ، إذا انْفتَل. تَضِلُّ الْمَدَارى: أي: تَضِيعُ الْمَدَارى، وهي جمعُ مِدْراة، والْمِدْراةُ ما يُعْمَلُ من حديدٍ أو خَشَبٍ على شْكلِ سِنٍّ مِنْ أسْنَانِ الْمُشْطِ، وأطول منه، يُسَرَّحُ بها الشعَرُ الْمُتَلَبِّدُ. والْمُثَنَّى: الْمُنْعَطِفُ بَعْضُهُ عَلى بعض. والْمُرْسَل: المتروكُ على طَبيعَتِه دُون ضَفْرٍ وَلاَ تَثْنِيَةٍ وَلاَ تَجْعِيد.

وإليكم هذه الكلمات الغالية من فارس اللغة العربية الشيخ محمد سعيد رسلان حفظه الله:
" وإنما أردت الحفاظ على لُغة أن يصيبها النتن ويأتيها العفن ويدركها بعد ذلك ما يدرك كل خارج من جلده منسلخ من قشرته. والقرآن هو هو في لفظه و حرفه ودرسه من غير ما زيادة ولا نقصان، وكذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا ما أخذنا إلى الهبوط هابطين بالبعد عن لغة القرآن الكريم العظيم ولغة نبينا صلى الله عليه وسلم فكيف نقترب من الكتاب والسنة بعد ؟!.
يقولون لك: لا نفهم ما تقول فانزل إلينا... فقل لهم: بل ارتقوا أنتم وتعالوا إليّ، لماذا أنزل؟! اصعدوا أنتم... ولاشك أن في النزول تسفلاً وأن في الصعود تطهرًا، فتعالوا...
وهذا ما قاله بحرفه أبو تمّام للكندي الفيلسوف، وكان الكندي حاضراً مجلسه وهو يمدح الخليفة بقصيدةٍ قال فيها - وكان الكندي له شانئ مبغضه - قال أبو تمّام : (قَدكَ اتَّئِب أَربَيتَ في الغُلَواءِ***كَم تَعذِلونَ وَأَنتُمُ سُجَرائي). يعني: رويداً تمهل لقد زدت في الغلو ما أكثرَ وما أعظمَ عدل العادلين وهم رفقائي... هذا هو المعنى، فلماذا يأتي به هكذا معقداً؟ فقال له الكندي وكان حاضراً : لما لا تقول ما يُفهم؟؟ قال أبو تمّام : وأنت لما لا تفهمُ ما يُقال ؟؟...
فأسأل الله أن يردنا إلى لغة العلم التي لا يتوصل إليه إلا بها لا يتوصل إلى العلم إلا بلغته (وأتوا البيوت من أبوابها) ".
والله تعالى الموفق والمستعان. اهـ

الغرابة في الكلمة كونُها غير ظاهرة المعنى ولا مألوفةِ الاستعمال عند فُصحاء العرب، وبلغائهم، في شعرهم ونثرهم، لاعند المولّدين ومَن بعدهم، فأكثر الكلام العربي الفصيح غريب عند غير فصحاء العرب وبلغائهم.
والغرابة إمّا تكون بسبب نُدْرة استعمال الكلمة عند العرب، وإمّا أن تكون بسبب أنّ التوصّل إلى المراد منها في الكلام يحتاج إلى تخريج مُتكَلَّف بعيد.
ومثَّلُوا للغريب النادر بما يلي:
* كلمة "مُسْحَنْفِرَة" بمعنى "متّسِعَة".
* وكلمة "بُعَاق" بمعنى "مطر".
* وكلمة "جَرْدَحْل" بمعنى "الوادي".
* وفُلانٌ جُحَيْشُ وَحْدِهِ، أي: عَيِيُّ الرّأْي يَسْتَبِدُّ بِهِ، وهذا ذَمٌّ.
* وكلمة "مُشْمَخِرّ" إذا استعملتْ فِي النَّثْر، وهي بمعنى "العالي".
ومثَّلُوا للغريب الذي يحتاج إلى تخريجٍ مُتكلَّف بعيدٍ لمعرفةِ المقصود به، بقول رؤبة بْنِ العجّاج يصِفُ الأنْفَ بكلمة "مُسَرَّج" فقال ابْنُ دُرَيد: هو من قولِهِمْ للسُّيوف سُرَيجيّة، أي: منسوبة إلى حدّادٍ يُسَمَّى سُرَيجاً، فهو يريد تشبيه الأنْفِ في دقَّتِهِ واستوائِه بالسَّيْفِ السُّرَيجيّ، وقال ابْنُ سِيدَه، صاحبُ المحكم: هو من السِّرَاج، فهو يريد تشبيهَ الأنْفِ في بريقه ولمعانه بالسِّراج.